وفي اتجاه تلك القصور كان العمران يمتد مع الطرق الواسعة المتجهة إليها من المدينة. لكن أهم دفعة في النمو المركزي للمدينة بدأ بردم بركة الأزبكية في عهد محمد علي، وإنشاء شارع الموسكي من ميدان العتبة الخضراء إلى الأزهر والحسين، وشق طريق من الأزبكية إلى بولاق، وتحسين شارع الخليج وغيره الذي يقود من الموسكي إلى القلعة، وبدايات إنشاء شارع محمد علي من القلعة إلى العتبة، وفي عهد الخديوي إسماعيل تواصلت هذه المجهودات في إنشاء الشوارع الحديثة المستقيمة من محطة القطار في باب الحديد إلى العتبة والأوبرا وقصر عابدين، وإنشاء كوبري قصر النيل عام 1872 للوصول إلى القصر الجديد الذي أنشأه إسماعيل في الجزيرة - الذي أصبح فندق عمر خيام الجزيرة ثم فندق ماريوت الآن.
وكذلك كان هناك دفعة جديدة في النمو المركزي، هي تلك التي التزمت بتخطيط منطقة واسعة سميت الإسماعيلية والتوفيقية، وشملت ما بين بداية ميدان التحرير إلى شارع 26 يوليو شمالا، ومن جسر قصر النيل غربا إلى دار الأوبرا شرقا، وهي الآن «وسط البلد»،
12
وارتبط ذلك التوسع بإنشاء جسر قصر النيل كخطوة في سبيل إنشاء طريق رئيس بين عابدين وقصر إسماعيل في الجيزة. لم يتم ذلك إلا بعد إنشاء كوبري البحر الأعمى (الجلاء) عام 1877، وعلى هذا النحو تقدم العمران المخطط بين باب الحديد وبولاق شمالا وباب اللوق وميدان الإسماعيلية (التحرير) جنوبا، متجها من المدينة القديمة إلى منطقة عابدين صوب الغرب حتى ضفة النيل، ويمر فيها طريقان رئيسيان؛ الشمالي: من الأزبكية إلى بولاق (شارع 26 يوليو)، والثاني: من عابدين إلى قصر النيل (شارع التحرير)، وفيما بين باب اللوق والسيدة زينب امتد العمران إلى الغرب أيضا حتى شارع قصر العيني والقصر العالي (قصر الدوبارة) غربا، وشارع المبتديان جنوبا. وفي هذه المنطقة الجديدة أنشئت عدة قصور للأثرياء، مثل: قصر إسماعيل باشا المفتش (وزارة المالية) في لاظ أوغلي، وكان لتركز الحكم بين قصر عابدين والوزارات في لاظ أوغلي أثر كبير على امتداد العمران في منطقة المالية والسيدة زينب وجنوبها إلى البغالة، لكن وجود تلال زينهم أوقفت النمو في هذا الاتجاه، ونما العمران بعض الشيء من الحسينية وبركة الرطل قليلا إلى الشمال صوب منطقة السكاكيني وغمرة والعباسية.
شكل 1-5:
جنوب وسط القاهرة نماذج من خطط عمران القاهرة.
أما النمو المركزي صوب الشرق والجنوب الشرقي فقد حدده مانعان؛ أولهما: تلال الدراسة، والثاني: عامل بشري متمثل في وجود منطقة مقابر الجبانة الشرقية «باب الوزير، وقايتباي، وبرقوق، والغفير» والقرافة الكبرى (الإمام الشافعي) في الجنوب الشرقي، وعلى هذا النحو يكون النمو المركزي للقاهرة قد تخطى عقبة البرك التي كانت تمتد في خط طويل من الأزبكية إلى الفرائيين إلى السقايين إلى بركة الفيل، واتجه التعمير إلى النيل فأشرف عليه أو يكاد فيما بين بولاق وقصر الدوبارة فقط، بالإضافة إلى منطقة قصر العيني. وكان هذا الاتجاه الغربي صوب النيل هو الذي يمثل أكبر قدر من النمو المركزي في القرن 19، بينما ظل ذلك النمو ضئيلا في اتجاه الشمال، ولعل السبب في ذلك وجود عقبة خطيرة هي امتداد خط السكة الحديد من باب الحديد إلى السويس شمال الفجالة وغمرة مباشرة، وخط الصعيد شمال السبتية، وقد كان لهذا أثره على ضعف وبطء حركة النمو المركزي من باب الحديد صوب شبرا ومن غمرة إلى القبة والضواحي في الزيتون والمطرية. (3-3) أحياء شمال القاهرة
سبق أن ذكرنا أن بناء القصور كان له دور في مد الطرق والجسور خارج القاهرة في خلال القرن 19، وقد ساعد ذلك على أن تتخذ الطرق مجالا للنمو العمراني؛ فشارع شبرا أصبح العمود الفقري للذراع العمرانية الشمالية للقاهرة. ومع اتصال العمران شمال محطة باب الحديد تكون محور عمراني آخر مع شارع الترعة البولاقية ، ومحور جزيرة بدران الموازي لخط حديد الصعيد، وقد تلاحمت المباني على طول هذه المحاور؛ بحيث إنه يمكن القول: إن منطقة شبرا وروض الفرج والساحل وحدائق شبرا والترعة تكون في مجموعها ذراعا سميكة ضخمة تمتد قرابة 4,5كم بين باب الحديد وترعة الإسماعيلية، وتتصل عبر هذه الترعة بالإشعاع العمراني الصناعي والسكني في شبرا الخيمة التي تمتد قرابة ثلاثة كيلو مترات.
شكل 1-6:
عمران شبرا وروض الفرج في العشرينيات من القرن العشرين.
صفحة غير معروفة