وأرتج على سهير، فما تدري بماذا تجيب ابنتها، وقبل أن تصوغ جوابا، سمعت أقدام سليمان صاعدة على السلم فنادت: سليمان. - نعم. - وصفي منتظرك في بيته، ويريدك أن تذهب إليه الآن. - الآن؟ - نعم.
وعاد سليمان طريقه إلى الباب الخارجي، وما كاد يتركه حتى دخل البيت عبد البديع ووراءه السيد حاملا حقائبه.
وأرسل عبد البديع إلى سهير يستأذنها أن يلقاها فأذنت، وصعد إليها ينبئها أنه جاء بسيد ليقيم لديهم، فرحبت به وطلبت إلى عم دهب أن يعد حجرة للسيد، وينصرف عبد البديع داعيا لسهير وأولادها بطول العمر والرفاهية، ولا ينسى عبد البديع ألا يدعو لسليمان بأي خير، فما كان يرجو له خيرا.
الفصل السادس عشر
كان وصفي جالسا في بيته ثائر الأعصاب يفكر في هذا الأمر الذي لقيه به وزير الأشغال في يومه هذا، أي مخجلة تلك التي يطالعه بها أقاربه، وأي قريب؟ إنه زوج سهير، لا يطيق وصفي أن يروع حياة سهير وأولادها بأكثر مما روعها، إنه يشعر أنه المسئول عن هذا الزواج الذي ألقيت إليه سهير.
لم يشأ جعفر أن يترك أباه في زحمة من ضيقه هذا، بل هو يدخل إليه يطلب بعض المال ليشتري كتبا جديدة ظهرت، وقد تعود وصفي ألا يرد لابنه طلبا مثل هذا، ولكنه في ضيقه هذا يوشك ألا يحفل أمر ابنه، ثم ما يلبث أن يعطيه ما طلب، ويخرج جعفر، وما هي إلا بعض دقائق حتى يدخل سليمان: خير يا باشا؟ - أي خير يا سي سليمان؟ - ماذا؟ ماذا حصل؟ - يا سليمان أنت تعلم كم جاهدت من أجلك، حتى تصل إلى مركزك هذا. - نعم أعلم. - أيليق بك بعد هذا أن تلوث سمعتنا، ونحن نعتمد على الشرف في حياتنا، ونحارب أعداءنا بنزاهتنا؟ ماذا يقول الناس عنا؟
وأحس سليمان أن وصفي عرف ما ارتكبه، وأوشك أن يماري الحق، ولكنه عدل عن ذاك وارتأى أن يستمر في تغابيه: ماذا؟ - إحسان بك عبد الفتاح.
وأرتج على سليمان لحظة، ثم قال: ما شأنه؟ - ماذا جرى يا سليمان؟ أتراني فارغا لهذا التغابي؟ لقد كنت عند وزير الأشغال الآن وهو الذي أخبرني! - أخبرك بماذا؟ - بأنك أخذت رشوة من إحسان. - أنا؟ أنا؟ - نعم أنت. - لماذا؟ - لتحفر له ترعة في أرضه التي اشتراها حديثا بعقد عرفي. - إنه لم يقل إنها رشوة. - فماذا قال؟ هدية؟! - أبدا، وإنما قال إنه يتبرع بها.
وقال وصفي ساخرا: يتبرع بها؟! لماذا؟ هل أصبحت جمعية خيرية على آخر الزمن؟ - لا ولكن كنت أفكر أن أشترك في جمعية العميان، وكان الحديث معي في ذلك الشأن يجري أمام إحسان بك فتبرع بالمبلغ. - بخمسمائة جنيه؟! أهذا تبرع؟ إنها رشوة يا باشمهندس، رشوة!
وحاول سليمان أن يفتعل ثورة: لا، أنا لا أقبل الرشوة، لا أبدا!
صفحة غير معروفة