إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها . وهل جرأ الناس على سرقة الأمانة وغيرها إلا رخاوة الحكم؟!
ولكن قبل أن نخلق مجالس جديدة ونكثر العدد يجب أن نؤمن النصاب! فلنضع قانونا يوجب على النائب حضور الجلسات - كما يفرضون على الطالب في بعض معاهد الحقوق في السنة الدراسية كذا وكذا ساعات - فإذا كان لا يحضر إلا الجلسة التي فيها مآرب أخرى ... يسقط حقه من المعاش الذي يقبضه في آخر الشهر. وأما أن نجرهم جرا ونسحبهم من الغرف التي يقيلون فيها؛ ليكتمل النصاب، ولا تتعطل لغة الكلام فهذا امتهان لحقوق النيابة وسمو مقامها.
قد تقول: هذا هو نمط المجالس النيابية، وأنا أعجل لك الجواب: مع أننا عريقون في التمثيل النيابي ترانا مقصرين عن سوانا، بل عن أسلافنا الذين كانوا في أواخر القرن التاسع عشر.
اقرأ مجلة «أوراق لبنانية» لصاحبها البحاثة، المدقق اللبناني الكبير يوسف إبراهيم يزبك؛ لترى كيف كان الاثنا عشر عضوا يقفون في وجه ممثل السلطان، وكلمة السلطان كانت تفزع، ثم لا يسألون عما يكون.
لقد ضاق فرنكو باشا المتصرف الثاني بمعارضة الشيخ أسعد بو صعب حتى صار يحمل الفرمان الشاهاني في جيبه، ويخرجه من كيسه المقصب، ويأمر بقراءته في الندوة، وحتى إذا بلغ القارئ اسم فرنكو، صاح المتصرف: أسعد صعبي، فهمت أني أنا متصرف جبل لبنان لا أنت! فيجيب الشيخ أسعد بو صعب: ولكنني يا أفندينا أعرف أيضا نظام جبل لبنان وحقوق شعبه.
ها قد وصلنا إلى تعديل الدستور الذي تسألني رأيي فيه، وكأني أراك تغمز بعينك ظانا أنك أحرجتني.
لا يا جندي المجهول! اسمح لي أن أقول لك، قبل الجواب بنعم: في النحو توجد علة، مقام علتين، فتمنع الاسم من الصرف. ومرض القلب، علة تقوم مقام ألف علة. فدستورنا مريض بالقلب، فلنعالجه بالتعديل. أنكون في عهد فخر الدين وغيره لبنانيين لا طائفيين ونعود إلى صميم قلب الطائفية في هذا الزمان! فأين حملة «التطعيم» للاطائفية؟ لقحوا الدستور، وإلا فلا شفاء لمريضكم. لقد استحقت الحكومة شكر لبنان على إنقاذها إياه من الجدري، فهل تتضافر السلطات الثلاث وتنقذه من طاعون الطائفية؟
نعم نريد تعديل الدستور، وخنق الطائفية التي تفرض علينا جميع الموظفين حتى المياومين منهم ... فمهما عملنا لتصحيح الانتخاب، والطائفية والمادة ستة وستة مكررة موجودتان، فلا رجاء ولا أمل.
يجب أن يعدل الدستور، فما هو كالوصايا العشر مكتوب بإصبع الرب، وليس إنجيلا أو قرآنا. إنه من عمل يد غريبة غربية تعرف حاجاتنا ولكن هدفها كان مصلحتها. كانوا يهددون رئيس الجمهورية، إذا لم يخضع لمشيئتهم، بأنه رئيس جمهورية يملك ولا يحكم. فهو رمز البلاد لا أكثر، يذيل ما يقرر بتوقيعه، ويلزم قصره منتظرا المقررات التي تأتيه. أما إذا انقاد مستخزيا، فيكون صاحب الحول والطول.
إن هذه الأدران في دستورنا لهي وصمة في جبين لبنان الحر، ولا خلاص لنا من هذه القيود إلا إذا عدلناه، وحذفنا الطائفية، وجعلنا الانتخاب الرئاسي شعبيا. إذ ذاك يكون لنا دستور ديمقراطي. ونفهم أننا لسنا في قبضة يد تقول لنا: شعور رءوسكم محصاة، ولا تسقط واحدة منها بدون إرادة أبيكم ... أما إذا ظلت الحالة على ما هي، وشعور رءوسنا محصاة، فلا يصح أبدا أن ينتخب الرئيس غير الشعب؛ نسوانا ورجالا، فتكون إذ ذاك خطيئتنا في رقبتنا. وكما سبقنا الشرق كله إلى إعطاء المرأة حق الانتخاب وترشيح نفسها، يجب أن نجعل الترشيح للرئاسة من حقوق الجميع!
صفحة غير معروفة