تقريب فتاوى ابن تيمية
الناشر
دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٤١ هـ
مكان النشر
السعودية
تصانيف
قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٨)﴾ [يونس: ١٨]. [١/ ٥٤]
* * *
(من توسل بالأموات ودعاهم من دون الله كفر)
١٩٣ - قَالَ الله تَعَالَى: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (٥٦) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ [الإسراء: ٥٦، ٥٧]، قَالَ طَائِفَة مِن السَّلَفِ: كَانَ أَقْوَامٌ يَدْعُونَ الْمَلَائِكَةَ وَالْأَنْبِيَاءَ كَالْعُزَيْرِ وَالْمَسِيحِ، فَبَيَّنَ اللهُ تَعَالَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ وَالْأَنْبِيَاءَ عِبَادُ اللهِ، كَمَا أَنَّ الَّذِينَ يَعْبُدُونَهُم عِبَادُ اللهِ، وَبَيَّنَ أَنَّهُم يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ ويخَافُونَ عَذَابَهُ وَيَتَقَرَّبُونَ إلَيْهِ، كَمَا يَفْعَلُ سَائِرُ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ.
وَالْمُشْرِكُونَ مِن هَؤُلَاءِ قَد يَقُولُونَ: إنَّا نَسْتَشْفِعُ بِهِمْ أَيْ: نَطْلُبُ مِن الْمَلَائِكَةِ وَالْأنْبِيَاءِ أَنْ يَشْفَعُوا، فَإِذَا أتَيْنَا قَبْرَ أَحَدِهِمْ طَلَبْنَا مِنْهُ أَنْ يَشْفَعَ لَنَا، فَإِذَا صَوَّرْنَا تِمْثَالَهُ -وَالتَّمَاثِيلُ إمَّا مُجَسَّدَةٌ وَإِمَّا تَمَاثِيلُ مُصَوَّرَةٌ كَمَا يُصَوِّرُهَا النَّصَارَى فِي كَنَائِسِهِمْ- قَالُوا: فَمَقْصُودُنَا بِهَذِهِ التَّمَاثِيلِ تَذَكُّرُ أَصْحَابِهَا وَسِيَرِهِمْ، وَنَحْن نُخَاطِبُ هَذِهِ التَّمَاثِيلَ، وَمَقْصُودُنَا خِطَابُ أَصْحَابِهَا لِيَشْفَعُوا لَنَا إلَى اللهِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُم: يَا سَيِّدِي فُلَانٌ .. اشْفَعْ لِي إلَى رَبِّك.
وَقَد يُخَاطِبُونَ الْمَيِّتَ عِنْدَ قَبْرِهِ: سَلْ لِي رَبَّك.
أَو يُخَاطِبُونَ الْحَيَّ وَهُوَ غَائِبٌ كَمَا يُخَاطِبُونَهُ لَو كَانَ حَاضِرًا حَيًّا، وَيُنْشِدُونَ قَصَائِدَ، يَقولُ أَحَدُهُم فِيهَا: يَا سَيِّدِي فُلَانٌ أَنَا فِي حَسْبِك، أَنَا فِي جِوَارِك، اشْفَعْ لِي إلَى اللهِ، سَل اللهَ لَنَا أَنْ يَنْصُرَنَا عَلَى عَدُوِّنَا، سَل اللهَ أَنْ يَكْشِفَ عَنَّا هَذِهِ الشِّدَّةَ، أَشْكُو إلَيْك كَذَا وَكَذَا، فَسَل اللهَ أَنْ يَكْشِفَ هَذِهِ الْكُرْبَةَ، أَو يَقُولُ أَحَدُهُم: سَل اللهَ أَنْ يَغْفِرَ لِي.
1 / 142