وإذا مات ميت أحضر بعض النساء لقراءة القرآن على النساء صباحا، وأحضر الفقهاء من الرجال لقراءته على الرجال عصرا وبعد العشاء مدة ثلاث ليال، كما أن الميت قبل أن يدفن يستحضر بجانبه فقيه يقرأ عنده القرآن إلى أن يدفن.
ومن أسباب حضور الفقيه أن النساء يمتنعن عن الولولة والعويل متى قرئ القرآن، ولذلك يستعان على صدهن عن الولولة والصراخ بإحضار الفقيه، والفقيه أيضا يقرأ في المسجد كل يوم جمعة قبل صلاتها سورة الكهف، وفي الحفلات الكبيرة كثيرا ما يدعى فقيه يقرأ قبل الخطبة عشرا من القرآن، كما يقرأ في آخر الحفل، سواء كانت الحفلات حفلات فرح، أو تأبين، أو حفلات سياسية، وكان العميان يكاد يتحدد موقفهم ومستقبلهم بحفظ القرآن، وقراءته، وإذا منح القارئ صوتا جميلا كان ذلك باب رزق له كبيرا، وقد اشتهر بعض الفقهاء بحسن الصوت فاستدعوا للمآتم والأفراح والقراءة في الراديو، فدر عليهم ذلك مالا وفيرا، وهم يستدعون أيضا للقراءة في الأرياف للمناسبات.
وقد اعتاد الفقهاء في المآتم والأفراح أن يقرءوا جزءا من سورة البقرة عصرا، وأن يقرءوا سورة يونس وهود ويوسف والرعد والحجر والنحل والإسراء بعد العشاء ويختموا بالسور القصار.
التمثيل:
جاءت من الشام إلى الإسكندرية فرقة تمثيل عربية برياسة الشيخ خليل القباني، ومثلت بعض تمثليات منها رواية «نكران الجميل» و«هارون الرشيد»، وكان هذا التمثيل بدائيا، فلم يسمح بظهور النساء على المسرح، فكان إذا اضطر الممثل لتمثيل امرأة اختار شابا من الشبان ليمثل المرأة.
وقد مثلت كذلك روايات كان قد عربها المرحوم محمد عثمان بك جلال من فولتير وغيره؛ وارتقى التمثيل ببناء الخديو إسماعيل الأوبرا، ودعوة فرقة إيطالية لتمثيل رواية وضعت لهذا الغرض، وهي التي تسمى «عايدة»، كما ارتقى فيما بعد على يد فرقة قومية، ومن التمثيليات ما اشتهر من تمثيليات ابن دانيال الموصلي قديما.
فقد امتاز ابن دانيال بفن طريف وهو التمثيليات المسرحية، ومما يؤسف له أن مؤرخي الأدب العربي لم يعنوا بتأريخ هذا الفن مع أنه أصل من أصول الأدب، وكانت تمثيليات ابن دانيال تمثل على خيال الظل، وكانت تسلية للطبقات السفلى، ولكن لم يمنع هذا من عرضها على الكبراء، تنتقل إليهم ولا ينتقلون إليها فحكوا أن صلاح الدين كان يرى هذه التمثيليات ومعه وزيره القاضي الفاضل، وأن السلطان سليمان الأول كانت تمثل أمامه تمثيليات في خيال الظل، وكذلك الخديو توفيق.
وشاع أن خيال الظل كان سائدا منتشرا في أيام المماليك، وروى الشيء الكثير عنه ابن إياس، وقد أخذ السلطان سليم أحد الممثلين لتمتيع ابنه به وهو الذي صار بعد ذلك سلطانا وهو السلطان سليمان.
وقد وجد الباحثون بعض هذه التمثليات في بعض قرى النيل الصغيرة.
وكان ابن دانيال يؤلف تمثيلياته باللغة الفصيحة، ويميل إلى السجع، على نمط مقامات الحريري وهي مملوءة أيضا بالأشعار والزجل.
صفحة غير معروفة