قد تقتلع الطبيعة بشوكة حقل، لكنها تعود إليك. (هوراس، الكتاب الأول، الرسالة العاشرة)
اطرد الطبيعة ترجع إليك خببا. (ديستوش، «جلوريو»، الفصل الثالث، المشهد الخامس)
يكبح كل من الدين والنازع الأخلاقي قوة الطبيعة، لكنهما لا يستطيعان تحطيمها. السكير المعزول في الدير، الذي تقلل حصته إلى ربع لتر من عصير التفاح المخمر في الوجبة لن يعود يثمل؛ لكنه سيظل يحب الخمر.
تضعف الشيخوخة الشخصية. إنها شجرة لا تنتج سوى ثمار سيئة، لكن الثمرة تبقى دوما من الطبيعة نفسها. إنها متغضنة مغطاة بالطحالب، وتصبح وقد أكتلها الديدان؛ لكنها دوما شجرة سنديان أو كمثرى. إن كان بمقدور المرء أن يغير شخصيته، فسيمنح نفسه شخصية تسيطر على الطبيعة. وهل يمكن أن يمنح المرء نفسه شيئا؟ ألا نتلقى كل شيء؟ حاول أن تحرك رجلا كسولا بنشاط متواصل؛ أن تجمد باللامبالاة نفس رفيق طائش تغلي؛ أن تلهم شخصا آخر لا أذن له ولا ذوق بأن يتذوق الموسيقى والشعر؛ لن تنجح أكثر مما لو شرعت في منح البصر لمن ولد أعمى. نحن نكمل ونرقق ونخفي ما وضعته الطبيعة بداخلنا؛ لكننا لا نضع أي شيء بداخلنا على الإطلاق.
قال امرؤ لفلاح: «لديك سمك أكثر مما ينبغي في تلك البركة، لن يكبر؛ هناك ماشية أكثر مما ينبغي في مرجك، والعشب يتناقص، وستصبح تلك الماشية نحيفة.» حدث بعد هذا التحذير أن التهم سمك الكراكي أكثر من نصف أسماك المبروك لدى صاحبنا، وأن التهمت الذئاب نصف أغنامه؛ فسمنت البقية. أيمكن أن يهنئ نفسه على تدبيره؟ هذا الريفي هو أنت؛ فإحدى عواطفك التهمت العواطف الأخرى، بينما تعتقد أنك انتصرت على نفسك. ألا نشبه جميعا هذا الجنرال العجوز الذي بلغ التسعين من عمره إذ يلتقي بعض الضباط الصغار وهم يزنون مع بعض الفتيات؛ فيقول لهم بغضب: «أيها السادة، أهذه هي القدوة التي منحتكم إياها؟»
الدجال
المقالة المعنونة «الدجال» في «القاموس الموسوعي » مليئة بحقائق مفيدة، ومعروضة على نحو جيد. عرض فيها شوفالييه دي جوكور الدجل في الطب.
سننعم هنا ببعض الحرية لنضيف بعض التأملات. يسكن الأطباء في المدن الكبيرة، فما من أطباء تقريبا في الريف؛ فالمدن الكبيرة هي التي يكون فيها المرضى الأغنياء، وتكون أسباب أمراضهم هي: العهر، والإفراط في الطعام، والعواطف. قال ديمولان - ليس المحامي، ولكن الطبيب الذي كان ممارسا عاما جيدا كالآخر - وهو يموت، إنه ترك من ورائه طبيبين عظيمين: الحمية وماء النهر.
في عام 1728م، وفي زمن القانون، أفضى الدجال الشهير، من الطراز الأول هو الآخر، المسمى فيلار إلى بعض الأصدقاء، بأن عمه الذي عاش حوالي مائة عام ولم يمت إلا بحادث، قد ترك له سر ماء يمكنه بسهولة أن يطيل العمر إلى مائة وخمسين عاما، بشرط أن يكون الإنسان معتدلا. حينما شاهد جنازة تمر، هز كتفيه في شفقة، وعلق بقوله: لو أن المتوفى شرب من مائي لما كان في هذا الموضع. وأكد أصدقاؤه - الذين أعطاهم من ذلك الماء بسخاء واتبعوا الحمية الموصوفة بقدر ما - هذا وأثنوا عليه. باع حينئذ زجاجة الماء بستة فرنكات، وكانت المبيعات مذهلة. كان ماء من نهر السين مضافا إليه قليل من النترات. أولئك الذين تناولوه، وأخضعوا أنفسهم لنظام غذائي معين، وفي مقدمتهم أولئك الذين ولدوا بصحة جيدة، تمتعوا بصحة ممتازة في غضون أيام قليلة. قال للآخرين: «إنه خطؤكم إن لم تشفوا تماما؛ صححوا هاتين الرذيلتين وستحيون مائة وخمسين عاما على الأقل.» انصلح حال بعضهم، وزادت ثروة هذا الدجال الطيب مثل سمعته. وضعه الأب دي بونس المتحمس في مكانة أعلى من المارشال دي فيلار، قائلا له: «إن المارشال يقتل الرجال؛ لكنك تحييهم.»
علم الناس أخيرا أن مياه فيلار مجرد مياه نهر عادية، فلم يطلبوا المزيد منها، وانصرفوا إلى دجالين آخرين.
صفحة غير معروفة