تقريب فتاوى ابن تيمية

أحمد بن ناصر الطيار ت. غير معلوم
118

تقريب فتاوى ابن تيمية

الناشر

دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٤١ هـ

مكان النشر

السعودية

تصانيف

فَقَد ذَكَرَ عُمَرُ ﵁: أَنَّهُم كَانُوا يَتَوَسَّلُونَ بِهِ فِي حَيَاتِهِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ، ثُمَّ تَوَسَّلُوا بِعَمِّهِ الْعَبَّاسِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَتَوَسُّلهُم بِهِ هُوَ اسْتِسْقَاؤُهُم بِهِ؛ بِحَيْثُ يَدْعُو ويدْعُونَ مَعَهُ، فَيَكُونُ هُوَ وَسِيلَتَهُم إلَى اللهِ. وَهَذَا لَمْ يَفْعَلْهُ الصَّحَابَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَا فِي مَغِيبِهِ، وَالنَّبِيُّ ﷺ كانَ فِي مِثْل هَذَا شَافِعًا لَهُم دَاعِيًا لَهُمْ؛ وَلهَذَا قَالَ فِي حَدِيثِ الْأَعْمَى: "اللَّهُمَّ فَشَفعْهُ فِيَّ"، فَعُلِمَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ شَفَعَ لَهُ فَسَألَ اللهَ أَنْ يُشَفِّعَهُ فِيهِ. وَالثَّانِيْ: أَنَّ التَّوَسُّلَ يَكُونُ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ وَفِي مَغِيبِهِ وَحَضْرَتِهِ (^١). وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: إنَّ مَن قَالَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَقَد كَفَرَ، وَلَا وَجْهَ لِتَكْفِيرِهِ؛ فَإِن هَذِهِ مَسْأَلَة خَفِيَّة، لَيْسَتْ أَدِلَّتُهَا جَلِيَّةً ظَاهِرَةً، وَالْكُفْرُ إنَّمَا يَكُونُ بِاِنْكَارِ مَا عُلِمَ مِن الدِّينِ ضَرُورَةً، أَو بِإِنْكَارِ الْأَحْكَامِ الْمُتَوَاتِرَةِ وَالْمُجْمَعِ عَلَيْهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ. [١/ ١٠٣ - ١٠٦] * * * (حكم الاستغاثة والاستعانة بالمخلوق؟) ١٧٧ - قَد يَكُونُ فِي كَلَامِ اللهِ وَرَسُولِهِ ﷺ عِبَارَة لَهَا مَعْنًى صَحِيحٌ، لَكِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَفْهَمُ مِن تِلْكَ غَيْرَ مُرَادِ اللهِ وَرَسُولِهِ ﷺ، فَهَذَا يُرَدّ عَلَيْهِ فَهْمُهُ، كَمَا رَوَى الطَّبَرَانِي فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ ﷺ مُنَافِق يُؤْذِي الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدّيقُ: قُومُوا بِنَا لِنَسْتَغِيثَ بِرَسُولِ اللهِ ﷺ مِن هَذَا الْمُنَافِقِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "إنَّهُ لَا يُسْتَغَاثُ بِي، وَإِنَّمَا يُسْتَغَاثُ بِاللهِ".

= وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ مِن أصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ يُتَوَسَّلُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ بِدُعَاءِ أهْلِ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ، قَالُوا: وإِن كَانُوا مِن أَقَارِبِ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَهُوَ أفْضَلُ؛ اقْتِدَاءَ بِعُمَرَ، وَلَمْ يَقُلْ أحَدٌ مِن أَهْلِ الْعِلْمِ إنَّهُ يُسْأَلُ اللهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ لَا بِنَبِيٍّ وَلَا بِغَيْرِ نَبِيٍّ. (^١) والشيخ وغيره من أهل العلم اختاروا القول الأول، وهو مذهب أهل السُّنَّة والجماعة.

1 / 124