206

أصول الدعوة وطرقها ٤ - جامعة المدينة

الناشر

جامعة المدينة العالمية

تصانيف

إليه أن الإعجاز العلمي اليوم يدعو إلى تصديق النبي ﵌ ويؤكد رسالته، ويدل على أن هذا القرآن العظيم منزل من عند الله الحكيم العليم الخبير، فهذا القرآن قول الله وأمره، والخلق خلقه، فإذا تحدث الخالق عن الكون، وذكر شيئًا من حقائق الخلق فلا بد أن يتطابق الخبر القولي مع الخلق الكوني، فالقول قوله، والخلق خلقه، كما قال تعالى: ﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ والأَمْرُ﴾ (الأعراف: ٥٤)، والنفوس الإنسانية تخضع خضوعًا عظيمًا عندما تعلم أسرارًا مذهلة لم يكن للبشر علم بها، ثم تجد أن النبي العربي الأمي -صلوات الله وسلامه عليه- الذي لم يخط بقلم، ولا قرأ من كتاب، ولا درس في جامعة، ولا تعلم من معلم من بني آدم تحدث عن تلك الحقيقة العلمية، وأشار إليها. فلو لم يكن هذا القرآن وحيًا من الخالق لما استطاع محمد ﵌ أن يقرر هذه الحقائق المجهولة، والأسرار الخفية التي لم يتطلع عليها البشر قبل هذا العصر؛ قال الله ﵎: ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ ولا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾ (العنكبوت: ٤٨)، وأزيد القول هنا تفصيلًا، فأقول: إن هذا القرآن الكريم لا تنقضي عجائبه، ولا تنتهي وجوه إعجازه، وقد جعل الله ﷿ القرآن معجزة رسوله الخالدة الباقية، وإذا كان سبحانه قد أعطى كل نبي من الأنبياء من المعجزات ما يناسب حال قومه، كما قال -صلوات الله وسلامه عليه-: «ما من نبي من الأنبياء إلا أوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا يوحى، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة». ولذلك أقول: إن إعجاز القرآن المتجدد يظهر منه في كل عصر وجه، لم يكن قد بدا من قبل، فالمعاصرون للنبي ﵌ قد بدا لهم من وجوه إعجازه ما دفعهم أن يخروا لجلال الله ساجدين، وكل من تدبر القرآن الكريم على اختلاف الأعصار، وتباين الأمصار، لا يملك إلا هذا الإجلال وهذا السجود.

1 / 219