زاد الداعية إلى الله
الناشر
دار الثقة للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٢ هـ - ١٩٩٢ م
مكان النشر
مكة المكرمة
تصانيف
الذي ذكرناه سابقًا أن يصبر نفسه ويكرهها وأن يكسر الحواجز بينها وبين الناس حتى يتمكن من إيصال دعوته إلى من هم في حاجة إليها، أما أن يستنكف فهذا خلاف ما كان الرسول ﷺ يفعله، والنبي ﷺ كما هو معلوم كان يذهب في أيام منى إلى المشركين في أماكنهم ويدعوهم إلى الله وقد أثر عنه أنه ﷺ قال: «ألا أحد يحملني حتى أبلغ كلام ربي فإن قريشًا منعتني أن أبلغ كلام ربي» (١) . فإذا كان هذا دأب نبينا، وإمامنا وقدوتنا محمد ﷺ، فإنه من الواجب علينا أن نكون مثله في الدعوة إلى الله.
* الزاد السادس: أن يكون قلب الداعية منشرحًا لمن خالفه،
لاسيما إذا علم أن الذي خالفه حسن النية وأنه لم يخالفه إلا بمقتضى قيام الدليل عنده، فإنه ينبغي للإنسان أن يكون مرنًا في هذه الأمور، وأن لا يجعل من هذا الخلاف مثارًا للعداوة والبغضاء، اللهم إلا رجل خالف معاندًا بحيث يبين له الحق ولكن يصر على باطله فإن هذا يجب أن يعامل بما يستحق أن يعامل به من التنفير عنه، وتحذير الناس منه؛ لأنه تبين عداوته حيث بين له الحق فلم يمتثل.
* وهناك مسائل فرعية يختلف فيها الناس وهي في الحقيقة مما وسع الله فيه على عباده - وأعني مسائل ليست من الأصول التي تبلغ إلى تكفير المخالف - فهذه مما وسع الله فيها على العباد وجعل الخطأ فيها واسعًا، قال النبي ﷺ: «إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد» . فالمجتهد لا يخرج عن دائرة الأجر أبدًا فإما أجران إن أصاب، وإما أجر واحد إن أخطأ، وإذا كنت لا تريد أن يخالفك غيرك فإن غيرك أيضًا يريد أن لا يخالفه أحد، فكما أنك تريد أن يأخذ الناس بقولك، فالمخالفون لك يريدون أيضًا أن يأخذ الناس بقولهم، والمرجع عند التنازع ما بيّنه الله ﷿ في قوله: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَىْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّى عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ . (الشورى: ١٠) . ويقول ﷿: ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الاَْمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْءٍ
_________
(١) أخرجه الإمام أحمد (١٤٥١٠) و(١٤٥١١) و(١٤٧٠٨) وابن حبان كتاب التاريخ باب بدء الخلق (٦٢٧٤)
1 / 22