مشروعات تطوير عمرانية بمنطقة القاهرة عام 2000.
وبالرغم من أن موقف المدن الجديدة حول القاهرة غير مشجع إلى الآن، فهناك مئات المباني والوحدات السكنية التي بنيت غير مسكونة لأسباب كثيرة، على رأسها: قلة الخدمات الأساسية ونقص بعض البنية الأساسية، إلا أن الإعلان مستمر عن إنشاء مشروعات تطوير ومشروعات إسكان وغير ذلك. وعلى سبيل المثال اخترنا أحدث المشروعات التي تعلن عنها محافظة القاهرة لعام 2000 لتطوير الهوامش الجنوبية من المعادي إلى القطامية، وحول الطريق الدائري كما يوضحه الشكل
2-15 .
واضح أن هناك تركيزا على الوظيفة السكنية التي تستغرق نحو نصف المشروعات، وأن معظمها مركز في القطامية. يلي ذلك 26٪ من مساحة المشروعات مخصصة للسياحة والترفيه حول الطريق الدائري، وربما كان ذلك هو ملاعب الجولف القائمة حاليا، وثار حول العمارات الشعبية المقامة حولها جدل بمعنى: هل تهدم الأبنية الشعبية القائمة حفاظا على جمال البيئة المحيطة بالملاعب؟ وذلك برغم أن المساحات الخضراء مرغوبة في هذه المنطقة الصحراوية الصخرية، إلا أن هذه المساحة الخضراء مغلقة على عضوية كبار القوم وأغنيائهم، ولا سبيل إليها للعامة من الناس!
الصناعة تحتل المركز الثالث في وظائف هذه المشروعات، وأغلبها مركز في حلوان، والقليل منها في القطامية، وتحتل وظائف التعليم والخدمات الصحية مساحة لا بأس بها في القطامية التي تفتقر إليها كمدينة ناشئة، بينما تستخدم مثل هذه الوظائف القائمة في مدينة نصر والمعادي لخدمة التنمية السكنية الجديدة التي يتضمنها المشروع في كل منهما.
ولا يسعنا إلا التساؤل عن جدوى الإعلان عن مثل هذه المشروعات التنموية برغم عدم استكمال سابقاتها من مشروعات؟ وهل العملية التخطيطية حول القاهرة وفي القاهرة عبارة عن ميادين منفصلة لكل وزارة أو إدارة على حدة؟ ألا يستحسن إيجاد تكامل في التخطيط الفيزيقي والاجتماعي والخدمي معا في إدارة واحدة بدلا من هذا الشتات؟ (4) شبرا الخيمة: مخطط للصحة والترويح في شمال القاهرة
من نافلة القول أن المناطق الصناعية هي أحد أهم بؤرات التلوث في العالم بما تطلقه من غازات ومواد عالقة وما تلقيه من مخلفات سائلة وصلبة أغلبها تحتوي على مواد ضارة بالجسم البشري، وبعضها سام بكل المعنى. وقد تمكنت الدول المتقدمة من الحد النسبي من هذه الملوثات بتكلفة وتكنولوجيا عالية مع رقابة صارمة من قبل أجهزة عديدة حكومية وجماعات غير حكومية. ولكن تحقيق ذلك ما زال بعيد المنال في الدول النامية المنشغلة بتحسين ناتجها الوطني بتنمية الصناعة بأي شكل كان.
وربما كان الوضع في مصر قد دخل مرحلة ما من الرقابة على التلويث الصناعي؛ فقد كثرت الإشارة إليه، وترددت حوله الأقوال من الجهات المسئولة والصحافة وأنصار البيئة معا، وأنشئت له وزارة للبيئة، وهيئة حكومية عليا، ومعاهد للدراسات البيئية، ووكالات للبيئة بالكليات الجامعية، وكلها علامات مبشرة بخير قريب. ومعروف أن القول يسبق الفعل، ومن ثم بدأت بعض الإجراءات تأخذ طريقها إلى حيز الوجود، لكنها بكل المقاييس غير كافية بعد؛ بل إن بعض شركات الصناعة تشكو من تكلفة إجراءات منع الملوثات، كما أن بعضها يرى أنها تؤدي إلى تقليل الإنتاج.
ولسوء حظ القاهرة أن المناطق الصناعية قد أنشئت في مناطق متنزهات طبيعية ظلت كذلك لفترة قرون وقرون، فحلوان منذ العصر العباسي مشهود لها بطيب المناخ كمنتجع لأغنياء القاهرة وولاتها. وشبرا هي رئة القاهرة الشمالية حيث تهب الرياح الشمالية محملة بنسائم نقية عند مرورها على الزروع المختلفة؛ فتنعش جو القاهرة القائظ صيفا وتميل إلى ترطيبه شتاء. ومن هنا كانت نشأة القصور التي بناها محمد علي الكبير وبعض الأمراء في شبرا، وقد تحولت كلها إلى أبنية مدرسية باستثناء قصر محمد علي في شبرا البلد الذي أصبح مقرا لكلية زراعة جامعة عين شمس منذ أمد طويل. ولكن في الثلاثينيات من القرن الحالي تراءى لبعض أصحاب الفكر الصناعي اتخاذ شبرا الخيمة مركزا للصناعات؛ لوجود عدة عناصر مشجعة، منها: القرب من القاهرة مركز السوق الرئيسي، ولوجود الأيدي العاملة الرخيصة من سكان قرى وعزب المنطقة، ومن القاهرة بصفة خاصة حتى غلب «المهاجرون» من العمال على الصيغة السكانية لشبرا الخيمة. لم يفكر هؤلاء الصناعيين بمنطق التنمية الصناعية التي بدأها بنك مصر وشركاته في إقامة الصناعة في أماكن بعيدة عن القاهرة كالمحلة الكبرى وكفر الدوار على سبيل المثال؛ ذلك أن بدايات الصناعة في شبرا الخيمة كانت صناعات محدودة رأسماليا بالقياس إلى شركات بنك مصر، وربما كان أصحابها من جاليات غير مصرية هدفها تشغيل أموالهم في صناعات فردية محدودة موفورة الربح بالقرب من القاهرة.
أيا كانت الأسباب؛ فقد وقر ذي ذهن الصناعيين فيما بعد أن شبرا الخيمة منطقة صناعية، وتتالت المنشآت الصناعية إلى أن وصلنا إلى الوضع الحالي، حيث تغطي المناطق الصناعية ثلاثة محاور رئيسية، هي: (1)
صفحة غير معروفة