تقريب فتاوى ابن تيمية
الناشر
دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٤١ هـ
مكان النشر
السعودية
تصانيف
(أنواع التوسل الممنوع)
١١٢ - مَن يَأْتِي إلَى قَبْرِ نَبِيِّ أَو صَالِحٍ أو مَن يَعْتَقِدُ فِيهِ أَنَّهُ قَبْرُ نَبِيِّ أَو رَجُلٍ صَالِحٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَيَسْأَلُهُ وَيَسْتَنْجِدُهُ فَهَذَا عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ:
إحْدَاهَا: أَنْ يَسْأَلَهُ حَاجَتَهُ، مِثْلُ أَنْ يَسْأَلَهُ أَنْ يُزِيلَ مَرَضَهُ أَو مَرَضَ دَوَابِّهِ، أَو يَقْضِيَ دَيْنَهُ .. وَنَحْو ذَلِكَ مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا اللهُ عزَّوجلَّ: فَهَذَا شِرْكٌ صَرِيحٌ يَجِبُ أَنْ يُسْتَتَابَ صَاحِبُهُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ.
وَإِن قَالَ: أَنَا أَسْألُهُ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ إلَى اللهِ مِنِّي لِيَشْفَعَ لِي فِي هَذ الْأمُورِ لِأنِّي أَتَوَسَّلُ إلَى اللهِ بِهِ كَمَا يُتَوَسَّلُ إلَى السُّلْطَانِ بِخَوَاصِّهِ وَأَعْوَانِهِ: فَهَذَا مِن أَفْعَالِ الْمُشْرِكِينَ وَالنَّصَارَى، فَإِنَّهُم يَزْعُمُونَ أَنَّهُم يَتَّخِذُونَ أَحْبَارَهُم وَرُهْبَانَهُم شُفَعَاءَ، يَسْتَشْفِعُونَ بِهِم فِي مَطَالِبِهِمْ، وَكَذَلِكَ أَخْبَرَ اللهُ عَن الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُم قَالُوا: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: ٣].
الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ أَلَّا تَطْلُبَ مِنْهُ الْفِعْلَ وَلَا تَدْعُوَهُ، وَلَكِنْ تَطْلُبُ أَنْ يَدْعُوَ لَك، كَمَا تَقُولُ لِلْحَيِّ: اُدْعُ لِى، وَكَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِم- يَطْلُبُونَ مِن النَّبِيِّ ﷺ الدُّعَاءَ، فَهَذَا مَشْرُوعٌ فِي الْحَيِّ، وَأَمَّا الْمَيِّتُ مِن الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَغَيْرِهِمْ فَلَمْ يُشْرَعْ لنَا أنْ نَقُولَ: اُدْعُ لَنَا، وَلَا اسْأَلْ لَنَا رَبَّك، وَلَمْ يَفْعَلْ هَذَا أَحَدٌ مِن الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَلَا أَمَرَ بِهِ أحَدٌ مِن الْأَئِمَّةِ، وَلَا وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ؛ بَل الَّذِي ثَبَتَ فِي الصَّحِيح أَنَّهُم لَمَّا أَجْدَبُوا زَمَنَ عُمَرَ ﵁ اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ إنَّا كُنَّا إذَا أَجْدَبْنَا نتَوَسَّلُ إلَيْك بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِيَنَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْك بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا فَيُسْقَوْنَ.
وَلَمْ يَجِيئُوا إلَى قَبْرِ النَّبِيِّ ﷺ قَائِلِينَ: يَا رَسُولَ اللهِ اُدْعُ اللهَ لَنَا وَاسْتَسْقِ لَنَا وَنَحْنُ نَشْكُو إلَيْك مِمَّا أَصَابَنَا وَنَحْو ذَلِكَ، لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِن الصَّحَابَةِ قَطُّ؛ بَل هُوَ بِدْعَةٌ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ (^١).
(^١) أي: أنه مما أحدث وليس لأن حكمَه بدعة لا يصل إلى الشرك؛ بل هو من الشرك، كما قرره في عدة مواضع، كما سيأتي بحول الله.
1 / 80