144

تقريب فتاوى ابن تيمية

الناشر

دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٤١ هـ

مكان النشر

السعودية

تصانيف

وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إذَا قَالَ لَك السَّائِلُ: بَارَكَ اللهُ فِيك فَقُلْ: وَفِيك بَارَكَ اللهُ. فَمَن عَمِلَ خَيْرًا مَعَ الْمَخْلُوقِينَ سَوَاءٌ كَانَ الْمَخْلُوقُ نَبِيًّا أَو رَجُلًا صَالِحًا أَو مَلِكا مِن الْمُلُوكِ أَو غَنِيًّا مِن الْأَغْنِيَاءِ: فَهَذَا الْعَامِلُ لِلْخَيْرِ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ خَالِصًا للهِ يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ، لَا يَطْلُبُ بِهِ مِن الْمَخْلُوقِ جَزَاءً وَلَا دُعَاءً وَلَا غَيْرَهُ، لَا مِن نَبِيٍّ وَلَا رَجُلٍ صَالِحٍ وَلَا مِن الْمَلَائِكَةِ؛ فَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْعِبَادَ كُلَّهُم أَنْ يَعْبُدُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ. وَهَذَا هُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ الَّذِي بَعَثَ اللهُ بِهِ الْأَوَّلينَ والآخرين مِن الرُّسُلِ. فَكُلُّ مَا يَفْعَلُهُ الْمُسْلِمُ مِن الْقُرَبِ الْوَاجِبَةِ وَالْمُسْتَحَبَّةِ كَالْإِيمَانِ باللهِ وَرَسُولِهِ، وَالْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ، وَمَحَبَّةِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَالْإِحْسَانِ إلَى عِبَادِ اللهِ بِالنَّفْعِ وَالْمَالِ: هُوَ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَفْعَلَهُ خَالِصًا للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا يَطْلُبُ مِن مَخْلُوقٍ عَلَيْهِ جَزَاءً: لَا دُعَاءً وَلَا غَيْرَ دُعَاءٍ، فَهَذَا مِمَّا لَا يَسُوغُ أَنْ يَطْلُبَ عَلَيْهِ جَزَاءً لَا دُعَاءً وَلَا غَيْرَهُ. وَحَيْثُ أَمَرَ الْأُمَّةَ بِالدُّعَاءِ لَهُ- أي: للنَّبِيّ ﷺ فَذَاكَ مِن بَابِ أَمْرِهِمْ بِمَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ، كَمَا يَأْمُرُهُم بِسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ والمستحبات، وَإِن كَانَ هُوَ يَنْتَفِعُ بِدُعَائِهِمْ لَهُ، فَهُوَ أَيْضًا يَنْتَفِعُ بِمَا يَأْمُرُهُم بِهِ مِن الْعِبَادَاتِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ؛ فَإِنَّهُ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ (^١) أَنَّهُ قَالَ: "مَن دَعَا إلَى هُدًى كانَ لَهُ مِن الْأَجْرِ مِثْلُ أجُورِ مَن اتبَعَهُ مِن غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِن أجُورِهِمْ شَيءٌ"، وَمُحَمَّدٌ ﷺ هُوَ الدَّاعِي إلَى مَا تَفْعَلُهُ أُمَّتُهُ مِن الْخَيْرَاتِ، فَمَا يَفْعَلُونَهُ لَهُ فِيهِ مِن الْأَجْرِ مِثْلُ اجُورِهِمْ مِن غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِن اجُورِهِمْ شَيْءٌ. وَلهَذَا لَمْ تَجْرِ عادَةُ السَّلَفِ بِأَنْ يُهْدُوا إلَيْهِ ثَوَابَ الْأَعْمَالِ؛ لِأَنَّ لَهُ مِثْل ثَوَابِ أَعْمَالِهِمْ بِدُونِ الْإِهْدَاءِ مِن غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِن ثَوَابِهِم شيء.

(^١) مسلم (٢٦٧٤).

1 / 150