153

قصر الشوق

تصانيف

يا للحماقة! يحسب أن الحزن يمس قلبا واحة المعبود مرتعه. - الواقع أنها نهاية محزنة يا إسماعيل.

كذب في كذب، مثل تهنئتك له، يستوي في هذا ابن التاجر وابن المستشار. قال: أيعني هذا أنك ستقضي عمرك كله خارج القطر؟ - هذا هو المتوقع، لن نرى مصر إلا في القليل النادر.

قال إسماعيل متعجبا: حياة غريبة! هلا فكرت فيما ينتظر أولادك من متاعب؟

وا قلباه! أيليق هذا العبث بالمعاني! يحسب الشرير أن المعبودة تحبل وتتوحم، وتنداح بطنها وتتكور، ثم يجيئها المخاض فتلد! أتذكر خديجة وعائشة في الأشهر الأخيرة؟ هو الكفر، لم لم تشترك في جمعية الكف السوداء؟ الاغتيال خير من الكفر وأنجع ، وتجد نفسك يوما في قفص الاتهام وعلى المنصة سليم بك صبري والد صديقك الدبلوماسي وحمو معبودتك، كما مثل بين يديه قتلة السردار في هذا الأسبوع، الخائن!

حسين شداد ضاحكا: أتقطع الدول علاقتها السياسية حتى يربى أولاد الدبلوماسيين في بلادهم؟

بل تقطع الرءوس! عبد الحميد عنايت ... الخراط ... محمود راشد ... علي إبراهيم ... راغب حسن ... شفيق منصور ... محمود إسماعيل ... كمال أحمد عبد الجواد الإعدام شنقا، القاضي الوطني سليم بك صبري، القاضي الإنجليزي مستر كرشو، الاغتيال هو الجواب، أتريد أن تقتل أم تقتل!

وخاطب إسماعيل حسين قائلا: رحيل أختك سيحمل والدك على الإصرار على رفض فكرة سفرك أنت!

فقال حسين شداد باطمئنان: قضيتي تقترب من الحل الموفق بخطى ثابتة.

عايدة وحسين في أوروبا! إنسان يفقد في ساعة حبيبه وصديقه، تفتقد روحك معبودها فلا تجده، ويفتقد عقلك أليفه فلا يجده، وفي الحي العتيق تعيش وحيدا مهجورا كأنك صدى حنين هائم منذ أجيال، تأمل الآلام التي ترصدك، آن لك أن تحصد ثمار ما زرعت من أحلام في قلبك الغر، توسل إلى الله أن يجعل الدموع دواء للأحزان، وعلق إن استطعت جسمك بحبال المشانق، أو ضعه على رأس قوة مدمرة تنقض بها على العدو، غدا تلقى روحك خلاء كما لقيت بالأمس ضريح الحسين، يا خيبة الآمال! والمخلصون قتلى، أما أبناء الخونة فسفراء. قال إسماعيل لطيف وكأنه يخاطب نفسه: لن يبقى في مصر إلا أنا وكمال، وكمال غير مأمون الجانب؛ لأن صديقه الأول - قبل أو بعد أو مع حسين - هو الكتاب.

فقال حسين في ثقة وإيمان: لن يقطع الرحيل ما بيننا من أسباب.

صفحة غير معروفة