الوجه الثالث: أن المخلوق ليس عنده للعبد نفع ولا ضرر، ولا عطاء ولا منع، ولا هدى ولا ضلال، ولا نصر ولا خذلان، ولا خفض ولا رفع، ولا عز ولا ذل، بل ربه هو الذى خلقه ورزقه، وبصره وهداه وأسبغ عليه نعمه، فإذا مسه الله بضر فلا يكشفه عنه غيره، وإذا أصابه بنعمة لم يرفعها عنه سواه، وأما العبد فلا ينفعه ولا يضره إلا بإذن الله، وهذا الوجه أظهر للعامة من الأول؛ ولهذا خوطبوا به فى القرآن أكثر من الأول، لكن إذا تدبر اللبيب طريقة القرآن، وجد أن الله يدعو عباده بهذا الوجه إلى الأول.
فهذا الوجه يقتضى: التوكل على الله، والاستعانة به، ودعاه، ومسألته، دون ما سواه. ويقتضى أيضا: محبة الله وعبادته لإحسانه إلى عبده، وإسباغ نعمه عليه، وحاجة العبد إليه فى هذه النعم، ولكن إذا عبدوه وأحبوه، وتوكلوا عليه من هذا الوجه، دخلوا فى الوجه الأول. ونظيره فى الدنيا من نزل به بلاء عظيم أو فاقة شديدة أو خوف مقلق، فجعل يدعو الله ويتضرع إليه حتى فتح له من لذة مناجاته ما كان أحب إليه من تلك الحاجة التى
1 / 40