لا يليق بالمسلمة لبس ما يصف جسمها 60 مقدمة المؤلف
الحمدلله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد الذي جاءنا بكتاب مبين، أعجز العالمين بما حواه من علوم وآداب، وبما امتاز به من روعة البيان وبلاغة التعبير حتى ذهلت له الألباب، وعنت لإعجازه عقول المفكرين، وبلغاء المتكلمين، ومتقدمو الكتاب، وعلى آله وصحبه حملة هذا التراث الإنساني الرائع، وحملة هذا الوحي الإلهي الخالد، وجمعنا بهم وبرسوله صلى الله عليه وسلم في مستقر الخلد والرضوان، ورضي الله عمن تبع هذا الهدى، وحمل لواءه، وأعلى شرعته، وبدد بنوره دياجير الشك والحيرة والأوهام.
أما بعد .. فقد كان دأب طلاب العلم - ولا يزالون كذلك - أن يقيدوا ما يجدونه من فوائد متناثرة خلال مطالعاتهم؛ في أوراق خاصة يرجعون إليها عند الحاجة لها، وقد كان مما يوصي به علماؤنا طلابهم: ((قيدوا العلم بالكتاب)).
ودرجت على ذلك منذ طلبي للعلم، فتجمع لي من ذلك قدر كبير ضاع أكثره في سنوات من السفر والسجن والمرض، وقد كنت بما جمعت حفيا، وعليه حريصا.
* 1 *
ولما صدرت مجلة ((حضارة الإسلام)) في دمشق منذ سنتين، رأيت أن أجعل من أبوابها بابا لفوائد مجموعة من كتب متعددة في أبحاث متنوعة، واخترت عنوانا لها ((فرائد الفوائد)) وأخذت اتابع نشر ما أختاره بقدر ما يتسع له نطاق المجلة، وكان لهذا الاب أثره المستحب في نفوس جمهرة القراء، حيث كان أحب أبواب المجلة إليهم، وأقربه إلى نفوسهم، وكانوا أسرع إلى قراءته من كل باب آخر من أبواب المجلة.
ولعل سر إقبال القراء عليه وحفاوتهم به، أنه متنوع الفائدة، طلي المادة، مزجت فيه الحكمة بالأدب، وضمت فيه الطرائف والملح إلى عيون من مسائل التفسير والحديث والفقه وغيرها من علوم الشريعة، ولم يخل من عبرة تاريخية، أو أثر أدبي، أو بحث لغوي، مما تناثر في بطون أمهات التب وكبريات المراجع.
* 2 *
وقد استحسن كثير من قراء ((حضارة الإسلام)) أن تنتشر هذه الفوائد في كتاب مستقل، لتعم به الفائدة ويسهل الرجوع إليه، وتعده بالمطالعة فترة بعد أخرى.
ورأيت في هذه الرغبة تحقيق ما أصبو إليه وأعمل له، من نشر الثقافة الإسلامية والعربية الأصيلة، ولفت أنظار المثقفين ذوي الاجاهات الإسلامية إلى ما في تراثنا الإسلامي من غذاء روحي وفكري عظيم، وما في تاريخنا الإسلامي من مفاخر الأخلاق الكريمة، ومحاسن الآداب العالية، مما يجدر بشبابنا أن يطلعوا عليه، ويفيدوا منه في حياتهم الفكرية والأخلاقية.
وها أنذا أصدر الجزء الأول من هذه الفوائد، وهو يحتوي على ما نشر في السنتين الأولى والثانية من ((حضارة الإسلام)) مضافا إليه ما يعادل ضعفها من فوائد لم تنشر من قبل. وقد أسميته: ((القلائد من فرائد الفوائد)) راجيا من الله أن يمدني بعون من رحمته لأتمكن من الاستمرار في متابعة نشر هذه الفوائد، في أجزاء متتابعة، كلما تجمع منها قدر كاف لإصداره في كتاب في مثل حجم هذا الكتاب.
*3 *
إن هذا الكتاب ليس لي فيه إلا الاختيار مما قرأت وطالعت، فقد فيه كل ما اعتقدت أن جيلنا الإسلامي في حاجة إلى معرفته من علوم وآداب ولغة وتاريخ بأسلوب لا يملون من قراءته، حيث يتنقلون فيه من زهرة إلى زهرة، ومن روضة إلى روضة، وبقدر لا يضيف عبئا ثقيلا إلى أعباء الثقافة المتنوعة المطلوبة منهم في عصرنا الحاضر.
لقد نثرت هذه الفوائد كما اتفقت من غير ترتيب ولا جمع الشبيه إلى ما يشبه، إذ رأيت ذلك أنشط للقارئ، وابعث له على متابعة القارءة، وقديما سارت كتب الأدب -وبخاصة كتب الأمالي- على هذا النهج، وإنك لتجد من المتعة في قراءة كتاب ك ((الأمالي)) لأبي علي القالي، أو ((الكامل)) للمبرد، أو ((الحيوان)) للجاحظ، أو ((البيان والتبيين)) له، ما لا تجد من المتعة في كتاب علمي مرتب الأبحاث والمسائل.
صفحة ٨