أذكار الطهارة والصلاة

الناشر

مطابع الحميضي

رقم الإصدار

الأولى

تصانيف

آداب الخلاء وأذكاره ... أذكار الطهارة والصلاة تأليف: عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين نبيِّنا محمد وآله وصحبه أجمعين. أمَّا بعد: فإنَّ الأذكار المتعلِّقة بالطهارة والصلاة تصحبُ المسلمين كلَّ يوم وليلة، فهي على ألسنتهم تتردَّد وفي أوقاتهم تتكرَّر، إلاَّ أنَّه قد يخفى على كثير منهم معاني تلك الأذكار ودلالاتها وحِكَمِها وغاياتها، وقد سبق لي بتوفيق الله ﷿ أن كتبتُ شرحًا مختصرًا لجملة مباركة من أذكار الطهارة والصلاة ضمن كتابي "فقه الأدعية والأذكار" فرغب بعضُ الإخوة الأفاضل أن يُفردَ في رسالة مستقلة ليكون سهلَ التناول قريبَ المأخذ، وليسهل كذلك تداوله ونشره، وهو هذا الذي بين يديك. وأسأل الله الكريم أن ينفع به وأن يجزي مَن أعان على نشره خير الجزاء، وأن يجعلني وإخواني المسلمين من المقيمين الصلاة وذريَّاتنا، إنَّ ربِّي لسميع الدعاء.

1 / 3

آداب الخلاء وأذكاره لقد جاء في السُّنّة الغَرَّاء بيانُ الأدب الذي ينبغي أن يكون عليه المسلمُ عند دخولِه الخلاءَ وحال قضائه للحاجة وعند خروجه منه، وهي آدابٌ عديدة تدلُّ على كمال هذه الشريعة المباركة وتمامها، وما مِن ريبٍ في أنَّ المسلمَ يفرحُ غايةَ الفرح بتلك الآداب لِما فيها من كمال الحسن في التطهير والنظافة والتنقية والتزكية، بل إنَّها مفخرةٌ للمسلم وأكْرِم بها من مفخرة. روى الإمام مسلم في صحيحه عن سَلمان الفارسي ﵁ قال: "قيل له: قد علَّمكم نبيّكم كلَّ شيءٍ حتى الخِراءَةَ [أي: حتى كيفية قضاء الحاجة] فقال: أجَل، لقد نهانا أن نستقبلَ القبلةَ لغائطٍ أو بول، أو أن نستَنجِيَ باليمين، أو أن نستنجِيَ بأقلَّ من ثلاثةِ أحجارٍ، أو أن نستَنجِيَ برَجيعٍ أو عظمٍ" ١.

١ صحيح مسلم (رقم:٢٦٢) .

1 / 4

وفي لفظ آخر للحديث عند مسلم عن سَلمان ﵁ قال: "قال لنا المشركون: إنِّي أرى صاحبَكم يُعلّمكم حتى يُعلِّمكم الخراءةَ، فقال: أجل، إنَّه نهانا أن يستنجيَ أحدُنا بيمينه، أو يستقبلَ القبلةَ، ونهى عن الرَّوث والعَظم، وقال: لا يستنجي أحدُكم بدون ثلاثة أحجار" ١. فهؤلاء المشركون أرادوا عيبَ الصحابة ﵃ بما اشتمل عليه دينهم من تعاليم متعلِّقة بكيفية قضاء الحاجة، فقالوا على وجه السُّخريَّة: قد علَّمكم نبيُّكم كلَّ شيء حتى الخِراءةَ، فانبرى لهم سلمان الفارسيُّ ﵁ مُبطلًا انتقادَهم محطِّمًا تهكُّمَهم، وقال بكلِّ افتخارٍ واعتزازٍ "أجل" أي: نعم، لقد علَّمنا هذا الأمرَ ونحن نفخر بذلك، ثم أخذ ﵁ يُعدِّدُ لهم - مفتخرًا - شيئًا من الآداب الكريمة والتعاليم المباركة

١ صحيح مسلم (رقم:٢٦٢) .

1 / 5

التي جاءت بها السُّنَّةُ في هذا الشأن، وهي بحقٍّ تعاليم مباركة لا يعرفها هؤلاء ونظراؤهم من أشباه الأنعام، وإنَّما يعرفها مَن منحه الله التوفيق وهداه لهذا الدِّين الحنيف، فالحمد لله على ما هدانا والشكر له على ما أولانا. وفيما يلي وقفةٌ في بيان شيء من هذه الآداب. يُستحبُّ أوَّلًا للمسلم عند دخول الخلاء أن يقول: بسم الله اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذ بكَ مِنَ الخُبُثِ وَالخَبَائِثِ؛ لِما ثبت في الصحيحين عن أَنَسٍ بن مالك ﵁ قال: "كَانَ النَّبيُّ ﷺ إِذَا دَخَلَ الخَلاَءَ قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذ بكَ مِنَ الخُبُثِ وَالخَبَائِثِ" ١. والخُبث جمع خبيث، والخبائث جمع خبيثة، وقد جاء في بعض طرق الحديث ذِكر البسملة في أوَّله، قال ابن حجر ﵀: "وقد روى العُمري هذا الحديثَ

١ صحيح البخاري (رقم:١٤٢)، وصحيح مسلم (رقم:٣٧٥) .

1 / 6

من طريق عبد العزيز بن المختار، عن عبد العزيز بن صُهيب بلفظ الأمر: إذا دخلتم الخلاءَ فقولوا بسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث، وإسنادُه على شرط مسلم"١. ويشهد لهذا ما رواه ابنُ ماجه وغيرُه عن عليٍّ ﵁ مرفوعًا: "سِترُ ما بين الجِنِّ وعورات بَنِي آدم إذا دخل الخلاءَ أن يقول: "بسم الله"، وهو حديث صحيح بمجموع طرقه٢. ومن الأدب إذا كان في سفرٍ وذهب لقضاء الحاجة أن ينطلق حتى يَتَوَارى عن أصحابه؛ لِما رواه أبو داود عن المغيرة بن شعبة: "أنَّ النَّبيَّ ﷺ كان إذا أراد البَرازَ انطلق حتى لا يراه أحد" ٣.

١ فتح الباري (١/٢٤٤) . ٢ سنن ابن ماجه (رقم:٢٩٧)، وانظر: إرواء الغليل للألباني (١/٨٧ - ٩٠) . ٣ سنن أبي داود (رقم:٢)، وصحَّحه الألباني ﵀ في صحيح أبي داود (رقم:٢) .

1 / 7

ومن السُّنّة أن لا يرفع ثوبَه حتى يدنو من الأرض؛ لِما روى أبو داود عن ابن عمر ﵄: "أنَّ النَّبيَّ ﷺ كان إذا أراد حاجة لا يرفعُ ثوبَه حتى يدنو من الأرض" ١. ومن السُّنَّة أن يستترَ عن الناس؛ لِما في صحيح مسلم عن عبد الله بن جعفر ﵁ قال: "كان أحبَّ ما استَتَر به رسولُ الله ﷺ لحاجَته هَدَفٌ أو حائِشُ نَخل" ٢. ومن الأدب ألاَّ يبول في طريق الناس، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة: أنَّ رسول الله ﷺ قال: "اتَّقوا اللَّعَّانَيْن، قالوا: وما اللَّعَّانان يا رسولَ الله؟ قال: الَّذي يَتَخَلَّى في طَريق النَّاس أو ظِلِّهم" ٣.

١ سنن أبي داود (رقم:١٤)، وصحَّحه الألباني ﵀ في السلسلة الصحيحة (رقم:١٠٧١) . ٢ صحيح مسلم (رقم:٣٤٢) . ٣ صحيح مسلم (رقم:٢٦٩) .

1 / 8

وروى أبو داود في سننه عن معاذ بن جبل ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "اتَّقوا الملاعِنَ الثلاثة: البَرازَ في الموارد، وقارعةَ الطريق، والظِّلَّ" ١. والمواردُ: طرقُ الماء. ومن آداب قضاء الحاجة ألاَّ يستقبلَ المسلمُ القبلةَ بغائطٍ ولا بولٍ احترامًا لها، ولا يستَدْبرْها، وألاَّ يستنجي بيده اليمنى، فعن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "إنَّما أنا لكم بمَنْزلة الوالد أعلِّمكم، فإذا أتى أحدُكم الغائطَ فلاَ يستقبل القبلةَ ولا يستدبرها، ولا يستطِب بيمينه، وكان يأمر بثلاثة أحجار، وينهى عن الرَّوث" ٢.

١ سنن أبي داود (رقم:٢٦)، وحسَّنه الألباني ﵀ في صحيح أبي داود (رقم:٢١) . ٢ سنن أبي داود (رقم:٨)، وحسَّنه الألباني ﵀ في صحيح الجامع (رقم:٢٣٤٦) .

1 / 9

وتأمَّل ما في قوله ﷺ: "إنَّما أنا لكم بمنْزلة الوالد أعلِّمكم" من تَمام الرعاية وحسن العناية وكمال النصح. ومن الأدب إذا استجمر المسلمُ بعد قضائه الحاجة ألاَّ يستجمر بأقلَّ من ثلاث؛ لِما في ذلك من تمام الإنقاء، ولا بأس أن يستعمل ما يقوم مقام الأحجار كالمناديل ونحوها، وله أن يستنجي بالماء وهو أفضل، ففي الصحيحين عن أنس بن مالك ﵁ قال: "كان رسول الله ﷺ إذا خرج لحاجته أجيء أنا وغلام معنا إدواةٌ من ماء، يعني يستنجي به" ١. وعلى المسلم عند قضاء الحاجة أن يحذر من رَشاش البول أن يُصيب بدنَه أو ثيابَه؛ لِما روى ابن عباس ﵄ قال: مرَّ رسولُ الله ﷺ على قَبْرَين، فقال: "أمَا إنَّهما ليُعذَّبان، وما يُعذَّبان في كَبير،

١ صحيح البخاري (رقم:١٥٠)، صحيح مسلم (رقم:٢٧١) .

1 / 10

أمَّا أحدُهما فكان يمشي بالنميمة، وأمَّا الآخر فكان لا يستترُ من بوله"، وفي رواية: "لا يَسْتَنْزه عن البول أو من البول" ١. ولا يجوز للمسلم أن يتكلَّم وقت قضائه الحاجة، ولا يشتغل بشيء من الذِّكر والدعاء، ففي صحيح مسلم عن ابن عمر ﵄ قال: "أنَّ رجلًا مرَّ ورسول الله يبول، فسلَّم عليه، فلَم يردَّ عليه" ٢، وفي الحديث دلالةٌ على أنَّ المسلمَ لا ينبغي له أن يتكلَّم وقت قضاء الحاجة؛ لأنَّ النَّبيَّ ﷺ لَم يردَّ عليه بشيء، ولا ينبغي له كذلك أن يشتغل بشيء من الذِّكر والدعاء، والسلامُ ذِكرٌ ودعاء، والنبيِّ ﷺ لَم يردَّ السلام على هذا المسلِّم. فهذه جملةٌ من الآداب العظيمة لقضاء الحاجة ندب

١ صحيح البخاري (رقم:١٣٦١)، صحيح مسلم (رقم:٢٩٢) . ٢ صحيح مسلم (رقم:٣٧٠) .

1 / 11

إليها الإسلامُ وحثَّت عليها الشريعة، وهي تدلَّ على كمال هذا الدِّين وحسنه وجماله. ثمَّ إنَّ المسلمَ يُستحبُّ له إذا خرج من الخلاء أن يقول: غفرانك؛ لما رواه الإمام أحمد وأهل السنن عن عائشة ﵂ قالت: "كَانَ النَّبيُّ ﷺ إِذَا خَرَجَ مِنَ الخَلاَءِ قَالَ: غُفْرَانَكَ" ١. وقوله: "غُفْرَانَكَ" في هذا المقام قيل في معناه: أي "خوفًا من تقصيره في أداء شكر هذه النعمة الجليلة أن أطعمه ثم هضمه ثم سهَّل خروجه، فرأى شكره قاصرًا عن بلوغ حقِّ هذه النعمة، فتداركه بالاستغفار"٢. اللَّهمَّ اغفر ذنوبنا وأعنَّا على طاعتك يا ذا الجلال والإكرام.

١ المسند (٦/١٥٥)، سنن أبي داود (رقم:٣٠)، وسنن الترمذي (رقم:٧)، وسنن ابن ماجه (رقم:٣٠٠)، وحسَّنه الألباني ﵀ في صحيح الجامع (رقم:٤٧٠٧) . ٢ انظر: الفتوحات الربانية لابن علاَّن (١/٤٠١) .

1 / 12

أذكار الوضوء روى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه وغيرُهم من حديث أبي هريرة ﵁، عن النَّبيِّ ﷺ أنَّه قال: "لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لاَ وُضُوءَ لَهُ، وَلاَ وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ" ١، وهو حديث حسن بشواهده، وقد حسَّنه غيرُ واحد من أهل العلم، وهو دالٌّ على مشروعية التسمية في أوَّل الوضوء. وقد اختلف العلماء ﵏ في حكمها، فذهب الجمهور إلى أنَّها مستحبَّة، وذهب بعضُ أهل العلم إلى القول بوجوبها، إذا كان عالمًا بالحكم ذاكرًا لها، فإن جهل حكمها أو نسيها فلا حرج عليه ولا يلزمُه إعادة الوضوء.

١ المسند (٢/٤١٨)، سنن أبي داود (رقم:١٠١)، وابن ماجه (رقم:٣٩٩)، وحسَّنه الألباني ﵀ في الإرواء (١/١٢٢) .

1 / 13

وقد سئل الإمام الشيخُ عبد العزيز بنُ باز ﵀ عن حكمِ مَن ترك التسمية في الوضوء ناسيًا، فقال: "قد ذهب جمهورُ أهل العلم إلى صحَّة الوضوء بدون تسمية، وذهب بعضُ أهل العلم إلى وجوب التسمية مع العلم والذِّكر، لما روي عنه ﷺ أنَّه قال: "لا وضوء لمن لَم يذكر اسمَ الله عليه"، لكنْ مَن تركها ناسيًا أو جاهلًا فوضوءه صحيح، وليس عليه إعادتُه ولو قلنا بوجوب التسمية؛ لأنَّه معذورٌ بالجهل والنسيان، والحُجَّة في ذلك قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ ١، وقد صحَّ عن رسول الله ﷺ أنَّ الله سبحانه قد استجاب هذا الدعاءَ، وبذلك تعلم أنَّك إذا نسيتَ التسميةَ في أولِ الوضوء، ثم ذكرتها في أثنائه فإنَّك تُسَمِّي، وليس

١ سورة: البقرة، الآية (٢٨٦) .

1 / 14

عليك أن تعيد أوَّلًا؛ لأنَّك معذورٌ بالنسيان"١، اهـ كلامه ﵀. وأمَّا الدعاء على أعضاء الوضوء في أثناء الوضوء، كلُّ عضوٍ بدعاء مخصوص بأن يجعلَ لغسل اليدِ دعاءً ولغسل الوجه دعاءً ولغسل القَدم دعاءً ونحو ذلك، فهذا لَم يثبت فيه شيءٌ عن النَّبيِّ ﷺ، وليس للمسلم أن يعملَ بشيء من ذلك، ومن ذلك قول بعضِهم عند المضمضة: اللَّهمَّ اسقِنِي من حوض نبيِّك كأسًا لا أظمأ بعده أبدًا، وعند الاستنشاق: اللَّهمَّ لا تحرمنِي رائحةَ نعيمك وجنّاتك، وعند غسل الوجه: اللَّهمَّ بيِّض وجهي يوم تبيَّض وجوه وتسودُّ وجوه، وعند غسل اليدين: اللَّهمَّ أعطنِي كتابي بيميني، اللَّهمَّ لا تُعطنِي كتابي بشمالي، وعند مسح الرأس: اللَّهمَّ حرِّم شعري وبَشَرِي على النار، وعند مسح الأذن: اللَّهمَّ

١ مجموع فتاواه ومقالاته ﵀ (٧/١٠٠) .

1 / 15

اجعلنِي من الذين يستمعون القولَ فيتَّبعون أحسنه، وعند غسل الرِّجلين: اللَّهمَّ ثبّت قدمي على الصراط، فكلُّ ذلك مِمَّا لا أصل له عن النَّبيِّ الكريم ﷺ. والواجبُ على المسلم الاقتصارُ على ما جاءت به السُّنَّة، والبُعدُ عمَّا أحدثه الناسُ بعد ذلك، قال ابن القيم ﵀: "وأمَّا الأذكار التي يقولها العامةُ على الوضوء عند كلِّ عُضوٍ فلا أصل لها عن رسول الله ﷺ، ولا عن أحدٍ من الصحابة والتابعين ولا الأئمَّة الأربعة، وفيها حديث كذب على رسول الله ﷺ" اهـ١. ويُستحبُّ للمسلمِ أن يقول عقب فراغه من الوضوء: أَشْهَدُ أن لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، وأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ؛ لِما ثبت في صحيح مسلم عن عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ ﵁ قال: "كَانَتْ عَلَيْنَا رِعَايَةُ الإِبلِ، فَجَاءَتْ نَوْبَتِي، فَرَوَّحْتُهَا بَعَشِيٍّ، [أَيْ: رَدَدْتُهَا إِلَى مَكَان رَاحَتِهَا فِي

١ الوابل الصيب (ص:٣١٦) .

1 / 16

آخِرِ النَّهَارِ] فَأَدْرَكْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَائِمًا يُحَدِّثُ النَّاسَ، فَأَدْرَكْتُ مِنْ قَوْلِهِ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ، فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مُقْبلٌ عَلَيْهَا بقَلْبهِ وَوَجْهِهِ إِلاَّ وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ، قَالَ: فَقُلْتُ: مَا أَجْوَدَ هَذِهِ! فَإِذَا قَائِلٌ بَيْنَ يَدَيَّ يَقُولُ: الَّتِي قَبْلَهَا أَجْوَدُ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ ﵁ قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُكَ حَينَ جِئْتَ آنِفًا، قَالَ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ، فَيُبْلِغُ - أَوْ فَيُسْبغُ - الوُضُوءَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أن لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، وأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ إِلاَّ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ، يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ"١. ورواه الترمذي وزاد: "اللَّهمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابين واجْعَلْنِي مِنَ المُتَطَّهِّرين" ٢، وهي زيادةٌ ثابتةُ كما بيَّن أهل العلم.

١ صحيح مسلم (رقم:٢٣٤) . ٢ سنن الترمذي (رقم:٥٥)، وصحَّحه الألباني ﵀ في صحيح الترمذي (رقم:٤٨) .

1 / 17

وفي هذا الحديث يذكر عُقبة بن عامر ﵁ حِرصَ الصحابةِ ﵃ على أوقاتِهم وتعاونَهم بينهم التعاون الذي يُحقِّق الفائدةَ للجميع، ومِن ذلك أنَّهم كانوا يتناوبون رعيَ إبلِهم، فيجتمع الجماعةُ ويَضمُّون إبلَهم بعضَها إلى بعض، فيرعاها كلَّ يوم واحدٌ منهم، ليكون ذلك أرفقَ بهم، ولينصرفَ الباقون في مصالِحهم وحاجاتهم، وليتهيَّأ لهم فرصةٌ أكبرُ للاستفادة من النَّبيِّ ﷺ وحضور مجالِسه، ولَمَّا كانت نوبةُ عقبة ﵁، وعندما عاد بالإبل إلى مراحها في آخر النهار وفرغ من أمرها، جاء إلى مجلس رسول الله ﷺ ليدرك شيئًا من فوائده ولينهل من معينه المبارك، فأدرك فائدة عظيمةً فرح بها، وهي قول النَّبيِّ ﷺ: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ، فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مُقْبلٌ عَلَيْهَا بقَلْبهِ وَوَجْهِهِ إِلاَّ وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ"، فقال ﵁ مُبديًا إعجابه بهذه الفائدة العظيمة:

1 / 18

"ما أجودَ هذه"، فسمعه عمرُ بنُ الخطاب ﵁ وكان قد رآه حين دخل، فقال له: "الَّتِي قَبْلَهَا أَجْوَدُ" يُشير إلى فائدة قالها النَّبيُّ ﷺ قبل دخول عقبة ﵁، وفي هذا دلالةٌ على ما كان عليه الصحابةُ ﵃ من الحِرصِ على الخير والتعاون في الدلالة على أبواب العلم وأمور الإيمان، فذكر له عمرُ ﵁ أنَّ النَّبيَّ ﷺ قال: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ، فَيُبْلِغُ - أَوْ فَيُسْبغُ - الوُضُوءَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أن لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، وأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ إِلاَّ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ، يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ". وفي هذا فضلُ إسباغ الوضوء بإكمالِه وإتمامه على الوجه المسنون، وفضل المحافظةِ على هذا الذِّكر العظيمِ عقِب الوضوء، وأنَّ مَن فعل ذلك فُتحت له أبواب الجنَّة الثمانية ليدخل من أيِّها شاء. ويُستحبُّ أن يضمَّ إليه: "اللَّهمَّ اجْعَلْنِي مِنَ

1 / 19

التَّوَّابين واجْعَلْنِي مِنَ المُتَطَّهِّرين"؛ لثبوت هذه الزيادة عند الترمذي كما تقدَّم، وله أن يقول كذلك: "سُبْحَانَك اللَّهمَّ وبحَمْدِكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أنتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إليك"؛ لِما رواه النسائي في عمل اليوم والليلة والحاكم في مستدركه وغيرُهما عن أبي سعيد الخدري ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "مَن توضَّأ ثم قال: سُبْحَانَك اللَّهمَّ وبحَمْدِكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أنتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إليك، كُتب في رَقٍّ ثم طُبع بطَابَعٍ، فلَم يكسر إلى يوم القيامة" ١، والطَابَع: الخاتم، يريد أنَّه يُختم عليه، ولا يُفتح إلى يوم القيامة. فهذا جملةُ ما ثبت عن النَّبيِّ ﷺ من الذِّكر المتعلَّقِ بالوضوء، قال ابن القيم ﵀: "ولم يُحفظ عنه [أي رسول الله ﷺ] أنَّه كان يقول على وضوئه شيئًا

١ المستدرك (١/٥٦٤)، وصحَّحه الألباني ﵀ في السلسلة الصحيحة (رقم:٢٣٣٣) .

1 / 20

غير التسمية، وكلُّ حديث في أذكار الوضوء الذي يُقال عليه فكذبٌ مختلق لَم يقلْ رسول الله ﷺ شيئًا منه"١، ثم استثنى ﵀ حديثَ التسمية وحديثَي عمر وأبي سعيد المتقدِّمين. والله وحده الموفِّق والهادي إلى سواء السبيل.

١ زاد المعاد (١/١٩٥) .

1 / 21

أذكار الخروج إلى الصلاة، ودخول المسجد والخروج منه ثبت في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عباس ﵄: أَنَّ النَّبيَّ ﷺ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ وَهُوَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبي نُورًا، وَفِي لِسَانِي نُورًا، وَاجْعَلْ فِي سَمْعِي نُورًا، وَاجْعَلْ فِي بَصَرِي نُورًا، وَاجْعَلْ مِنْ خَلْفِي نُورًا، وَمِنْ أَمَامِي نُورًا، وَاجْعَلْ مِنْ فَوْقِي نُورًا، وَمِنْ تَحْتِي نُورًا، اللَّهُمَّ اعْطِنِي نُورًا" ١. وهذا الحديثُ يدلَّ على مشروعية قولِ هذا الدعاء عند التوجُّه إلى المسجد، وكلُّه سؤالٌ لله ﵎ بأن يجعلَ النورَ في كلِّ ذرَّاته الظاهرة والباطنة، وأن يجعله محيطًا به من جميع جهاته، وأن يجعلَ ذاتَه وجملته

١ صحيح مسلم (رقم:٧٦٣) .

1 / 22