193

قصر الشوق

تصانيف

ضرب السيد كفا بكف. ود في تلك اللحظة لو كان له على العلم بعض ما له على الأسرة من سلطان. وهتف محنقا: إذن لماذا يدرسونها لكم؟ هل الغاية إدخال الكفر في قلوبكم؟

فقال كمال بلهجة المحتج: معاذ الله أن يؤثر في عقيدتنا مؤثر!

فتفحصه بارتياب وهو يقول: ولكنك نشرت الكفر بمقالك!

فقال بارتياب: أستغفر الله، إني أشرح النظرية ليلم بها القارئ لا ليؤمن بها، هيهات أن يؤثر في قلب المؤمن رأي كافر. - ألم تجد موضوعا غير هذه النظرية المجرمة لتكتب فيه؟

لماذا كتب مقالته؟ لقد تردد طويلا قبل أن يرسلها إلى المجلة، ولكنه كان كأنما يود أن ينعى إلى الناس عقيدته. لقد ثبتت عقيدته طوال العامين الماضيين أمام عواصف الشك التي أرسلها المعري والخيام، حتى هوت عليها قبضة العلم الحديدية فكانت القاضية. على أنني لست كافرا، لا زلت أومن بالله، أما الدين؟ أين الدين؟ ذهب! كما ذهب رأس الحسين، وكما ذهبت عايدة، وكما ذهبت ثقتي بنفسي! ثم قال بصوت حزين: لعلي أخطأت، عذري أنني كنت أدرس هذه النظرية. - ليس هذا بعذر، وعليك أن تصلح خطأك.

يا له من رجل طيب. إنه يطمع في أن يحمله على مهاجمة العلم في سبيل الدفاع عن أسطورة، حقا لقد تعذب كثيرا، ولكنه لن يقبل أن يفتح قلبه من جديد للأساطير والخرافات التي طهره منها، كفى عذابا وخداعا، لن تعبث بي الأوهام بعد اليوم، النور النور، أبونا آدم! لا أب لي، ليكن أبي قردا إن شاءت الحقيقة، إنه خير من آدميين لا عدد لهم، لو كنت من سلالة نبي حقا ما سخرت مني سخريتها القاتلة. - وكيف أصلح الخطأ؟

فقال السيد ببساطة وحدة معا: عندك حقيقة لا شك فيها؛ وهي أن الله خلق آدم من تراب، وأن آدم هو أبو البشر، هذا مذكور في القرآن، فما عليك إلا أن تبين أوجه الخطأ وهو عليك هين، وإلا فما فائدة ثقافتك؟

وهنا جاء صوت الأم قائلا: ما أيسر أن تبين خطأ من يعارض قول الرحمن، قل لهذا الإنجليزي الكافر: إن الله يقول في كتابه العزيز: إن آدم هو أبو البشر، كان جدك من حملة كتاب الله فعليك أن تنتهج سبيله، لقد سرني أنك تبغي أن تكون مثله من العلماء.

لاح الضيق في وجه السيد، فانتهرها قائلا: ماذا تفهمين أنت من كتاب الله أو من العلم؟ دعينا من جده وانتبهي إلى ما بين يديك.

فقالت في حياء: أريد يا سيدي أن يكون كجده من العلماء الذين يضيئون الدنيا بنور الله.

صفحة غير معروفة