ولم يرد الجانب المصري في معاهدة سنة 1936 أن يعطي لبريطانيا حقا دائما في الدفاع عن القناة، بل جعل بموافقة بريطانيا الحق الأول في الدفاع عنها للجيش المصري.
على أنه بعد إلغاء مصر لمعاهدة سنة 1936 في 8 أكتوبر سنة 1951 ظلت بريطانيا إلى الوقت الحاضر متمسكة بمركزها في قناة السويس بعد أن تقدمت هي والولايات المتحدة وفرنسا وتركيا بمقترحات الدول الأربع، فرفضتها مصر، وبررت إنجلترا موقفها في القناة بما يأتي: (1)
أن منطقة القناة منطقة استراتيجية تصلح قاعدة للدفاع عن الشرق الأوسط والعالم الحر. (2)
حماية حرية المرور في القناة، وهذا - كما ترى إنجلترا - أمر لا يهم إنجلترا وحدها بل يهم العالم جميعا، وما وجود إنجلترا - كما أعلن الجنرال روبرتسون قائد القوات الإنجليزية في الشرق الأوسط في آخر سنة 1951، وكان يتكلم باسم الحكومة البريطانية - «إلا مساهمة منها في الدفاع عن العالم الحر»، ولكن العالم والمعسكر الحر لم ينتدبا إنجلترا للقيام بهاتين المهمتين، ولم ترض مصر صاحبة القناة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية عن وجود الإنجليز في القناة، وصرحت رسميا بذلك أكثر من مرة لإنجلترا وللعالم الممثل في مجلس الأمن، بل وألغت معاهدة سنة 1936 نفسها.
وإذا كان للمؤرخ أن يمتد به النظر إلى الحاضر والمستقبل، فإن استمرار الموقف الحاضر لا يحقق رغبات إنجلترا ولا سياستها بأي حال؛ فالقناة لن تكون آمنة، ولن تكون مركزا استراتيجيا ذا غناء إلا إذا كانت القوات الموجودة فيها مطمئنة، وإلا إذا كانت المواصلات بكل أنواعها في منطقة القنال آمنة، وإلا إذا كانت الأيدي العاملة والمواد الغذائية فيها متوفرة، وكلها أمور لم تتوفر بعد إلغاء المعاهدة.
ولقد وصفت صحيفة التيمز الأسبوعية في 2 يناير سنة 1952 الموقف الاستراتيجي في قناة السويس من حيث وجهة النظر الإنجليزية، فقالت ما ملخصه: «إن مصلحة إنجلترا الاستراتيجية في القناة عظيمة، وأن قواعدها الحربية فيها قيمة، ولكن التمسك بها في وجه عداء مصر ومقاومتها معناه ربط عدد كبير من القوات دون داع؛ معناه اضطراب الأمور في الشرق الأوسط، إن القوات البريطانية في مصر قوية، وقيمة قواعد قناة السويس هي في سهولة اتصالها بالبحر الأبيض المتوسط شمالا وبالبحر الأحمر جنوبا، فمنها تستطيع إنجلترا إرسال قوات إلى أية جهة في مساحة واسعة، وأما الغرض الآخر من وجودها، وهو الدفاع عن القناة، فهذا أمر ثانوي، ولكن إذا كانت القوات الموجودة في هذه القواعد مشغولة طول الوقت بالدفاع عن نفسها، فإن قيمة هذه القواعد تقل كثيرا.»
وإلى هذا التاريخ لم تحل مشكلة القناة.
ولا يسعني في هذا الكتاب إلا أن أعترف بالفضل الكبير لحضرة صاحب العزة محمد شفيق غربال بك لما تفضل به من اقتراحات طيبة ونقد قيم وعون مشكور.
كما أشكر الجمعية الملكية للدراسات التاريخية التي تفضلت فقبلت أن يحمل هذا الكتاب اسمها.
محمد مصطفى صفوت
صفحة غير معروفة