حملق أحمد في وجهه، ثم قطب منفعلا، وهتف حانقا: كأني غير موجود في الدنيا! حتى في هذا لا يشاورني !
ثم وهو يضرب كفا بكف: ضحكوا عليه بلا ريب، وجدوا في طريقهم لقية، بغلا بلا سائس في ثياب أفندي.
فقال محمد عفت متأثرا: تصرفات أطفال! نسي أباه، ونسي ابنه! ولكن ما الفائدة من الغضب؟
صاح أحمد عبد الجواد: يخيل إلي أنه ينبغي أن آخذه بالحزم مهما تكن العواقب.
مد محمد عفت ذراعيه كأنما يدفع رزية، وقال بتوسل: إن كبر ابنك آخه، لا تخطئ وأنت سيد العارفين، ليس عليك إلا النصيحة، وليقض الله بما هو قاض.
وخفض محمد عفت عينيه متفكرا، وبدا لحظات كالمتردد، ثم قال: ثمة أمر يهمني كما يهمك ألا وهو رضوان.
وتبادل الرجلان نظرة طويلة، ثم استطرد محمد عفت قائلا: سيبلغ الغلام السابعة من عمره بعد أشهر، وأخاف أن يطالب به فينشأ بين أحضان زنوبة، هذا شر يجب دفعه، ولا إخالك توافق عليه، فأقنعه بأن يترك الغلام عندنا حتى يقضي الله أمرا.
لم يكن من طبع أحمد عبد الجواد أن يرحب بأن يبقى ابن ابنه عند آل أمه بعد انقضاء فترة الحضانة الشرعية، ولكنه من ناحية أخرى لم يشأ أن يقترح ضمه إلى بيته هو حتى لا يضيف إلى أعباء أمينة عبئا جديدا لم تعد بحكم سنها أهلا لحمله، فقال في استسلام أسيف: لا يصح أن يتربى رضوان في بيت زنوبة هذا ما أقرك عليه.
فقال محمد عفت وهو يتنهد بارتياح: إن جدته تحبه من كل قلبها، وحتى لو دعت ظروف قهرية في المستقبل إلى أن ينتقل إلى بيت أمه، فسوف يجد هناك جدا صالحا؛ إذ إن زوج أمه رجل في الأربعين أو جاوزها، وقد حرمه الله من نعمة الذرية.
فقال أحمد عبد الجواد برجاء: لكني أفضل أن يبقى عندك. - طبعا ... طبعا، إني تكلمت عن احتمالات بعيدة أسأل الله ألا نضطر إليها، الآن لم يبق لي إلا أن أرجوك أن تترفق في مخاطبته ومحاسبته حتى يتيسر إقناعه بترك رضوان لي.
صفحة غير معروفة