رسائل فلسفية للرازي
محقق
لجنة إحياء التراث العربي في دار الآفاق الجديدة
الناشر
دار الآفاق الجديدة
رقم الإصدار
الخامسة
سنة النشر
١٤٠٢ هـ - ١٩٨٢ م
مكان النشر
بيروت
تصانيف
فإنه ليس من واحدٍ يفقد منها إلا وفقد من الغم على مقداره، بل يُريح نفسه من همٍ دائم وخوفٍ عليه منتظر، ويحدث له وجرة وجَلَد على ما يحدث منها بعدُ، فقد جرَّ فقدُها نفعًا وإن كان الهوى لذلك كارهًا، فاكتسب راحةً وإن كان متذوقها مرًا وفي مثل هذه المعاني يقول الشاعر:
لَعمرِي لَئِن كنّا فَقَدناكَ سيِّدًا ... وكهفًا له طالَ التَحزُّنُ والهَلَع
لقد جَرَّ نفعًا فَقْدُنا لك أنّنا ... أَمِنّا على كلِّ الرَزايا من الجَزَع
فأما ما يعتصم به المؤثر لاتباع ما يدعوه إليه عقله وتجنُّب ما يدعوه إليه هواه، التامُّ الملكةِ والضابطُ لنفسه من الغم فواحدة، وهي أن العاقل الكامل لا يختار المُقام على حالةٍ تضرُّه، ومن أجل ذلك يبادر إلى النظر في سبب الغم الوارد عليه. فإن كان مما يمكن دفعه وإزالتهُ جعل بدل الاغتنام فكرًا في الحيلة لدفع ذلك السبب وإزالته، وإن كان ذلك فيه أخذ على المكان في التلهي عنه والتناسي له وعَمِلَ في محوه عن فكره وإخراجه عن نفسه. وذلك أن الذي يدعوه إلى المُقام على الاغتنام في هذه الحالة الهوى لا العقل، إذ العقل لا يدعو إلا إلى ما جلب نفعًا عاجلًا وآجلًا، وكان الاغتنام مما لا دَرَكَ فيه بتةً ولا عائدةَ منه بل فيه ضررٌ عاجل يؤدِّي إلى ضرر آجل فضلًا عن أن يكون نافعًا. وهو أعني الرجل العاقل الكامل لا يتبع إلا ما دعاه إليه العقل ولا يُقيم إلا على ما أُطلق له المقامُ عليه لسببٍ وعذرٍ واضح، ولا يتبع الهوى ولا ينقاد له ولا يقاربه على خلاف ذلك
1 / 69