راحت البنتان تتواثبان حول أم وديدة، جاعلتين السبب الظاهر لفرحتيهما أنها قد جاءت لهما بما طلبته كل منهما في الأمس من ملابس وأقمشة.
واستقبلتها السيدة تفيدة في فرح هادئ شاع في وجهها كله، وأطل من عينيها الطيبتين، ومن صوتها وهي تقول بعد أن صفقت بيديها: يا بنت هاتي القهوة.
وواجهت أم وديدة هذا الاستقبال الفرحان بوجمة حزينة، ووجه شاحب كالثلج، وعقل مذهوب، وقد وضحت آلامها جميعا في صوتها وهي تقول: اعملي القهوة سادة يا نبوية.
واكفهر وجه الست الكبيرة وقالت: لماذا يا أم وديدة كفى الله الشر؟! - والله يا ستي كنت عند جماعة وسمعت - ويا شوم ما سمعت - حكاية - بعيد عنك - ومن ساعتها وأنا مخي داير وربنا يستر. - خير يا أم وديدة؟
وانطفأت الفرحة عن وجوه الأسرة جميعها، وارتمت الفتاتان إلى الأرض بجانب أم وديدة، واشرأبت إليها رأساهما، وجف فمهما، فما تطيقان كلاما، وما تطيقان صمتا. - خير يا أم وديدة؟ - والله يا ستات لا خير أبدا، لا إله إلا الله.
وقالت الست تفيدة: يا أختي قولي، نشفت ريقنا.
وخلست أم وديدة نظرة إلى سهير، ثم أطرقت وصعدت تنهيدة عميقة، وقالت: لا حول ولا قوة إلا بالله، كان بودي يا ستي سهير أن يحمل غيري الخبر، ولكن لا عليك يا ابنتي، غيره أحسن منه.
وحملقت عينا سهير في أم وديدة، وأوشكت أن تصرخ «وصفي» ولكن أمسك بلسانها وجود أمها وأختها، وأمسك بها استدراك أم وديدة السريع بصوت رفعته حتى يطغى على ما قد يبدر من سهير: وصفي يا ستي الكبيرة، سيدي وصفي بك.
ودقت السيدة الكبيرة صدرها وهي تقول: ما له يا أم وديدة؟ ما له وصفي؟
وقفزت سميحة واقفة ذاهلة: ما لوصفي يا أم وديدة؟
صفحة غير معروفة