وبعدين أمهم ماتت، والسلطان تزوج بنت الوزير، وكان الوزير يكره أولاد السلطان؛ لأنهم مضيقين عليه، ومش مخليين له كلام، فسلط بنته، وقال لها: لازم تعملي حيلة تخلي السلطان يكره أولاده.
قامت البنت احتارت تعمل إيه، إلا ودخلت عليها مربيتها، وكانت عجوز نحس وإبليس يتعلم منها المكر، فقالت لها: مالك زعلانة محتارة، فقالت لها: يا أمي العجوز، الأمر فيه وفيه، وأنا مش عارفه أعمل إزاي؛ قالت لها: بس كده! دا شيء بسيط، وبكره الصبح ما تقوميش، ولما يسألك السلطان قولي له بس عيانه شويه، وبعدين يحلها ربنا، نهايته ولا أطولش عليكم في الصبحية قعدت تنازع، قال لها السلطان: مالك، قالت له بس عيانه شويه النهارده، فاتها وطلع لشغله جاتها العجوزة، ومعها رقاق ناشف، حطته تحت فرشها، وصارت كل ما تتقلب يطقطق الرقاق، وتقول هي: دي عظامي بتطقطق، وتنازع وتصرخ، استعجب السلطان وجاب لها الحكماء وهم ما يعرفولهاش دوا.
شويه وفات واحد من تحت الشباك وكان دا ابن العجوزة ومعلماه، وهو ينادي ويقول: عيان نداوي، مريض نداوي قالت امرأة السلطان له: نادي الحكيم ده يمكن يعرف مرضي، دخل عليها وبص كده وكده وفتح الكتاب، وبعدين قال: يا ملك الزمان ووحيد العصر والأوان، دا مرض الملكة مش من الأرض، دا مرضها من الجان؛ قال له السلطان: إذا كنت عرفت مرضها اعرف لنا دواها.
قام فتح الكتاب وقال: دواها ميجيش إلا على بلبل الصباح، قال السلطان: وفين بلبل الصباح؟ فقال له: في البستان المسحور، ورا السبع بحور، ولا يجبوش إلا أولاد الملوك، قال السلطان: دا أمر سهل، وأنا عندي أولادي ما شاء الله ما فيش أشجع من كده، وطلع حكى لهم على ما قاله الطبيب قالوا له: يا أبونا إحنا في خدمتك، ومطرح ما تأمرنا إحنا ما نتأخرش، أخذوا الزاد، وركبوا خيولهم، واعتمدوا على خالقهم، وساروا على بركة الله، وصلوا على زين الملاح ، ومشوا التلاتة، بلد تشيلهم وبلد تحطهم، لما دخلوا في وسط الجبال، انتهى بهم المسير إلى آخر الطريق، ثم وجدوه ينقسم إلى ثلاثة شعب مكتوب على واحدة منهم دي سكة السلامة، وعلى التانية دي سكة الندامة، وعلى التالتة دي سكة اللي يروح ما يرجعش، وأخيرا انتظروا على أنهم يعملوا قرعة، وكل واحد يمشي في سكة، فأما الشاطر حسن فمشي مشي وبعدين رجع لبلده، وحكى لأبوه على ما كان؛ وأما الشاطر محمد فتاه في الطريق ومشي مشي مالاقاش حاجة ورجع لبلده، وأما الشاطر علي ففضل ماشي طول النهار، أخيرا لقى جنينة لا ليها أول يعرف ولا آخر يوصف، وفيها كل أصناف الزهور والفواكه، وفي وسطها قصر عظيم، دخل جميع قاعات القصر ما عرفش حد، فاستعجب، وفي أوضة من الأرض لقى سفرة تامة من جميع الأصناف، والكراسي مرصوصة حوالين السفرة، وقعد يستنى يستنى ماحدش جه.
فقال له عقله: قوم اتعشه، فأكل لما شبع، وراح غسل إيديه وقعد جنب الشباك يشم الهوا، بص على باب الجنينة لقى غول داخل، فخاف وارتعش، قام جري يدور على مطرح يستخبى فيه، واحتار ورجع تاني دخل الأوضة اللي كان فيها، واستخبى ورا الباب، فالغول ضرب الحيطة وخبط بإيده عليها، انفتح فيها باب مسحور، وجلس على السرير وقال: اطلعوا، طلعت عشر بنات زي النجف، وقعد الجميع على السفرة، وقعدوا يأكلوا، ثم قال الغول: مين اللي رايحة تكون عورستي الليلة؟ ما حدش رد، قام وسحبهم من شعورهم، ودخلهم أوضة وقفل الباب، قام الشاطر علي وخرج في الجنينة لقى العشر بنات مساكين، وقالوا له: إنت إنس ولا جن؟ قال لهم: إنس، قالوا له: إيش جابك هنا؟ فحكى لهم على اللي حصل، فخرجوا يلفوا في القصر، وبعدين لقوا دولاب فتحوه، لقوا سلم فضلوا نزلين أربعين سلمة، فضلوا ماشيين لقوا بحر مالح، وقعدوا على البحر يستنوا مراكبي، ولما فات مراكبي شاوروا له بمناديلهم قالوا له: إحنا فين؟ قال لهم: أنتوا جايين منين؟ وعزم المراكبي علشان يأتي بالغول، ومسك سيف، ولما دخل الغول، قال : باسم الله يا عزم أبوي وجدي، وخبطه قسمه نصفين، وبصوا لقوا دمه لهاليب نار، ويسأل الساحر الشاطر علي، فحكى له حكاية بلبل الصباح، وأخيرا وبعد عذاب طويل رجع الشاطر لأبوه وحكى له الحكاية فلما سمع الملك هذه الحكاية شال الملكة من على السرير، وفتش تحتها فلقى رقاق، فسحب عليها السيف وقال لها: وحياة راس أبوية إن ما قلتليش على الحكاية اقطع راسك، فحكت له الحكاية فقال لها: سامحتك، وخرج على الديوان وقطع رأس الوزير وجهز موكب عظيم وركب الشاطر علي وقعد هو وأبوه متهني لآخر عمره، وتوتة توتة فرغت الحدوتة، حلوة ولا ملتوتة، وإن كانت حلوة، عليك غنوة، وإن كانت ملتوتة، احكي لنا حدوتة. (2)
أحدتك حدوتة، بالزيت ملتوتة، حلفت ماكلها، حتى ييجي تاجرها، تاجرها فوق السطوح، والسطوح من غير سلم، والسلم عند النجار، النجار عاوز مسمار، والمسمار عند الحداد، والحداد عاوز بيضة والبيضة في بطن الفرخة، والفرخة عاوزة قمحة، والقمحة عند التاجر، والتاجر عايز فلوس، والفلوس عند الصريف، والصريف عاوز حنة، والحنة في إيديهم، ضربة تكور عينيهم، وهي حدوتة لطيفة تدل على مبلغ اتصال الأعمال بعضها ببعض، وهي في معنى قول المتنبي:
الناس للناس من بدو وحاضرة
بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم •••
وقد سمعها رجل صوفي فشرحها شرحا صوفيا قال: أحدتك حدوتة، بالزيت ملتوتة، يعني السر الإلهي، حلفت ماكلها؛ أي أتناولها؛ فإن القصد لا يتم إلا بالوسيلة، حتى ييجي تاجرها المراد به المرشد الكامل، والمربي الواصل، والتاجر فوق السطوح، لا يذهب ولا يروح، بل إليه يراح، وبه تنتعش الأرواح، والسطوح عاوزة سلم، يتوصل به إليها، حيث إن المدار عليه والسلم عند النجار، وهو الأستاذ الكامل، والمسلك الواصل، والنجار عاوز مسمار، يثبت به سلم القرب والوصول، والمسمار عند الحداد، صانعه المخصوص به، والحداد عاوز بيضة؛ إذ لا يكون شيء بلا شيء ... إلخ. (3)
دخلت من عاطفة لعاطفة، لقيت مغني بزفة، لقيت حبيبي متكي، على مخدة فستقي، قال لي خدي المفاتيح واسبقي، أخذت المفاتيح وسبقت ، لقيت صبية لبية، زي الشمس المضية، متكية على مخدة حرير طرية، لو كان بيتنا قريب، كنت جبتلكو صحن زبيب؛ تأكلوا لما تصلوا على الحبيب فيجيب السامعون: «ألف صلاة عليه.» وهذا فرش الحدوتة، ثم تبتدي فيها فتقول: كان يا ماكان يا سعد يا إكرام، ما يطيب الحديث إلا بذكر النبي عليه الصلاة والسلام فيجيب السامعون عليه الصلاة والسلام، ثم يقول: كمان صلوا على النبي، ثم يقول: كمان وحدوا الله، وكله تشويق للسامعين لكي تزيد فيهم رغبة السماع. (4)
صفحة غير معروفة