موقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراط اللقيا والسماع في السند المعنعن بين المتعاصرين
الناشر
مكتبة الرشد،الرياض
مكان النشر
شركة الرياض للنشر والتوزيع
تصانيف
الذي يظهر لي أن مذهب من يقول بأنه لا يُحتج من الأسانيد إلا بما ثبت فيه اللقاء، ولو لمرة واحدة لا إشكال فيه. لأن مثل هذه الصيغة غير كافية لإثبات اللقاء فيكون السند في هذه الحالة غير متصل حتى يثبت اللقاء.
وأما على مذهب من يكتفي بالمعاصرة وإمكان اللقاء، فتكون الأسانيد المروية بالصيغة "قال" محل إشكال، وإن كان من المُسلَّم به أن " العنعنة" أشهر، وأقوى في دلالة العُرف على الاتصال من الصيغة "قال " ولكن أيضًا هذه الصيغة محتملة، وليس من السهل أن أُصدر حكمًا على موقف الإمام مسلم من هذه الصيغة هل هي عنده كالعنعنة أم هي أحط رتبة، وهل يكفي لاتصالها مجرد المعاصرة وإمكان اللقاء؟ لا سيما وأن أحدًا لم يعرض لهذا السؤال، وكما أنه لم يوجد في نصوص الإمام مسلم التي وقفت عليها ما يجلي الأمر، فأدع الأمر على الاحتمال.
قال العلائي مبينًا منزلة صيغة "قال" من أخواتها: (إن رتبة "قال" مجردة منحطة عن رتبة " عن"، و"أن" أيًا، إلا أن يصرح الراوي بأنه لا يقولها إلا فيما سمعه، أو يُعرف ذلك من عادته) (١) .
ومما يحسن أن أختم به هذا المبحث كلام ابن عبد البر قاله في الألفاظ والصيغ المحتملة يُعد بمثابة قاعدة في هذا الشأن، قال - رحمه الله تعالى ـ: (إن الاعتبار ليس بالحروف، وإنما هو باللقاء والمجالسة والسماع والمشاهدة، فإذا كان سماع بعضهم من بعض صحيحًا، كان حديث بعضهم عن بعض أبدًا بأي لفظ ورد محمولًا على الاتصال، حتى تتبين فيه علة الانقطاع) (٢) .
ولابد من تقييد هذا الإطلاق، فيمن لم يكن مدلسًا، إذ عنعنة المدلس، وكل صيغ الأداء غير الصريحة في ثبوت السماع؛ إذا جاءت في أسانيد المدلسين، لا تحمل على الاتصال، ولابد أيضًا من استحضار ماقيل في الإسناد"المؤنن" من تفصيل تبناه أكثر المحدثين لتقييد الكلام السابق.
_________
(١) جامع التحصيل (ص١٢٤) .
(٢) التمهيد (١/٢٦) .
1 / 64