صلاة العيدين في المصلى هي السنة
الناشر
المكتب الإسلامي
رقم الإصدار
الطبعة الثالثة ١٤٠٦هـ/١٩٨٦
تصانيف
مقدمة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله وحده وصلاته وسلامه على نبينا محمد وآله وصحبه وعلى من تمسك بهديه واستقام على طريقته إلى يوم الدين١.
أما بعد:
فهذه رسالتنا اليوم وموضوعها إثبات أن:
صلاة العيدين في المصلى خارج البلد هي السنة
وقد كنت فكرت في أن اجعلها رسالة جامعة لأحكام صلاة العيدين على نحو رسالة "صلاة التراويح "
_________
١ كان استاذنا المحدث الشيخ ناصر الدين الألباني قد قدم لهذه الرسالة بكلام يتعلق بالرد علي رسالة "الاصابة" وما فيها من جهل وضلالات وافتراءات علي اتباع السنة. وعن صلاة التراويح وانها احدى عشر ركعة. وقد اقتصرنا علي الموضوع الخاص بصلاة العيدين في المصلي. "زهير.
1 / 3
ولكن الوقت أداركني حيث لم يبق لعيد الفطر١ إلا بضعة أيام ولذلك فإني اضطررت لحصرها في هذا الموضوع الذي ذكرت راجيا من الله ﵎ أن ييسر لي قريبا إخراج الرسالة الجامعة ونشرها على الناس آملا أن يتقبلوا رسائلنا بقبول حسن عسى أن أحظى منهم بدعوة صالحة في الغيب تنفعني إن شاء الله ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ ٢.
فاعلم أيها القارئ الكريم: أن أولئك المؤلفين كانوا سودوا في رسالتهم "الإصابة" صفحتين كبيرتين "١٤ - ١٥" "حول موضوع صلاة العيد في المصلى" تناقضوا فيها تناقضا مخزيا يتبين القارئ منه ﴿مَبْلَغُهُمْ
_________
١ هذا في طبعتها الأولى سنة ١٣٧٣هـ بدمشق وكذلك أدركنا الوقت بهذه الطبعة فلم نستطع الاتصال مع أستاذنا المؤلف لعله يزيد عليها ولكن قدر الله وما شاء فعل ونرجو أن يستدرك ذلك لنعيد طبعها قريبا إن شاء الله.
٢ سورة الشعراء: الآيتان ٨٨ – ٨٩.
1 / 4
مِنَ الْعِلْمِ﴾ وقد كانوا افتروا علينا في رسالتهم تلك فزعموا أننا نقول: إن صلاة العيد في المساجد لا تصح!
فقد قالوا: "والسبب في اختيار النبي ﵌ صلاتها في المصلى لعدم "كذا" توفر الأسباب في المدينة المنورة حيث لا يوجد في المدينة سوى مسجد واحد".
وهذا جهل بالغ فالمساجد التي كانت في المدينة في عهده ﷺ كثيرة معروفة أشهرها "مسجد قباء" و"مسجد القبلتين" و"مسجد الفتح". وفي هذه المساجد آثار صحيحة كثيرة في كتب السنة وذكر الحافظ في "الفتح" "١ / ٤٤٥"، مساجد أخرى بأسمائها فليرجع إليه من شاء.
وقصدهم من هذه الدعوى الباطلة التوسل إلى تعطيل سنة صلاة العيد في المصلى باختلاق هذه العلة الكاذبة وهي: "أن المدينة لم يكن فيها سوى مسجده ﷺ". وهو بزعمهم لا يتسع للمصلين صلاة العيد!
1 / 5
فها نحن قد أثبتنا بطلان هذه العلة ببطلان الدعوى من أصلها وحينئذ نقول:
لو فرضنا أن المسجد النبوي كان لا يتسع لهم فكان يمكنهم أن يصلوا في تلك المساجد الكثيرة كما يفعل الناس اليوم فتركهم الصلاة فيها إلى الصلاة في المصلى دليل واضح على أن السنة الصلاة فيه دون المساجد تثبت المراد وبطل ما قصدوا إليه من التعطيل.
ثم قالوا:
"ولما كثر المسلمون حتى تعذر على المسلمين اجتماعهم في المصلى خصوصا في المدن الكبرى كدمشق لكثرة المصلين فصاروا يجتمعون في المساجد حسب الحاجة"!
قلت: انظر أيها القارئ الكريم إلى هذا المنطق المعكوس حيث جعلوا اجتماع المسلمين في المصلى متعذرا مع أنه سهل متيسر والدليل عليه أنه جرى العمل به في معظم الأمصار كما قال الإمام النووي في
1 / 6
"شرح مسلم" وسيأتي نص كلامه في "دلالة الأحاديث على أن السنة الصلاة في المصلى"
وإلى اليوم لا تزال هذه السنة قائمة بفضل الله في كثير من البلاد الإسلامية كدمشق والأردن ومصر والجزائر والباكستان وغيرها.
ثم أي حاجة في تفريق جماعة المسلمين في هذه المساجد الكثيرة الكبيرة منها والصغيرة المنبثة في كل مكان والتي يقرب بعضها من بعض أحيانا إلى درجة أنه لا يوجد بينها إلا مسافة خمسين خطوة أو أقل!
ولو أن هؤلاء المؤلفين قيدوا كلامهم بالصلاة في المسجد الواحد الأكبر لكان لهم سلف في هذا القول كما سيأتي عن الإمام الشافعي رحمة الله.
ولكنهم لا يتحرجون من أن يقولوا ما لم يقله مسلم قبلهم البتة في سبيل محاربة السنة وإلا فالمسلمون متفقون جميعا على أن الصلاة في المصلى هو السنة إذا لم يسعهم المسجد وجمهورهم لم يقبلوا هذا الشرط بل قالوا: ولو وسعهم المسجد فقد خالفوا بجهلهم
1 / 7
جميع المسلين سلفهم وخلفهم والله تعالى يقول:
﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ ١ فالسنة السنة أيها الناس!
ثم قالوا: " ... حسب الحاجة لفعل النبي ﷺ حين صلى في المسجد للعذر " ثم ذكروا في التعليق حديث أبي هريرة في صلاته ﷺ في المسجد لعذر المطر.
والجواب أن حديث أبي هريرة - لو صح - حجة لنا لأن مفهومه أنه لولا عذر المطر لصلى في المصلى: وهذا لا يخالف فيه مسلم غيركم فإن كلامكم السابق ينصب كله على القول بأن الصلاة في المصلى غير مشروعة الآن لأنه متعذر بزعمكم وقد رددنا عليكم فعاد الحديث حجة عليكم لا لكم وهذا كله يقال لو صح الحديث وهو غير صحيح بل إسناده ضعيف كما سيأتي بيانه.
وسائر كلامكم هراء لا يستحق جوابا إلا قولهم بعد
_________
١ سورة النساء: الآية ١١٥.
1 / 8
أن ساقوا الحديث الأول عن أبي سعيد الآتي وحديث أبي هريرة:
فيستفاد من الحديثين أنها تصح بالمصلى وفي المسجد وأن كلا فيه ثواب.
كما أنه يستفاد من الحديث الأول أن الأفضل صلاتها في الصحراء لمواظبة النبي ﷺ على ذلك.
قلت: فانظر إليهم أيها القارئ الكريم كيف عادوا إلى الصواب الذي ندعوا إليه وبذلك نقضوا معنا كلامهم السابق ولكن أتظن أنهم يستقرون عليه؟ لا فقد عادوا من حيث بدؤوا فقالوا: بعد أن نقلوا عن الحافظ ابن حجر كلام الإمام الشافعي الآتي قالوا:
"فمن أمعن النظر فيما تقدم مع حديث البخاري١ "عن أم عطية: "أمرنا رسول الله ﷺ أن تخرجهن في الفطر والأضحى العواتق والحيض
_________
١ قلت: عزوه للبخاري باللفظ الآتي خطأ وإنما هو لمسلم (٣ / ٢٠ - ٢١ – استانبول
1 / 9
وذوات الخدور فأما الحيض فيعتزلن الصلاة".
وفي لفظ "المصلى ويشهدن الخير ودعوة المسلمين".
علم أن السبب في مواظبة رسول الله ﷺ على الصلاة في المصلى "هو: أما كون مسجده ﷺ لا يتسع للرجال والنساء في ذلك اليومين أو أن المسجد لا يصلح لحضور الحيض".
أقول: لقد تأملنا هذا الكلام كله فوجدناه لا طائل تحته كسائر كلامهم!
فإننا لو سلمنا أن مسجده ﷺ كان لا يتسع للرجال والنساء فإن الأمر كذلك في مساجدنا لا يتسع واحد منها لجميع المصلين فحينئذ يبقى مشروعية الخروج إلى المصلى ساري المفعول وهذا هو المطلوب.
ثم إذا كان المسجد لا يصلح عندهم لحضور الحيض فهو اعتراف منهم بأن المصلى يصلح لحضورهن فإذا التزموا الصلاة في المسجد فقد منعوهن من أن "يشهدن الخير ودعوة المسلمين".
1 / 10
وهذا خلاف أمر رسول الله ﷺ في الحديث الذي عزوه للبخاري فالحديث من أدلتنا على أن الصلاة ينبغي أن تكون في المصلى لا في المسجد لأن المسجد مهما كبر لا يمكن أن يتسع لحضور جميع الجنسين فيه باعترافهم؟
ومن حججنا عليهم قولهم: "وكانت تخرج النساء للمصلى حتى الحيض تكبر بتكبيرهم".
فإننا نسألهم كيف يمكن لكم تحقيق هذه السنة في المساجد؟ لا سبيل لكم إلى ذلك إلا بأن تمنعوهن من الحضور مطلقا وهذا خلاف أمره ﷺ كما سبق. وأما أن تأمروهن بالحضور خارج المسجد ومن وراء أسواره وحيطانه فكيف يمكنهن والحالة هذه أن يكبرن بتكبيرهن؟!
فتأمل أيها الأخ المسلم ما يفعله الجهل بصاحبه واعتبر.
" تنبيه " لقد تبين مما نقلناه عن أولئك المؤلفين أنهم يقولون بمشروعية خروج النساء إلى المصلى ولو كن
1 / 11
شابات لأنهن "العواتق" فاحفظ هذا فأنه ربما يأتي يوم يبادر هؤلاء المؤلفين إلى إنكار ما اعترفوا به إذا رأوا أنصار السنة قد عملوا بذلك حسدا وبغيا من عند أنفسهم!
هذا ونحن وإن كنا نحض النساء على حضور جماعة المسلمين تحقيقا لأمر سيد المرسلين ﷺ فلا يفوتنا أن نلفت نظرهن ونظر المسؤولين عنهن إلى وجوب تقيدهن بالحجاب الشرعي الذي لا يبيح لهن أن يبدين من بدنهن إلا الوجه والكفين على ما فصلته في كتابي " حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة " والله ﵎ يقول: ﴿يا يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ . [سورة الأحزاب: الآية ٥٩] . مع تصريحنا هناك بأن الأفضل لهن أن يسترنهما أيضا خلافا لما نسبه إلي بعض المؤلفين الذين لا يخشون رب العالمين.
وقد يستغرب البعض القول بمشروعية خروج النساء إلى المصلى لصلاة العيدين فليعلم: أن هذا هو الحق
1 / 12
الذي لا ريب فيه لكثرة الأحاديث الواردة في ذلك وحسبنا الآن حديث أم عطية المتقدم فإنه ليس دليلا على المشروعية فقط بل وعلى وجوب ذلك عليهن لأمره ﷺ به والأصل في الأمر الوجوب ويؤيده ما روى ابن أبي شيبة في "المصنف"، "٢ / ١٨٤" عن أبي بكر الصديق أنه قال: حق على كل ذات نطاق "شبه إزار فيه تكة" الخروج إلى العيدين" وسنده صحيح. فهل يقول بهذا من زعم الانتصار للخلفاء الراشدين وقد قال به أولهم كما تراه مخرجا مصححا؟ ذلك ما لا نظنه بهم فليخطؤوا ظننا هذا - وهو الأحب إلينا - وإلا فقد تبين للناس غرضهم من انتصارهم المزعوم.
والقول بالوجوب هو الذي استظهره الصنعاني في "سبل السلام" والشوكاني وصديق خان وهو ظاهر كلام ابن حزم وكأن ابن تيمية قد مال إليه في "اختياراته" والله أعلم. الأولى١ "ص ٩ – ١٠" خلاصتها أننا نقول:
_________
١ هي رسالته "من تسديد الإصابة إلى من زعم نصرة الخلفاء الراشدين والصحابة".
1 / 13
إن السنة صلاة العيد في المصلى مع جوازها في المساجد ووعدت هناك بتحقيق القول في هذه الرسالة.
فقد جاء أوان الوفاء بذلك فأقول:
1 / 14
مواظبته ﷺ على صلاة العيد في المصلى والأحاديث في ذلك
ذكر غير واحد من الحفاظ المحققين "أن هديه ﷺ في صلاة العيدين كان فعلهما في المصلى دائما"١.
ويؤيد هذا الأحاديث الكثيرة التي وردت في ذلك في الصحيحين والسنن والمسانيد وغيرها من طرق كثيرة جدا فلا بد من ذكر شيء منها في هذه العجالة حتى يتبين القارئ الكريم صواب ما ذكرته فأقول:
الحديث الأول:
عن أبي سعيد الخدري ﵁ قال: "كان رسول الله ﷺ يخرج يوم الفطر
_________
١ انظر "زاد المعاد" "١ / ١٧٢" و"فتح الباري" "٢ / ٣٦١" وسيأتي كلامه في ذلك قريبا. و"مختصر زاد المعاد" للشيخ محمد بن عبد الوهاب صفحة ٤٤ تحقيق زهير الشاويش طبع المكتب الإسلامي
1 / 15
والأضحى إلى المصلى١، فأول شيء يبدأ به الصلاة ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم فإن كان يريد أن يقطع بعثا قطعه٢ أو يأمر بشيء أمر به ثم ينصرف قال أبو سعيد: فلم يزل الناس على ذلك.... ".
رواه البخاري "٢ / ٢٥٩ - ٢٦٠" ومسلم "٣ / ٢٠" والنسائي "١ / ٢٣٤" والمحاملي في "كتاب العيدين" "ج ٢ رقم ٨٦ من نسختي بخطي" وأبو نعيم في " مستخرجه " "٢ / ١٠ / ٢" والبيهقي في سننه "٣ / ٢٨٠"
_________
١ قال الحافظ: "هو موضع بالمدينة معروف بينه وبين باب المسجد ألف ذراع" وقال ابن القيم: "وهو المصلى الذي يوضع فيه محمل الحاج" قلت: ويبد وأنه كان إلى الجهة الشرقية من المسجد النبوي قريبا من مقبرة البقيع كما يستفاد من الحديث الثالث الآتي.
٢ أي يخرج طائفة من الجيش إلى جهة من الجهات. "فتح" قلت: وفيه إشارة قوية إلى أن خطبة العيد ليست محصورة في الوعظ والإرشاد فقط بل انهما تشمل التذكير والتوجيه إلى كل ما فيه تحقيق مصالح الأمة.
1 / 16
الحديث الثاني:
عن عبد الله بن عمر ﵄ قال: "كان ﷺ يغدو إلى المصلى في يوم العيد والعنزة١ تحمل بين يديه فإذا بلغ المصلى نصبت بين يديه فيصلي إليها وذلك أن المصلى كان فضاء ليس فيه شيء يستتر به".
رواه البخاري "١/٣٥٤" ومسلم "٢ ظ ٥٥" وأبو داود "١/١٠٩" والنسائي "١/٢٣٢" وابن ماجه "١ / ٣٩٢" وأحمد "رقم ٦٢٩٦" واللفظ لابن ماجه وهو أتم وسنده صحيح وكذلك رواه المحاملي في "٢ رقم ٢٦ - ٣٦" وأبو القاسم الشحامي في " تحفة العيد " "رقم ١٤ - ١٦ من نسختي بخط ابني" والبيهقي "٣ / ٢٨٤ - ٢٨٥".
الحديث الثالث:
عن البراء بن عازب قال: "خرج النبي ﷺ يوم أضحى إلى
_________
١ في "النهاية": "العنزة مثل نصف الرمح وأكبر شيئا وفيها سنان مثل سنان الرمح والعكازة قريب منها".
1 / 17
البقيع١ "وفي رواية: المصلى" فصلى ركعتين ثم أقبل علينا بوجهه وقال: "إن أول نسكنا٢ في يومنا هذا أن نبدأ بالصلاة ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك. فقد وافق سنتنا ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو شيء عجله لأهله ليس من النسك في شيء".
رواه البخاري "٢ / ٣٧٢" والسياق له وأحمد "٤ / ٢٨٢" والمحاملي "٢ رقم ٩٠، ٩٦" والرواية الأخرى لهما بسند حسن.
الحديث الرابع:
عن ابن عباس قيل له: أشهدت العيد مع النبي ﷺ قال: نعم ولولا مكاني من الصغر ما شهدته حتى أتى العلم الذي عند دار كثير بن الصلت٣ فصلى ثم خطب
_________
١ وهو بقيع الغرقد: وسمى لما كان فيه من أصول شوك العوسج وهو مقبرة المدينة. وفي المدينة أكثر من بقيع ولكن المشهور هو بقيع الغرقد. "زهير".
٢ النسك: الطاعة والعبادة. "نهاية".
٣ قال الحافظ: "التعريف بالمصلى بكونه عند دار كثير بن الصلت على سبيل التقريب للسامع وإلا فدار كثير بن الصلت محدثة بعد النبي ﷺ وظهر من هذا الحديث: أنهم جعلوا لمصلاه شيئا يعرف به وهو المراد بالعلم - وهو بفتحتين - الشيء الشاخص".
1 / 18
ثم أتى النساء ومعه بلال فوعظهن وذكرهن وأمرهن بالصدقة١ فرأيتهن يهوين بأيديهن يقذفنه في ثوب بلال ثم انطلق هو وبلال إلى بيته.
أخرجه البخاري "٢ / ٣٧٣" والسياق له ومسلم "٢ / ١٨ - ١٩" وابن أبي شيبه "٢ / ٣ / ٢" والمحاملي "رقم ٣٨، ٣٩" والفريابي "رقم ٨٥، ٩٣" وأبو نعيم في " مستخرجه " "٢ / ٨ / ٢ - ٩ / ١" وزاد مسلم في روايته عن ابن جريج:
قلت: لعطاء أحقا على الإمام الآن أن يأتي النساء حين يفرغ فيذكرهن؟ قال: إي لعمري إن ذلك لحق عليهم وما لهم لا يفعلون ذلك؟
_________
١ وأما الآن فلا لزوم للموعظة الخاصة بالنساء لأنهن شقائق الرجال والخطاب والموعظة واحدة للرجال والنساء وكذلك لوجود مكبرات الصوت المتعددة في كل مسجد وجامع. ويؤتى بها - عادة - في مصليات العيد.
نعم ويطلب من الخطيب أن يراعي مصلحة النساء بأنواع هن أحوج إليها من الرجال في خطبته الجامعة. "زهير".
1 / 19
دلالة الأحاديث على أن السنة الصلاة في المصلى
إذا عرفت هذه الأحاديث فهي حجة قاطعة على أن السنة في صلاة العيدين أن تؤدى في المصلى وبذلك قال جمهور العلماء ففي "شرح السنة" للإمام البغوي:
السنة أن يخرج الإمام لصلاة العيدين إلا من عذر فيصلى في المسجد١ أي: مسجد داخل البلد.
وقال الإمام محيي الدين النووي في "شرح مسلم" عند الكلام على الحديث الأول:
هذا دليل لمن قال باستحباب الخروج لصلاة العيد إلى المصلى وأنه أفضل من فعلها في المسجد وعلى هذا عمل الناس في معظم الأمصار وأما أهل مكة فلا
_________
١ بل علل الأكثر بأن وضع مكة شرفها الله بين الجبال ولذلك لا يوجد فيها ساحة قريبة من المساكن اقرب من ساحة البيت الحرام. . . وهو وجه له قبول
1 / 20
يصلونها إلا في المسجد من الزمن الأول ولأصحابنا وجهان:
أحدهما: الصحراء أفضل لهذا الحديث.
والثاني وهو الأصح عند أكثرهم: المسجد أفضل إلا أن يضيق.
قالوا: وإنما صلى أهل مكة في المسجد لسعته وإنما خرج النبي ﷺ إلى المصلى لضيق المسجد فدل على أن المسجد أفضل إذا تسع١
_________
١ بل علل الأكثر بأن وضع مكة شرفها الله بين الجبال ولذلك لا يوجد فيها ساحة قريبة من المساكن اقرب من ساحة البيت الحرام. . . وهو وجه له قبول.
وأما التعليل بالفضل فلا يقبل: لأن مسجده ﵌ له فضيلة صحيحة ومع ذلك لم يصل به إلا من عذر. "زهير".
1 / 21
رد تعليل الصلاة في المصلى بعلة ضيق المسجد
كذا قالوا وفيه نظر بين فإنه لو كان الأمر كما قالوا لما واظب النبي ﷺ على أدائها في المصلى لأنه لا يواظب إلا على الأفضل.
والقول: بأنه إنما فعل ذلك لضيق المسجد دعوى لا دليل عليها ويؤيده أنه ﷺ كان يصلى الجمعة في المسجد وكان الناس يأتونه من عوالي المدينة وغيرها فيصلى بهم الجمعة فيه ولا يظهر أي فرق بين عدد الذين يحضرون الجمعة من الصحابة وبين الذين يحضرون العيدين حتى يقال: كان يتسع لأولئك ولا يتسع لهؤلاء ومن ادعى خلاف ذلك فعليه الدليل وما أخاله يستطيعه.
ويؤيد ما ذكرنا أنه لو كانت صلاة العيدين في
1 / 22