رحلة الحج إلى بيت الله الحرام
الناشر
دار عطاءات العلم (الرياض)
رقم الإصدار
الخامسة
سنة النشر
١٤٤١ هـ - ٢٠١٩ م (الأولى لدار ابن حزم)
مكان النشر
دار ابن حزم (بيروت)
تصانيف
آثار الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي (٨)
رحلة الحج إلى بيت الله الحرام
تأليف
الشيخ العلامة محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي (١٣٢٥ هـ - ١٣٩٣ هـ)
إشراف
بكر بن عبد الله أبو زيد
دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
1 / 1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى اللَّه عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
الحمد للَّه الذي أكرم هذه الأمة المتأخرة الزمان، بأن جعل منها أشرف المرسلين المصطفى من معد بن عدنان، ﵊ دائمين من الرحمن، وجعل دينها أفضل من سائر الأديان، مؤيدًا بالمعجزات الباهرات التي أعظمها القرآن، أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على كل دين وقال: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٨٥)﴾ [آل عمران/ ٨٥].
ووعدنا على لسانه صلى اللَّه وعليه وعلى آله وسلم وعدًا يزيل الطمع من الفرق، وهو ما صح عنه أن صف مؤمننا في الجنة وإن زنى وإن سرق، وجعلنا ثلاث طوائف في كتابه المنير: قال: ﴿فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٣٢)﴾ [فاطر/ ٣٢].
ووعد جميع الطوائف الثلاث بدخول الجنات، والتحلية بالأساور، ولبسِ الحرير، قال: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (٣٣)﴾ [فاطر/ ٣٣].
فأتى في قوله: ﴿يَدْخُلُونَهَا﴾ بواو الجمع الشاملة للظالم لنفسه، وقدَّمه لئلا يقنط، وأخرَّ السابق بالخيرات لألا يعجب بعمله فيحبط، وخاطب المسرفين منا خطابًا تجعل لذّته الأصمَّ سميعًا، قال: ﴿قُلْ
1 / 5
يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ [الزمر/ ٥٣].
فاعجب لأمة يخاطب اللَّه مسرفيها هذا الخطاب في الآيات البينات المحكمات من الكتاب.
وقوله لهم: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ كلام مبدوء بحرف تأكيد مختوم باسم تأكيد، وتأكيد اللَّه وعده على إنجازه أصدق شهيد؛ إذ قال في كتابه المنزل على خير العباد: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (٩)﴾ [آل عمران/ ٩].
وخصنا من بين سائر الأجناس بقوله: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران/ ١١٠].
جاءنا بالحنيفية السمحة، وبذل لنا نصحه، وكان مما أنزل عليه صلوات اللَّه وسلامه عليه: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ [الأنعام/ ١٩]. فقد بَلَغَنَا، وآمنا بكل ما فيه، وائتمرنا بأوامره، وانتهينا بنواهيه، فهو النور المبين، والحبل المتين، وقد جعلناه في أمور ديننا دليلًا، فتحركنا من مسقط الرأس بقوله: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران/ ٩٧]. جعلنا اللَّه ممن يأتمر بالأوامر، وينزجر بالزواجر، فامتثال هذه الآية الكريمة جَشَّمَنَا هذا السفر المبارك السعيد حتى أتينا من مكان بعيد، فبها نهضنا للسفر هذه النهضة السريعة، لا بقول عمر بن أبي ربيعة:
إن كنت حاولت دنيا أو أقمت لها ماذا أخذت بترك الحج من ثمن
1 / 6
أما بعد: فليكن في علم ناظره أنا أردنا تقييد خبر رحلتنا هذه إلى بيت اللَّه الحرام، ثم إلى مدينة خير الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام؛ ليستفاد بما تضمنته من المذاكرة، والأحكام، وأخبار البلاد والرجال، وما تجوَّل فيه الأدباء من المجال، والغرض الأكبر من ذلك تقييد ما أجبنا به عن كل سؤالٍ علميٍّ سئلنا عنه في جميع رحلتنا.
اعلم أنا خرجنا من عند أهلنا بجانب الوادي ذي البطاح والمياه والنخيل، وودَّعَنَا كل قريب وخليل، والبين يهيج في القلوب الداء الدخيل، فترى ورد الخدود يطله جمود الدموع، والأعين تنكر السِّنَةَ والهجوع، ماء العيون في الجفن حائر، حسبما قال الشاعر:
ومما شجاني أنها يوم ودعت ... تولت وماء العين في الجفن حائر
فلما أعادت من بعيد بنظرةٍ ... إليّ التفاتًا أسلمته المحاجر
وكان يوم الخروج لهذه القاعدة الكبيرة لسبع مضين من جمادى الآخرة، من سنة سبع وستين وثلاثمائة وألف، أَمَّنَنَا اللَّه مما نخشاه من الأمام والخلف، فخرجنا من بيوتنا يصحبنا بعض تلامذتنا إلى قرية اسمها "كيفة"، فوصلناها في مدة خفيفة، ونحن تَحْدِي بنا الجمال، في الأودية والرمال.
في مدة إقامتنا بـ "كيفة" سألتنا كريمة من بنات العم، وهي أم الخيرات بنت أحمد بن المختار الجكنية عن مسألتين، وطلبت فيهما منا التحرير، وأحضرت فهم العالم النحرير.
أولاهما: ما يحيك في النفس من عدم الفرق بين عَلَم الجنس
1 / 7
واسم الجنس.
والثانية: قول المتكلمين: إن الصفة النفسية لا يدرك لدونها الموصوف، وإن الإنسان مثلًا بدون النطق غير معروف، لِمَ لا يعرف الإنسان بخواصه، كالمشي على الاثنين مع الانتصاب، وكالضحك وكتابة الكتاب.
فكان جوابنا عن المسألة الأولى: ما حاصله: أن الفرق بين علم الجنس واسمه اصطدمت فيه عقول العقلاء، واختلفت فيه آراء العلماء، حتى قال بعضهم: لا يُعقل الفرق بينهما في المعنى. واختار بعض المحررين من المتأخرين من ذلك الاختلاف ما حققه ابن خاتمة من أن الفرق بينهما أمر اعتباري، وهو أن عَلَم الجنس موضوعٌ للحقيقة الذهنية، ليميزها عن غيرها من الحقائق الذهنية، مع قطع النظر عن وجودها في أفرادها الخارجية، واسم الجنس موضوع للحقيقة باعتبار وجودها في أفرادها الخارجية، ولذا كان الأول جزئيًّا، والثاني كليًّا، والجزئي الحقيقي يكون عَلَمًا بالإجماع، والعَلَمُ قسمان: عَلَم شخصٍ، وعَلَم جنس. ودليل حصره فيهما أن العَلَم لابد أن يعيّن مسماه بتشخيصه إياه، فإن كان التشخيص باعتبار الخارِج فهو عَلَم الشخص، كزيد ومكة، وإن كان باعتبار الذهن فهو عَلم الجنس، كأسامة وأبي الحارث للأسد.
قال مقيّد هذه الرحلة عفا اللَّه عنه: هذا الفرق الذي ذكره ابن خاتمة بين عَلَم الجنس واسمه، وإن اختاره المحقق البناني في شرحه لسلم الأخضري في علم المنطق، وغيره من محققي المتأخرين، إذا فرَّعنا
1 / 8
على قول ابن الحاجب والآمدي ومن تبعهما من الأصوليين بأن المطلق والنكرة شيءٌ واحدٌ، فهو -أي فرق ابن خاتمة- أمرٌ معقولٌ واضحٌ لا شبهة فيه. وأما إذا ما فرعنا على ما عليه جمهور الأصوليين من أن المطلق والنكرة شيئان متغايران فالفرق الذي ذكره ابن خاتمة لا يكاد يعقله الذهن السليم.
وإيضاح ذلك: أن المطلق هو اسم الجنس بعينه عند جمهور الأصوليين، وجمهورهم على أن النكرة والمطلق الذي هو اسم الجنس أمران متغايران، خلافًا لابن الحاجب والآمدي وطائفة، والفرق بينهما -عند القائل به-: أن المطلق هو ما دل على الماهية بلا قيد، والنكرة ما دل على الواحد الشائع في جنسه.
ومما يوضح الفرق بينهما أن المطلق الذي هو اسم الجنس يكون موضوع القضية الطبيعية، ولا يكون موضوع كلية ولا جزئية. والنكرة تكون موضوع الكلية والجزئية، ولا تكون موضوع الطبيعية. فبهذا يظهر الفرق.
والقضية الطبيعية عند المناطقة هي: التي حكم بمحمولها على ماهية موضوعها الذهنية من حيث هي ماهية وحقيقة، مع قطع النظر عن وجود تلك الماهية الذهنية في أفرادها الخارجية، ولذا لو حمل محمولها على أفراد موضوعها الخارجية لكذبت باعتبار كونها طبيعية.
ومثالها -أعني الطبيعية-: قولك: حيوان جنس، وإنسان نوع. فحكمك بالجنسية على الحيوانية، وبالنوعية على الإنسانية إنما هو باعتبار ماهية الحيوان والإنسان الذهنية دون أفرادها الخارجية،
1 / 9
فالجنسية المحكوم بها على الحيوان، والنوعية المحكوم بها على الإنسان، كلتاهما لا يصدق الحكم بها إلا على الماهية، وإن حكمت بها على الأفراد كذبت، لأن أفراد الإنسان -مثلًا- كزيد وعمرو ليس واحدٌ منها يصح الحكم عليه بالنوعية، لأنها كلها أشخاص، فلو قلت: زيد نوع، وعمرو نوع؛ لكان كذبًا، مع صدق قولك: إنسان نوع، فظهر قصد الماهية دون الأفراد.
وكذلك أفراد الحيوان لا يصدق الحكم على واحد منها بأنه جنس، فلو قلت: الإنسان جنس، والفرس جنس مثلًا؛ لكان كذبًا، لأن أفراد الحيوان أنواعٌ لا أجناس، والحكم على النوع بأنه جنسٌ كذبٌ ظاهرٌ، فَكَذِبُ قولك: الفرس جنس والإنسان جنس، مع صدق قولك: الحيوان جنس، يظهر به قصد الماهية دون الأفراد، وهذا يخالف الكلية والجزئية اللتين موضوعهما النكرة، فالحكم بالمحمول فيهما إنما هو على أفراد الموضوع، لا على ماهيته العارية من اعتبار الأفراد.
فقولك: كل إنسان حيوان، الحكم في هذه الكلية بالمحمول الذي هو الحيوان على كل فرد من أفراد الموضوع الذي هو الإنسان، لصدق قولك: زيد حيوان وعمرو حيوان مثلًا، وليس الحكم على الماهية؛ لأن ماهية الإنسان شيءٌ واحدٌ متركبٌ عندهم من حيوانية وناطقية، والشيء الواحد لا يجوز دخول السور عليه لعدم تعدده، فلا يجوز مع اعتبار الماهية قولك: كل إنسان، لأن ماهية الإنسان شيء واحد كما هو مقرر في مبحث أطراف السور.
1 / 10
وما ذكرنا من الحكم بالمحمول على أفراد الموضوع في الكلية، ومثَّلْنا له هو بعينه في الجزئية، لأن الفرق بين الكلية والجزئية إنما هو بشمول الحكم جميع الأفراد وعدمه، فإن شمل الحكم بالمحمول جميع أفراد الموضوع فهي كلية، نحو كل إنسان حيوان، وإلا فجزئية نحو بعض الحيوان إنسان، والحكم في كل منهما على الأفراد لا على العاهية، فظهر الفرق بين اسم الجنس الذي هو المطلق وبين النكرة، بأن الأول موضوع الطبيعية، والأخير موضوع الكلية والجزئية.
وقد بنى الأصوليون على هذا الفرق مسألة تزيده إيضاحًا وبيانًا، وهي ما لو قال رجل لزوجته: إن ولدت ذكرًا فأنت طالق، فولدت ذكرين. فعلى مراعاة المطلق الذي هو اسم الجنس الدال عندهم على الماهية بلا قيد تطلق زوجته، لأنه علق طلاقها على ماهية الذكر وقد وجدت، ولا نظر إلى الأفراد في المطلق. وعلى مراعاة النكرة الدالة على الواحد الشائع لا تطلق زوجته، لأنه علق الطلاق على ولادتها واحدًا بمقتضى النكرة الدالة على الواحد الشائع، فلم تلد واحدًا بل ولدت اثنين، فجاءت بغير المعلق عليه.
فإذا حققت هذا الفرق المذكور المشار إليه بقوله في "مراقي السعود":
وما على الذات بلا قيد يدل ... فمطلق وباسم جنس قد عقل
وما على الواحد شاع النكرة ... والاتحاد بعضهم قد نصره
علمت أن قول ابن خاتمة في فرقه المتقدم: "واسم الجنس
1 / 11
موضوع للحقيقة الذهنية باعتبار أفرادها الخارجية" لا يصح بحال، لأن اعتبار الأفراد قيدٌ، وهم يقولون: ما دل على الماهية بلا قيد. إلا على القول بمراعاة الأفراد في اسم الجنس، فيتحد مع النكرة كما ذهب إليه ابن الحاجب والآمدي وطائفة، والعجب من غفلة البناني عن هذا مع دقة نظره، وما أطال به العبادي في "الآيات البينات" من أن المطلق ما دل على الماهية بلا قيدٍ، وأن الأفراد توجد في الخارج في ضمن الماهية الذهنية = يَرِدُ عليه ما ذكرنا من جواز مراعاة الماهية بقطع النظر عن وجود الأفراد في ضمنها كما ذكرنا، وكما يدخل في قولهم: "بلا قيدٍ" فلا يمكن الفرق إذًا بين عَلَم الجنس واسمه.
وقد فرّق بعض النحاة بين عَلَم الجنس واسمه بأن الفرق بينهما في اللفظ فقط، وهما في المعنى شيءٌ واحدٌ، كما قال ابن مالك في "ألفيته":
ووضعوا لبعض الاجناس عَلَم ... كعَلَم الأشخاص لفظًا وهو عمّ
لأن قوله: "لفظًا وهو عمّ" معناه عنده أنهما مفترقان في اللفظ، متحدان في المعنى؛ لأن عَلَم الجنس يتناول كل فرد من أفراد الجنس كما يتناوله اسم الجنس، فالفرق بينهما لفظي، ومعناهما واحدٌ. هذا مراده، ومثله له في التسهيل، وتعقبه المرادي، وهو جدير بأن يتعقب؛ لأن ما ذكر من الفرق اللفظي يتعذر معه اتحاد المعنى عند النظر الصحيح.
وإيضاحه: أن جعل معنى أسامة عَلَمًا لجنس الأسد، متحدًا مع معنى أسد، اسم جنس للأسد؛ لا يكاد يعقل، مع جواز دخول الألف
1 / 12
واللام على أسد لأنه نكرة، ومنع دخولهما على أسامة لأنه معرفة للعلمية، ومنع مجيء الحال متأخرة من أسد لأنه نكرة، وجواز مجيئها من أسامة لأنه معرفة للعلمية، ومنع الابتداء بأسد حيث لا مسوغ للابتداء لأنه نكرة، وجواز الابتداء لأسامة لأنه معرفة لكونه عَلَمًا.
فهذه التفرقة اللفظية بينهما تدل على الفرق المعنوي ضرورةً؛ لأن معنى النكرة مغاير لمعنى المعرفة ضرورةً، وإلا لزم التحكم بلا موجب، وهو جعل أحد المتساويين في المعنى نكرة، وجعل مساويه الآخر معرفة، وهو ظاهر البطلان.
فتحصَّل أن الذي يظهر لمقيد هذه الرحلة عفا اللَّه عنه أن الفرق بين علم الجنس واسمه -على القول بأن اسم الجنس والنكرة شيءٌ واحدٌ- أمرٌ معقولٌ لا شبهة فيه. وأما على القول بالفرق بين اسم الجنس والنكرة فالفرق بين اسم الجنس وعلمه لا يكاد يظهر عند التأمل الصادق، والعلم عند اللَّه جل وعلا.
وكان جوابنا للسائلة عن المسألة الثانية التي هي: قول المتكلمين: "إن الصفة النفسية لا تعقل الذات دونها" أن معناه عندهم: أن الصفة النفسية التي هي عندهم الجنس أو الفصل لا تعقل الذات دونها، لأنها لا تكون عندهم إلا جزءًا من الذات. والماهية عندهم لا تعقل بدون أجزائها، فالإنسان عندهم لا يمكن تعقله ممن لم يعقله إلا بالنطق؛ لأنه صفته النفسية، والنطق عندهم القوة المفكرة لا نفس الكلام، حسبما قال الشاعر:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما ... جعل اللسان على الفؤاد دليلًا
1 / 13
فالإنسان عندهم لو عُرِّفَ بأنه جسم لشاركه الحجر في الجسمية، فإذا زيد في تعريفه أنه نامٍ -أي يكبر تدريجًا- شاركه الشجر؛ لأنه جسم نامٍ، فإذا زيد في تعريفه كونه حسَّاسًا شاركه الفرس مثلًا؛ لأنه جسم نام حسّاس، فإذا عُرِّفَ بأنه منتصب القامة يمشي على اثنين شاركه الطير، فإن زِيد في التعريف كونه لا ريش له شاركه منتوف الريش وساقِطُه من الطير، فإن عُرِّفَ بأنه ناطق تميزت ماهيته عن غيرها من الماهيات وحصل الإدراك.
فإذا قيل: يمكن تعريفه بأنه الضاحك أو الكاتب؛ لأن الضحك والكتابة خاصتان من خواصه.
فجوابهم أنهم يقولون: إن الضحك حالة تعرض عند التعجب من أمر بعد أن تتفكر فيه القوة الناطقة، والكتابة نقوش على هيئات مخصوصة لا توجد إلا بتفكير القوة الناطقة، فانحصر موجب الإدراك بالأصالة في النطق.
هذا هو المراد عندهم، وما أورد عليهم من أن النطق الذي هو القوة المفكرة يشترك مع الإنسان فيه الملائكة والجن؛ لأن عندهم القوة الناطقة = فقد أجاب عنه بعضهم بأن الملائكة والجن خارجون بقيد الحيوانية؛ لأن الحيوان عنده هو الجسم النامي الحساس، والإنسان عندهم مركب من حيوانٍ وناطقٍ، والحيوان لا يكون إلا ناميًا، والملائكة والجن لا ينمون؛ لأن القدر الذي خلق الواحد منهم عليه يستمر عليه ولا يكبر بعد ذلك.
هكذا ذكر بعضهم، واللَّه تعالى أعلم، فالسائلة سألت عن مصطلحٍ
1 / 14
كلاميٍّ، وأجبناها بالمراد عند أهل ذلك المصطلح.
ثم ارتحلنا من قرية "كيفة" عشية بعد أن توادعنا مع من يعز علينا، وذهب معنا يشيعنا ابن الأمراء الرئيس وأنيس الجليس العيشى محمد بن عثمان، وقانا اللَّه وإياه من شر حوادث الزمان، ونحن متوجهون إلى قرية "تامشكط".
فمررنا في الطريق بوادي "أم الخز"، ونزلنا عند حي من قبيلة "الأقلال" اسمه: "حلة أهل الطالب جدة" (^١)، فأحسنوا إلينا غاية الإحسان، ومن جملة من زارنا عالم ذلك الحي ومفتيه الشيخ الأستاذ محمد فال بن أحمد نوح، فسألنا عن قول الأخضري في "سلَّمه" في كلامه على القياس الاستثنائي:
وهو الذي دل على النتيجة ... أو ضدها بالفعل لا بالقوة
فكيف يدل القياس الاستثنائي على النتيجة بمادتها وصورتها، والنتيجة لابد أن تكون مغايرة لمقدمتي القياس، بدليل قول الأخضري نفسه في سلمه:
* مستلزمًا بالذات قولًا آخرًا *
والقياس إذا أنتج إحدى المقدمتين كان ذا خطأ عندهم، كما قال الأخضري عاطفًا على خطأ البرهان من جهة المادة:
* أو ناتج إحدى المقدمات *
_________
(^١) كذا في الأصل المطبوع.
1 / 15
وكان جوابنا عن هذا السؤال: أن لفظ النتيجة -وإن اتحد مع لفظ إحدى مقدمتي القياس- فالمغايرة حاصلة بالاعتبار؛ لأن النتيجة قضية تتضمن نسبة خبرية، ولفظها في القياس جزء قضية، لا قضية بالاستقلال، والمغايرة بين قضيةٍ مستقلةٍ وجزء قضيةٍ واضحةٌ، وإيضاحه بمثاله، أنَّك إذا قلت مثلًا: "لو كان هذا إنسانًا لكان حيوانًا، لكنه إنسان، ينتج: فهو حيوان"، فالنتيجة التي هي "فهو حيوان" هي تالي الشرطية؛ لأن قولنا في القياس: "لكان حيوانًا" الذي هو التالي في الشرطية موافقٌ لقولنا في النتيجة: "فهو حيوان"؛ لأن الفعل الناسخ الذي هو "كان" داخل على المبتدأ والخبر اللذين هما: "هو حيوان". فهذه القضية التي هي "هو حيوان" في حالة كونها نتيجةً قضيةٌ حمليةٌ مستقلةٌ، وأما في القياس فهو جزء قضيةٍ، لا قضيةٌ؛ لأنها لم تتضمن نسبة خبرية باستقلالها، لكونها جواب شرط، وجواب الشرط غير مستقل دونه، لأن قولنا: "لو كان هذا إنسانًا لكان حيوانًا" مجموع طرفي القضية الشرطية من المقدم الذي هو الطرف المقترن بـ "لو"، والتالي الذي هو الطرف المقترن باللام، [فهما معًا] قضيةٌ واحدةٌ شرطية، فمقدمها ليس بقضيةٍ مستقلة؛ لأنه شرط، وتاليها ليس بقضيةٍ؛ لأنه جزاء الشرط، فقولنا: "هو حيوان" في حالته في القياس جزء قضية؛ لأنه جزاء شرطٍ وهو المسمى عندهم بـ "التالي"، وقولنا: "هو حيوان" في حالته في النتيجة قضية حملية مستقلة. فظهرت المغايرة، وارتفع الإشكال.
ثم وصلنا قرية "تامشكط" عند صلاة المغرب، فزارنا جل من فيها من الأكابر والعلماء، وعاملونا معاملة الكرماء، وكنَّا في ضيافة الرئيس
1 / 16
سيدي أحمد بن العربي رئيس أهل جدة بن خليفة من قبيلة الأقلال، ومن جملة من زارنا قاضي القرية المذكورة الشيخ الأستاذ المحفوظ بن الغوث، والشيخ الأستاذ محمد الأمين بن الشيخ أحمد الذي كان قاضيًا أيضا للقرية المذكورة.
ومما دار في أثناء تلك المذاكرة السؤال عن مسألتين:
إحداهما: بيان كيفية استحالة تسلسل هيولى العالم، أي تأثير بعضها في بعض إلى ما لا نهاية، والبرهان الدالّ على أن كل ما سوى اللَّه جل وعلا حادث.
والثانية: تحقيق الفرق بين خطاب التكليف وخطاب الوضع.
فكان جوابنا على المسألة الأولى:
أنَّ البراهين الدالة عقلًا على حدوث ما سوى اللَّه جل وعلا كثيرةٌ، وسنذكر منها البعض على قدر الكفاية، فمن ذلك أن نقول:
أفراد الهيولى المتسلسلة إلى ما لا نهاية له -عند الفلاسفة القائلين بقدم الهيولى التي هي مواد الأشياء وأصولها- لابد أن يقترن واحدٌ منها بالأزل، بحيث لم يسبق عليه عدم أصلًا، أو لا يقترن واحدٌ منها بالأزل بأن يكون كلُّ واحدٍ منها مسبوقًا بعدم، ولا يخلو المقام من أحد هذين الأمرين ضرورةً.
فإن قالوا: لم يقترن واحد منها بالأزل، بل كل فرد منها مسبوق بعدم.
1 / 17
قلنا لهم: أقررتم بحدوث جميعها وانقطاع تسلسلها، لإقراركم بأن الأول منها مسبوقٌ بعدم، وهو المطلوب.
وإن ادعوا أن أولها مقترن بالأزل بحيث لم يسبق عليه عدم.
قلنا: لو كان غير مسبوق بعدم لكان قديمًا، والقديم يستحيل فناؤه عقلًا، وأنتم مقرُّون بفناء الفرد الأول الذي ادعيتم اقترانه بالأزل.
فإن قالوا: لا نسلم أن القديم يستحيل فناؤه.
قلنا لهم: البرهان العقلي قاضٍ باستحالة فناء القديم.
وإيضاح ذلك: أنه لو جاز عدمه لكان عين الجائز العقلي؛ لأنه هو ما يجوز فيه الوجود والعدم، وكل ماجاز وجوده وعدمه عقلًا استحال رجحان وجوده على عدمه المساويه عقلًا أزلًا بلا مرجحٍ؛ لأن العقل يوجب بقاء المساواة حتى يوجد مرجح، وإلا لزم رجحان أحد المتساويين بلا مرجح، وهو محالٌ عقلًا كاقتضائه كونهما متساويين وغير متساويين، وهو محالٌ ضرورةً، فظهر عقلًا أن كل ما جاز عدمه استحال قدمه، وكل ما وجب قدمه استحال عدمه.
وأول الأفراد المتسلسلة المزعومة معدوم الآن قطعًا فهو حادث قطعًا؛ إذ لا يجوز العدم إلا على حادث، لأن ما يجوز فيه أمران -أعني الوجود والعدم- يحتاج إلى مرجح يرجح أحد الجائزين على مساويه الآخر، وإلا لبقيا متساويين، والمحتاج إلى مرجح حادثٌ؛ لأنه مسبوق بمرجحه الذي رجح وجوده على عدمه المساوي عقلًا أزلًا.
فظهر بهذا البرهان العقلي أن كل ما سوى اللَّه حادث، وأن ادعاء
1 / 18
الفلاسفة قدم هيولى العالم، وأن أفرادها قديمة الجنس حادثة النوع لا يصح، لما ذكرنا من أنها إن لم يقترن درد منها بالأزل كانت حادثة، ولو اقترن فرد منها بالأزل لكان قديمًا، والقديم لا يفنى، وكلها فانية، فاتضح بطلان دعواهم.
ومما استدل به بعض النظار على استحالة قدم هيولى العالم، وأنها حوادث لا أول لها: أن ذلك يلزم عليه وجود عددين لا متماثلين ولا متفاضلين؛ لأن المماثلة لا تصح؛ لكون الأفراد من اليوم إلى الأزل تشارك الأفراد من الطوفان إلى الأزل في هيولاها التي هي موادها وأصولها، وتزيد عليها بما بين اليوم والطوفان، والمفاضلة بين العددين لا تعقل؛ لأن الفرض أن كلا من العددين لا نهاية له، وما لا يتناهى لا يعقل كونه أقل من شيء؛ لأن معنى القلة مقابلة العدد القليل بقدره من أفراد العدد الكثير، وانتهاؤه مع بقاء شيءٍ من الكثير، فانتهاؤه قبله هو قلت عنه، وبقاء بعض أفراد الآخر بعده هو كثرته عنه.
وربما يظهر للناظر القدح في هذا الدليل بأن يقول: أفراد الهيولى من اليوم إلى الأزل أكثر من أفرادها معتبرة من الطوفان إلى الأزل؛ لأنها لما شاركتها فيما بين الطوفان والأزل وزادت عليها بما بين اليوم والطوفان صارت أكثر منها.
وقال بعضهم: هذا القدح مدفوع عند التأمل الصادق؛ لأن هذا إنما يكون إذا اعتبرنا العددين من جهة النهاية إلى جهة الأزل، وإيضاحه أن يقول: لو فرضنا أن شخصين يعدان أفراد الهيولى المزعوم تسلسلها، أحدهما يعد من اليوم إلى الأزل، والثاني يعد من الطوفان
1 / 19
إلى الأزل، فالذي يعد من الطوفان إلى الأزل لا ينتهي عدده قبل الذي يعد من اليوم إلى الأزل؛ لأن الفرض عدم النهاية، وما لا ينتهي قبل شيء لا يعقل كونه أقل منه، فثبت أن حوادث لا أول لها يلزمه وجود المحال، وما أدى إلى المحال فهو محال، مع أن قول الفلاسفة حوادث لا أول لها كلامٌ متناقضٌ؛ لأن لفظة "حوادث" جمع حادث، وهو فاعل من الحدوث الذي هو الطروء بعد عدم، وقولهم: "لا أوَّل لها" نقيض ذلك، فهو بمثابة ما لو قالوا: حوادث لا حوادث. وهو محال لاستحالة اجتماع النقيضين.
وهذا الكلام كله في استحالة تسلسل تأثير بعض أفراد الهيولى في بعض، أما بالنظر إلى وجود حوادث لا أول لها بإيجاد اللَّه، فذلك لا محال فيه، ولا يلزمه محذور؛ لأنها موجودة بقدرة وإرادة من لا أول له جل وعلا، وهو في كل لحظةٍ من وجوده يحدث ما يشاء كيف يشاء، فالحكم عليه بأن إحداثه للحوادث له مبدأ يوهم أنه كان قبل ذلك المبدأ عاجزًا عن الإيجاد ﷾ عن ذلك.
وإيضاح المقام: أنك لو فرضت تحليل زمن وجود اللَّه في الماضي إلى الأزل إلى أفراد زمانية أقل من لحظات العين أن تفرض أن ابتداء إيجاد الحوادث مقترن بلحظة من تلك اللحظات، فإنك إن قلت: هو مقترن باللحظة الأولى. قلنا: ليس هناك أولى البتة. وإن فرضت اقترانه بلحظة أخرى، فإن اللَّه موجود قبل تلك اللحظة بجميع صفات الكمال والجلال بما لا يتناهى من اللحظات، وهو في كل لحظة يحدث ما شاء كيف شاء، فالحكم عليه بأن لفعله مبدأ لم يكن فعل قبله شيئًا يوهم
1 / 20
أن له مانعًا من الفعل قبل ابتداء الفعل.
فالحاصل أن وجوده جل وعلا لا أول له، وهو في كل لحظة من وجوده يفعل ما يشاء كيف يشاء، فجميع ما سوى اللَّه كله مخلوق حادث بعد عدم، إلا أن اللَّه لم يسبق عليه زمن هو فيه ممنوع من الفعل ﷾ عن ذلك.
فظهر أن وجود حوادث لا أول لها إن كانت بإيجاد من لا أول له لا محال فيه، وكل فرد منها كائنًا ما كان فهو حادثٌ مسبوقٌ بعدم، لكن محدثه لا أول له، وهو في كل وقت يحدث ما شاء كيف شاء ﷾.
وكان جوابنا عن المسألة الثانية: أن الفرق بين خطاب التكليف وخطاب الوضع ظاهرٌ، فالتكليف -عند الأصولين-: إلزام ما فيه مشقة أو كلفة. وبعضهم يقول: طلب ما فيه كلفة.
وهو الخطاب المتعلق بفعل المكلف الذي هو أقسام الحكم الشرعي وهي: الوجوب والتحريم والندب والكراهة والإباحة.
وقيل بإخراج الإباحة منها؛ إذ لا كلفة فيها، وعلى دخولها ففي الحد مسامحة.
وقيل: التكليف بالمباح من حيث اعتقاد أنه مباح تتميمًا للأقسام، وإلا فغيره كذلك.
وخطاب الوضع: هو الخطاب الوارد بأن هذا الشيء مانعٌ لغيره، كالحيض للصلاة، أو سبب لغيره، كالوقت لها، أو شرط لغيره،
1 / 21
كالطهر لها، أو كون الفعل صحيحًا، أو فاسدًا. على نزاع في الصحة والفساد.
وعلامة خطاب الوضع أمران:
أحدهما: أن لا يكون في طوق المكلف أصلًا، كالحيض ودخول الوقت.
والثاني: أن يكون في طوقه ولم يؤمر بتحصيله، كنصاب الزكاة، واستطاعة الحج. فإن من لم يكونا عنده لا يكلف تحصيلهما، كما قال في "مراقي السعود":
وما وجوبه به لم يَجِبِ ... في رأي مالك وكل مذهبِ
فمعنى خطاب الوضع: أن اللَّه جل وعلا وضع المنع من الصلاة عند حصول الحيض، ووضع وجوب الصلاة عند دخول الوقت مثلًا، وهكذا. . .
ثم ذهبنا من قرية "تامشكط" قبيل غروب الشمس، ونحن على جمالنا في أخريات جمادى الأخيرة، وشيعنا جل من فيها من الأكابر، وودعونا، وقَدَّمَ لنا وقت الوداع العالم الأديب واللوذعي الأريب الشيخ أحمد بن عبد الرحمن بن جدة بن خليفة القلاوى أبياتًا، وهي هذه:
مني إلى المعهود ذي الفتح الجلي ... درع الكماة إذا التقت في الجحفل
مَن كَعَّ صَوْبُ المزن عن إروائه ... وانحط في المعقول عنه الدؤلي
هذا وإنا حامدون لوصلكم ... ولكم علينا المستناخ النوفلي
1 / 22
ثم سرنا متوجهين تلقاء قرية "العيون" والعيون التي تسمى بها القرية عيون متعددة متفجرة من جبال هناك، ويقال لها باللسان الدارجي: "عيون العتروس" وهو بلسانهم الدارجي "التيس"، ويقال لها أيضًا: "عيون المكفى" بكاف معقودة قبل الفاء.
فوصلناها في ليال قلائل، فقابلنا من فيها من الفضلاء باللائق من الإكرام والتبجيل، وبالغ في إكرامنا قاضيها، مع هدية سنية، وأخلاق مدنية، وسألنا عن الكاغد المتعامل به في نواحي البلاد التي تحت أيدي فرنسا، هل يجوز سَلَمُه في فلوس النحاس المتعامل بها أيضًا عندهم في مذهب الإمام مالك رحمه اللَّه تعالى، أم لا؟
فكان جوابنا أن قلنا له: لا يجوز ذلك في مذهب مالك. فطلب منا دليل المنع، فقلنا له: للمنع ثلاثة أوجه:
الأول: أن فلوس النحاس لا توجد غالبًا في الأماكن التي وقع فيها السؤال، والمُسْلَمُ فيه يشترط وجوده غالبًا عند الحلول في البلد المعين لقبضه، أو بلد العقد إن لم يعين للقبض محل. قال خليل في "مختصره" في عدة شروط السَّلَم: "ووجوده عند حلوله".
الوجه الثاني: أنهم لم يسوُّوا بين العين وبين فلوس النحاس، فلا يُسْلَمُ عندهم دينار ولا درهم في فلوس نحاس، مع أن العين بنوعيها مباينة لفلوس النحاس، فالنسبة التي بين النحاس وبين الذهب أو الفضة التباين، وهم ذكروا منع سلم أحدهما في الآخر نظرًا لاتحاد منفعتهما، واتحاد المنفعة عندهم موجب لمنع السلم؛ لأن الشيئين المتحدي المنفعة عندهم في باب السلم كالشيء الواحد، وإن اختلفا بالذات
1 / 23