قطبت في استياء، ثم قالت بلهجة المتعجب: ألم تسمع ما قلت؟ إني أعجب لما تبدي اليوم من كسل، لكن على أي حال لست الساعة كالعهد بك، أفق من الكدر الذي جلبته على نفسك بلا سبب، واسمع مني للمرة الأخيرة: لقد تجاهلت الرجل ورغبته إكراما لك.
رغب أن يعرف سنه، ولكنه لم يدر كيف يصوغ السؤال، الشباب والكهولة أمور لم تجر له في حساب من قبل، قال بعد تردد: لعله من الأغرار الذين يلقون القول بلا تردد. - ليس طفلا، إنه في الثلاثين من عمره.
أي إنه يتأخر عنه بربع قرن، والتأخر مكروه إلا في العمر، أما الغيرة فتقتلنا بلا حياء.
وعادت هي تقول: تجاهلته رغم أنه وعدني بالحياة التي أتمناها.
يا بنت القديمة! فات زبيدة أن تتعلم منك الكثير. - حقا؟ - دعني أصارحك بأني لم أعد أطيق هذه الحياة.
اذكر مرة أخرى الذبابة والعنكبوت. - حقا! - أجل، أريد حياة مطمئنة في ظل الحلال، أم تراني مخطئة؟
جئت للتحقيق معها فأين تقف الآن؟ هي التي طردتك فمن أين لك هذا الحلم كله؟ اخجل من نفسك ما بقي لك من أيام، أتفهم ما تعني إيماءاتها؟ ما أجمل الأمواج المتلاطمة في ساعة المغيب! ولما طال به الصمت استطردت قائلة بهدوء: لن يغضبك هذا، أنت رجل تقي رغم كل شيء، فلا يمكن أن تحول بين امرأة وبين الحلال الذي توده، لا أريد أن أكون بردعة لكل راكب، لست كخالتي، لي قلب مؤمن وأخاف الله، وقد صدق عزمي على هجر الحرام.
استمع إلى قولها الأخير بدهشة وانزعاج، وجعل يتفحصها بحنق داراه بابتسامة باهتة، ثم قال: لم تحدثيني عن هذا من قبل، كنا حتى أول أمس على خير حال. - لم أكن أدري كيف أكاشفك بما في نفسي.
إنها تبتعد عنك بسرعة مخيفة خبيثة، يا خيبة الأمل! إني مستعد أن أنسى ليلة أمس المشئومة، أنسى شكي وألمي، على أن تقلع عن هذا المكر الخبيث. - كنا نعيش في سعادة ووئام، فهل هانت عليك العشرة؟ - لم تهن ولكني أريد أن أجعل منها شيئا أفضل، أليس الحلال خيرا من الحرام؟
تقلصت شفته السفلى محدثة ابتسامة لا معنى لها، ثم قال بصوت خافت: الأمر بالنسبة لي مختلف جدا. - كيف؟! - أنا زوج، وابني زوج، وبناتي أزواج، الأمر دقيق جدا كما ترين ... (ثم بلهفة): ألم نكن نعيش في سعادة كاملة؟
صفحة غير معروفة