ما زلنا كالعشائر، فلا يستشار إلا الزعيم، ولا نحاول إرضاء أحد غيره، مع أن عصر الزعامة ولى وراح، ورئيس الطائفة لم يعد ينطق باسم الطائفة ... وكيف ينطق باسمها، وهو لا يعرفها، وهي لا تعرفه؟! ثم ماذا يشعر من لا يخالط رعيته ليعرف بؤسها وشقاءها. هو سعيد لأنه في نعيم مقيم، الخير فائض وعلى هذا يقيس غيره.
لقد مضى زمان الطاعة العمياء، وصار آخر فلاح، في آخر مزرعة، يشعر أن له كيانا مستقلا كفرد، فلا يقضي عنه بالأمر إلا المفوض منه. ولأجل تحرير الفرد، من عبودية المسيطرين عليه، قد حارب زعماء الثورات الأحرار. فهل يرجع بنا إلى الوراء؛ حيث تركنا قيودنا محطمة؟ قل لي بعد هذا: لماذا أنتقد؟!
قال والت ويتمان: أتظن أنك تتعلم دروس الحياة من أولئك الذين امتدحوك، وعاضدوك وحنوا عليك، إنك تتعلمها من أولئك الذين هاجموك وقسوا عليك؟
إن الناقد عامل لا يتقاضى أجرا غير السب والشتم، وحسبه الله، ونعم الوكيل ...
معك الحق
إلى السيد عبد الوهاب صهيون:
سامحني إذا حذفت ما خصصتني به من ثناء، فهذه عادتي كي لا يصح بي القول السائر: ومادح نفسه يقريك السلام.
أما سؤالك: «هل أنا متعصب إن كرهت فرنسا بعد الذي كان منها، أم أنني أقول الواقع ... وهل من الشروط أن يحب المسيحي فرنسا، مهما فعلت بنا ، وإلا فليس مسيحيا ... إنني لا أجد لتركيا من إسلامها شافعا بعد مقاتلتها لنا قديما وحديثا ... أليس الأجدر بنا أن نحب أنفسنا ووطننا، مسلمنا ومسيحينا، ونفقأ عيون الطامعين بنا ... إلخ؟»
الآن جاء دوري يا عبد الوهاب، فهاك الجواب: إنك من القلمون، ولو عرفت ما فعل البطرك بولس مسعد، منذ قرن، وهو مواطن لبناني، ومن كسروان، المقاطعة المارونية الصرف، لرأيت أن ليس كل المسيحيين سواء. فهذا البطرك، حين سأله السلطان عبد المجيد أن يتمنى، كما كانوا يعبرون، فلم يطلب من جلالته إلا إعفاء أهل القلمون من سوقهم إلى «السفر برلك» أي الحرب. وهكذا نجا أهل القلمون من السوق إلى ساحة القتال ليقاتلوا دون أرض لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
والمطران البستاني، حين سركله رستم باشا، ونفاه إلى القدس، قال كلمته المشهورة: نحن وفرنسا والدول المسيحية الأجنبية كالنار في زمن البرد. إن تقترب منها تحرقك، وابعد عنها تدفئك.
صفحة غير معروفة