تقريب فتاوى ابن تيمية

أحمد بن ناصر الطيار ت. غير معلوم
66

تقريب فتاوى ابن تيمية

الناشر

دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٤١ هـ

مكان النشر

السعودية

تصانيف

٩٤ - الْإِذْنُ نَوْعَانِ: أ- إذْنٌ بِمَعْنَى الْمَشِيئَةِ وَالْخَلْقِ. ب- وَإِذْنٌ بِمَعْنَى الْإِبَاحَةِ وَالْإِجَازَةِ. فَمِن الْأوَّلِ: قَوْلُهُ فِي السِّحْرِ: ﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٠٢]، فَإِنَّ ذَلِكَ بِمَشِيئَةِ اللهِ وَقُدْرَتهِ، وَإِلَّا فَهُوَ لَمْ يُبح السِّحْرَ. وَالنَّوْعُ الثَّانِي: قَوْلُهُ: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٤٥) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ﴾ [الأحزاب: ٤٥، ٤٦]، وَقَوْلُهُ: ﴿مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [الحشر: ٥]؛ فَإِنَّ هَذَا يَتَضَمَّنُ إبَاحَتَهُ لِذَلِكَ وإجَازَتَهُ لَهُ، وَرَفْعَ الْجُنَاحِ وَالْحَرَجِ عَن فَاعِلِهِ، مَعَ كَوْنِهِ بِمَشِيئَتِهِ وَقَضَائِهِ. فَقَوْلُهُ: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة: ٢٥٥] هُوَ هَذَا الْإِذْنُ الْكَائِنُ بِقَدَرِهِ وَشَرْعِهِ، وَلَم ئرِدْ بِمُجَرَّدِ الْمَشِيئَةِ وَالْقَدَرِ، فَإِنَّ السِّحْرَ وَانْتِصَارَ الْكُفَّارِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كَانَ بِذلِكَ الْإِذْن. فَإِنْ قِيلَ: فَمِنَ الشُّفَعَاءِ مَن يَشْفَعُ بِدُونِ إذْنِ اللهِ الشَّرْعِيِّ، وَإِن كَانَ خَالِقًا لِفِعْلِهِ- كَشَفَاعَةِ نوحٍ لِابْنِهِ، وَشَفَاعَةِ إبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ، وَشَفَاعَةِ النَّبِيِّ ﷺ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ أبي بْنِ سلول حِينَ صَلَّى عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ. وَهَؤُلَاءِ قَد شَفَعُوا بِغَيْرِ إذْنٍ شَرْعِيِّ؟ قِيلَ: الْمَنْفِيُّ مِن الشَّفَاعَةِ بِلَا إذْنٍ: هِيَ الشَّفَاعَةُ التَّامَّةُ، وَهِيَ الْمَقْبُولَةُ. فَالشَّفَاعَةُ: مَقْصُودُهَا قَبُولُ الْمَشْفُوعِ إلَيْهِ -وَهِيَ الشَّفَاعَةُ التَامَّةُ-. فَهَذِهِ هِيَ الَّتِي لَا تَكُونُ إلَّا بِإِذْنِهِ. وَأَمَّا إذَا شَفَعَ شَفِيعٌ فَلَمْ تُقْبَل شَفَاعَتُهُ: كَانَت كَعَدَمِهَا وَكَانَ عَلَى صَاحِبِهَا التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ مِنْهَا، كَمَا قَالَ نوحٌ: ﴿رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [هود: ٤٧].

1 / 72