سيارة واحدة تحملهما معا، مشاركة من نوع ما تعز فيما عدا الأحلام، تهمس الأماني: لو جلست أنت في المقعد الخلفي، وجلست هي في المقعد الأمامي؛ لملأت عينيك منها طوال الطريق ولا رقيب، لا تكن طماعا جحودا، واسجد حمدا وشكرا، استنفذ رأسك من شتى الفكر، وخلص نفسك من تيار الوجد، وعش بكل وعيك في الساعة الراهنة، أليست ساعة بالعمر أو أكثر؟ - لم أستطع أن أدعو حسن وإسماعيل إلى رحلتنا هذه.
نظر كمال إليه كالمتسائل دون أن ينبس، بيد أن قلبه خفق في سرور وحياء لهذا الامتياز الذي خص به وحده، على حين استطرد حسين قائلا بلهجة المعتذر: السيارة كما ترى لا يمكن أن تتسع للجميع.
فقال كمال بصوت خافت: هذا واضح.
فعاد الآخر يقول باسما: وإذا لم يكن من الانتخاب بد فانتخب من يشابهك. ولا شك أن ميولنا متقاربة في هذه الحياة، أليس كذلك؟
فقال كمال بوجه وشت أساريره بالفرحة التي غمرت قلبه: بلى!
ثم وهو يضحك: غير أني قانع بالرحلة الروحية، أما أنت فيبدو أنك لن تقنع حتى تصل الرحلة الروحية بالرحلة حول الأرض. - ألا تهفو نفسك إلى السياحة في جنبات الأرض الواسعة؟
فكر كمال قليلا، ثم قال: يخيل إلي أني مطبوع على حب الاستقرار وكأني أجفل من فكرة الرحلات، أعني من الحركة والاضطراب لا من الرؤية والاستطلاع، وددت لو كان من الميسور أن يطوف بي العالم حيث أنا .
ضحك حسين شداد ضحكته اللطيفة المنبعثة من القلب، وقال: قف في منطاد ثابت إن استطعت، وانظر إلى الأرض وهي تدور من تحتك.
تملى كمال ضحكة حسين اللطيفة الجذابة مليا، فوردت ذهنه صورة حسن سليم، وراح يقارن بين هذين اللونين من الأرستقراطية: أحدهما يمتاز باللطف والبشاشة، والآخر يتسم بالتحفظ والكبرياء، وكلاهما بعد ذلك جليل. وقال كمال: من حسن الحظ أن الرحلات الفكرية لا تقتضي التنقل حتما.
فرفع حسين شداد حاجبيه فيما يشبه الشك، غير أنه عدل عن متابعة الموضوع قائلا بابتهاج: المهم الآن أننا نقوم برحلة قصيرة معا، وأن ميولنا متقاربة في هذه الحياة.
صفحة غير معروفة