تقريب فتاوى ابن تيمية
الناشر
دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٤١ هـ
مكان النشر
السعودية
تصانيف
وَأَمْسَكْت سَيْفَ الْأَمِيرِ وَقُلْت: هَذَا نَائِبُ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَغُلَامُهُ، وَهَذَا السَّيْفُ سَيْفُ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَمَن خَرَجَ عَن كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ضَرَبْنَاهُ بِسَيْفِ اللهِ، وَأَعَادَ الْأَمِيرُ هَذَا الْكلَامَ.
وَأَخَذَ بَعْضُهُم يَقُولُ: فَالْيَهُود وَالنَّصَارَى يُقَرُّونَ وَلَا نُقَرُّ نَحْنُ؟
فَقُلْت: الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى يُقِرُّونَ بِالْجِزْيَةِ عَلَى دِينِهِمُ الْمَكْتُومِ فِي دُورِهِمْ، وَالْمُبْتَدِعُ لَا يُقَرُّ عَلَى بِدْعَتِهِ.
فَأُفْحِمُوا لِذَلِكَ.
وَحَقِيقَةُ الْأمْرِ أَنَّ مَن أَظْهَرَ مُنْكَرًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يقَرَّ عَلَى ذَلِكَ، فَمَن دَعَا إلَى بِدْعَةٍ وَأَظْهَرَهَا لَمْ يُقَرَّ، وَلَا يُقَرُّ مَن أَظْهَرَ الْفُجُورَ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ الذِّمَّةِ لَا يُقَرُّونَ عَلَى إظْهَارِ مُنْكَرَاتِ دِينِهِمْ، وَمَن سِوَاهُم فَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا أَخَذَ بِوَاجِبَاتِ الْإِسْلَامِ وَتَرَكَ مُحَرَّمَاتِهِ، وَإِن لَمْ يَكن مُسْلِمًا وَلَا ذِمِّيًّا فَهُوَ إمَّا مُرْتَدٌّ وَإِمَّا مُشْرِكٌ وَإِمَّا زِنْدِيقٌ ظَاهِرُ الزَّنْدَقَةِ.
وَكَانَ قَد قَالَ بَعْضُهُمْ: نَحْنُ نُتَوِّبُ النَّاسَ.
فَقُلْت: مماذا تُتَوِّبُونَهُم؟ (^١)
قَالَ: مِن قَطْعِ الطَّرِيقِ وَالسَّرِقَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
فَقُلْت: حَالُهُم قَبْلَ تَتْويبِكم خَيْرٌ مِن حَالِهِمْ بَعْدَ تَتْويبِكم؛ فَإِنَّهُم كَانُوا فُسَّاقًا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَ مَا هُم عَلَيْهِ ويرْجُونَ رَحْمَةَ اللهِ وَيَتُوبُونَ إلَيْهِ أَو يَنْوُونَ التَّوْبَةَ، فَجَعَلْتُمُوهُم بتَتْويبِكم ضَالِّينَ مُشْرِكِينَ خَارِجِينَ عَن شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ، يُحِبُّونَ مَا يُبْغِضُهُ اللهُ وَيُبْغِضُونَ مَا يُحِبُّهُ اللهُ، وَبَيَّنْت أَنَّ هَذِهِ الْبِدَعَ الَّتِي هُم وَغَيْرُهُم عَلَيْهَا شَرُّ مِن الْمَعَاصِي.
قُلْت مُخَاطِبًا لِلْأَمِيرِ وَالْحَاضِرِينَ: أَمَّا الْمَعَاصِي فَمِثْلُ مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ
_________
(^١) أي: ننصح العاصين ونعظهم حتى يتوبوا ويرجعوا ويتركوا المعاصي.
1 / 60