تقريب فتاوى ابن تيمية
الناشر
دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٤١ هـ
مكان النشر
السعودية
تصانيف
عَلَيْهِ كَفَاكَ شَرَّ كُل شَرِّ وَلَمْ يُسَلِّطْهُ عَلَيْكَ، فَإِنَّهُ قَالَ: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق: ٣]، وَتَسْلِيطُهُ يَكُونُ بِسَبَبِ ذُنُوبِك وَخَوْفِك مِنْهُ، فَإِذَا خِفْتَ اللَّهَ وَتُبْتَ مِن ذُنُوبِك وَاسْتَغْفَرْتَهُ لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْكَ كَمَا قَالَ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٣] (^١). [١/ ٥٦ - ٥٧]
١٦٥ - قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٥)﴾ [آل عمران: ١٧٥]، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ: كَابْنِ عَبَّاسِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعِكرِمَةَ والنَّخَعِي؛ وَأَهْلِ اللُّغَةِ كَالْفَرَّاءِ وَابْنِ قُتَيْبَةَ وَالزَّجَّاجِ وَابْنِ الْأنْبَارِيِّ، وَعِبَارَةُ الْفَرَّاءِ: يُخَوِّفُكُمْ بِأوْليَائِهِ كَمَا قَالَ: ﴿لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ﴾ [الكهف: ٢] بِبَأْسِ شَدِيدٍ، وَقَوْلُهُ: ﴿لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ﴾ [غافر: ١٥].
وَقَد قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: يُخَوِّفُ أَوْليَاءَهُ الْمُنَافِقِينَ.
وَلَو أَنَّهُ أرِيدَ أَنَّهُ يُخَوِّفُ أوْليَاءَهُ: أَيْ: يَجْعَلُهُم خَائِفِينَ لَمْ يَكُن لِلضَّمِيرِ مَا يَعُود عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿فَلَا تَخَافُوهُم﴾ [آل عمران: ١٧٥].
وَأيْضًا فَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَعِدُ أَوْليَاءَهُ وَيُمَنِّيهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ﴾ [الأنفال: ٤٨]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (١٢٠)﴾ [النساء: ١٢٠].
وَلَكِنَّ الْكُفَّارَ يُلْقِي اللهُ فِي قُلُوبِهِم الرُّعْبَ مِن الْمُؤمِنِينَ، وَالشَّيْطَانُ لَا يَخْتَارُ ذَلِكَ. قَالَ تَعَالى: ﴿لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ﴾ [الحشر: ١٣].
(^١) ومن عوّد نفسه ألا يخاف إلا الله تعالى، ولا يرجو إلا إياه: حصلت عنده طمأنينة عظيمة، وتوَكَّلٌ عليه، واعتمادٌ عليه، ورَزَقه الله ثقة مطلقة به، ولا يضعفُ عند المصائب، ولا يخور عند الفتن والنوائب.
1 / 112