شذا العرف في فن الصرف
محقق
نصر الله عبد الرحمن نصر الله
الناشر
مكتبة الرشد الرياض
تصانيف
المجلد الاول
مقدمة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإنه مما لا يخفى على مُطَّلعٍ ودارسٍ بله طالب العلم الشرعي أهميةُ علم المصرف، هذا العلم: الذي اعتنى به العلماءُ قديمًا وحديثًا لما لهُ من مَزِيَّةٍ خاصة في علوم اللغة العربية، فهو لا يقل أهمية عن علم النَّحو -إن لم يكن أهم- لأنَّه علم يُعرف به تحول الأَصلِ الواحدِ إلى أمثلةٍ مختلفةٍ لمعانٍ مقصودةٍ لا تحصل إلا بها، وهذا من الناحية العملية، أما من الناحية العلمية: فهو علمٌ بأصول يُعْرَف بها أحوالُ أبنيةِ الكلمةِ التي ليست بإعرابٍ ولا بناءٍ، كما عرَّفه بذلك أهل الشأن، وكان ممن حَضِيَ كثرةً من هذا العلم العزيز الأستاذ الشيخ أحمدُ بنُ محمَّدٍ الحَمَلاوي -رحمه الله تعالى- فإنَّه ﵀ قد تَكَلَّم فيهِ وكأنه هو الذي صنعه ووضعه، بسلاسة أسلوبٍ وحسن ترتيبٍ ليس بالإسهاب المُمِلّ ولا بالاختصار المقل، فكان لزامًا علينا طلبة العلم أن نكمل ما بَنَوْهُ ونَحْذُوَ حذْوَهُمْ لكي تبقى مسيرةُ العلم عاليةً خفاقة يحملها طلابُّ العلم وحافظوه من كل نسيان ودرس١، ولقد رأيت بعض طبعات هذا الكتاب قد حدث فيها تقصير كثير من حيثُ الطباعة من ناحية ومن حيث الاختصار والإجحافُ من ناحية أخرى. وهذا الكتاب قد تعرَّض كما رأيتُ لاختصار في تفصيلاتِهِ من ناحية وفي موضوعاته من ناحية أخرى، ولا يخفى: أنّ الاختصار نافعٌ ولا يخلو من فائدة، ولكن لا ينفع طلاب العلم الذين يبحثون عن الأصول التي تَجْعَلُ عندهم ملكة الاستنباط نشيطةً حيَّةً، وَمِن أجل هذا حرصنا على أن يخرج هذا الكتاب، الصغير الحجم الكبير الفائدة، بجميع ما فيه من غير حذف ولا إضافة في أصله، وحرصنا على أن يخرج هذا الكتاب خاليًا من الأخطاء الإملائية واللغوية، وما كان فيه من لغزٍ حاولنا فكَّهُ بقدر ما يجعل
_________
١ الدرس: بمعنى الضياع.
1 / 5
الكتاب محافظًا، وبالإضافة إلى هذا فلقد رأيت أن تكثُرَ النصوصُ القرآنية والحديثية في هذا الكتاب، فأتيت بما رأيته مهمًّا للبيان من آياتٍ وأحاديث وحرصتُ على أن تكون الأحاديث كلُّها صحيحة مسندةً لِنَسْلِمَ ويَسلم الكتابُ من كل تعارض هذا وقد رأيت بعض التعليقات للأستاذ مصطفى السقا فأبقيتها على ما هي عليه لكي تعم الفائدة فما كان من تعليق لي وضعت حرف (ن) لكي يتميز التحقيق وهذا ما توجه علينا الأمانة العلمية، أما ما يتعلق بحياة الشيخ العلمية فلقد اعتمدت على ما كتبه الأستاذ مصطفى السقا لأنه كان تلميذه رحمه الله تعالى، هذا ونسأل الله تعالى أن ينفع بهذا الكتاب وناشره وقارئه وكلّ من سعى في إخراجه لطالبيه إنه خير مسؤول، وفي الختام لا يسعني إلا أن أقول كما قال الشيخ الحملاوي رحمه الله تعالى: وإن رأيتَ هفوة فقل: طغى القلم فإنَّ ذلك من دواعى الكرم، وحاشاك أن تكون ممن قيل فيهم:
فإِنْ رَأوْا هَفْوَةً طَارُوا بهَا فَرَحًا ... منّى وما عَلِمُوْا مِنْ صَالحٍ دَفَنُوا
هذا وقد وقع الفراغ منه ليلة الاثنين ٢٥/ربيع الثاني/١٤٢٢هـ
وكتبه
نصر الله عبد الرحمن نصر الله العَزّاوي
عمان - الأردن
1 / 6
تعريف بمؤلف الكتاب١
هو الأستاذ اللغوي الثقة الحافظ: أحمد بن محمد الحملاوي٢ وتربى فى حجر والده وقرأ وتلقى كثيرًا من العلوم الشرعية والأدبية عن أفاضل عصره أمثال الشيخ حسين المرصفى والشيخ حسن الطويل والشيخ محمد عبده والشيخ سليمان العبد وأضرابهم من الفحول.
نال الشيخ إجازة التدريس من دار العلوم، سنة١٣٠٦هجرية - ١٨٨٨ميلادية؛ فعين مدرسًا بالمدارس الابتدائية لوزارة المعارف، ثم نُقِل إلى دار العلوم مدرسًا للعلوم العربية إلى أن تركها سنة١٨٩٧ مؤثرًا الإشتغال بالمحاماة فى المحاكم الشرعية، وفى أثناء ذلك أقبل على التحضير لنيل شهادة العالمية من الأزهر فنال بغيتهُ، وكان أول من جمع بين العالمية وإجازة التدريس من دار العلوم.
كان الشيخ رحمه الله تعالى: ضليعًا فى علوم العربية: نحوها وصرفها ولغتها وعَروضها وبلاغتها وأدبها، وكان النحوُ والصرفُ واللغةُ والشعرُ الميدانَ المحبَّب إليه يجول فيها فيمتع، ويتتبع أقوال الأوائل والأواخر فلا يكتفى ولا يَشْبَعُ.
وكان رحمه الله تعالى: شاعرًا مكثرًا من الشعر يقوله في المناسبات العامة والخاصة ويقوله فيما يعرض لحياته الخاصة من شئون وما يتطلع إليه من آمال وما يضطرم في نفسه من آلام، وأشعاره تنبئ عن صفاء روحه وقوة نَفسِهِ واستمساكِهِ بآداب الدين وفضائله حتى لقبه بعضهم: الشاعر الصوفي، وله أشعار في الالتجاء إلى الله تعالى وطلب المغفرة، وتَغَلَّبَ على حسِّهِ ونفسه حبُّ النبيِّ صلي الله عليه وسلم فقال في مدحه قصائد كثيرةً مُطَوَّلةً تبلغ المئين.
_________
١ هذه الترجمة مختصرة من ترجمة تلميذه مصطفى السقا. ن
٢ نسبة إلى مُنية حَمَل من قرى (بُلْبِيس) بمديرية الشرقية.
مؤلفات الشيخ ... وللشيخ مؤلفات هي: ١-شَذَا العَرفِ فى فنِّ الصرفِ: طبع أول مرة سنة ١٣١٢هـ = ١٨٩٤ميلادية.
مؤلفات الشيخ ... وللشيخ مؤلفات هي: ١-شَذَا العَرفِ فى فنِّ الصرفِ: طبع أول مرة سنة ١٣١٢هـ = ١٨٩٤ميلادية.
1 / 7
٢- زَهرُ الرَّبيع فى المعانى والبيان والبديع: طبع أول مرة سنة ١٣٢٧هـ = ١٩٠٩ميلادية بالمطبعة الأميرية.
٣- مَوردُ الصَّفا فى سيرة المصطفى ﷺ: طبع أول مرة سنة ١٣٥٨هـ = ١٩٣٩ ميلادية، بمطبعة مصطفى البابي وأولادي بالقاهرة.
٤- قواعدُ التَأييد فى عقائدِ التَّوحيد: رسالة صغيرة: طبعت بمطبعة مصطفى البابي وأولاده بالقاهرة.
هذا وكانت وفاة الشيخ في يوم ٢٢ من شهر ربيع الأول سنة ١٣٥١ للهجرة = ٢٦ من يوليه سنة ١٩٣٢ للميلاد رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
1 / 8
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الكتاب
اللَّهم إنا نحمدُك يا مصرِّف القلوب على مَزيد نعمتك، ومترادِف جُودك وكرمك، غَمَرْتَنَا بإِحسانكَ، الذى مَصدرهُ مجرَّدُ فضلِك، وشملتنا بُمضاعَفِ نعمِك وطَوْلِك؛ فسبحانَك تعالتْ صفاتُك عن الشبيهِ والمثالِ، وتنزهت أفعالُك عن النقصِ والاعلالِ؛ لا رادَّ لماضى أمرِك، ولا وصُولَ لقدْرِك حقَّ قدرك، ونستمطرك غيثَ صلواتك الهامِية، وتسليماتك الباهرة الباهية، على نبيك إنسان عين الوجود، المشتقّ من ساطع نوره كلُّ موجود١، محمد المصطفى من خير العالمين نسبًا، وأرفعِهم قَدْرًا، وأشرفِهم حسبًا، الذى صغَّر بصحيح عزمه جيشَ الجهالة، ومزّق بسالم حَزْمه شمْلَ الضلالةِ، وعلى آله مَظاهرِ الحِكَم، وصَحْبهِ مَصَادِرِ الهِممِ، الذين مَهّدوا بلفيف جمعهم المقرون بالسّداد سبيلَ الهُدى ومعالمَ الرَّشاد.
وبعدُ: فما انتظم عِقدُ علمٍ إلَّا والصَّرْفُ واسطتُهُ، ولا ارتفع مَنارُه، إلا وهو قاعدته، إذ هو إحدى دعائم الأدب، وبه تُعرف سِعَةُ كلامِ العرب، وتنجلى فرائدُ مفرداتِ الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، وهما الواسطة فى الوصول إلى السعادة الدينية والدنيوية، وكان ممن تطلع لرشفِ أفاويقه، وتلطب جمع تفاريقه، طلبة مدرسةِ دار العلوم، فإنهم أحدقوا بى من كل جانب، وكان المطلاب فيهم أكثر من الطالب، فما وسَعني إلا أن أحفظ العلم ببذله، وألا أضنَّ به على أهله، فسرَّحت نواظر البحث فى فِجاجِ الكواغد، وبعثتها فى طلب الشوارد، فاقتفتِ الأثرَ، حتى أتت بالمبتدأ والخبر، ثم جعلتُ أميِّز الصحيح من العليل. وأُودِع ما أقتطفه من ثمار الكثير من السهل القليل، فجاء بحمد الله كتابًا تروق معانِيه، وتطيب مَجانيه، عباراتهُ شافيةٌ، وشواهدُه كافيةٌ،
_________
١) هذه العبارة مخالفة للشرع ولكل جواد كبوة بل كبوات والأفضل أن نقول عبارةً غيرها رحم الله المؤلف وغفر له. آمين. ن
1 / 9
فأنعم نظرك فيه، وقل: ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ﴾ [الجمعة:٤] وإن رأيت هفوة فقل: طغى القلم، فإنِّ ذلك من دواعى الكرم، وحاشاك أن تكون ممن قيل فيهم:
فإِنْ رَأَوْا هَفْوة طارُوا بها فرحًا
مني وما عملوا من صالح دَفَنُوا١
وقد سميته:
شذا العرف، فى فن الصرف
واللهَ أسأل أن يُلبسه ثوبَ القَبول، وأن ينفع به، إنه أكرم مسئول.
وقد جعلته مرتبًا على مقدمة وثلاثة أبواب: فالمقدمة فيما لا بد منه فيه. والباب الأول: فى الفعل. والثانى: فى الاسم. والثالث: في أحكام تعمهما.
_________
١ البيت لقعنب بن ضمرة.
1 / 10
الصَّرفُ، ويُقال له التصريفُ، وَهُوَ لُغَةً: التَّغْييْرُ، وَمِنْهُ تَصريفُ الرِّياح، أى تَغييرُها. واصطلاحًا بالمعنى العَمَلي: تحويلُ الأَصلِ الواحدِ إلى أمثلةٍ مختلفةٍ، لمعانٍ مقصودةٍ، لا تحصُل إلا بها، كاسمَي الفاعِلِ والمفعولِ، واسمِ التَّفضيلِ، والتَثنية والجَمعِ، إلى غير ذلك. وبالمعنى العِلْمي: عِلمٌ بأصولٍ يُعرفُ بها أحوالُ أبنيةِ الكلمةِ، التى ليست بإعرابٍ ولا بناءٍ.
وموضوعُه: الألفاظُ العربيةُ من حيثُ تلك الأحوالِ، كالصحَّةِ والإعلالِ، والأصالةِ والزِّيادَةِ، وَنَحوِها.
ويختصُّ بالأسماءِ المُتَمَكِّنَةِ، والأفعالِ المتصرِّفةِ؛ وما وَرَدَ من تَثنِيَةِ بَعضِ الأسماءِ الموصولةِ وأسماءِ الإشارةِ، وَجمعِها وتَصغيرِها، فصُوريٌ لا حقيقيٌ.
وواضعُه: مُعاذ بن مُسْلِم الهَرَّاء١، بتشديد الراء، وقيلَ سَيِّدُنا عليٌ كرَّم الله وَجهَه.
وَمسائِلُه: قضاياهُ التى تُذكر فيه صريحا أو ضِمْنًا، نحو: كلُّ واو أو ياء تحرَّكت وانفتح ما قبلها قُلِبَت ألِفًا، ونحو إذا اجتَمَعَتِ الواوُ والياءُ وسُبقت إحداهُما بالسكون، قُلِبَت الواوُ ياء، وأدغِمَت فى الياءِ، وَهكذا.
وَثَمَرَتَهُ: صَونُ اللّسانِ عن الخطأِ فى المفرداتِ، ومراعاةُ قانون اللُّغَةِ في المكتابَةِ.
وَاستِمدادُه: من كلامِ الله تعالى، وكلامِ رَسولِهِ ﷺ، وكلامِ العربِ.
وَحُكمُ الشّاعرِ فيه: الوجوبُ الكِفائي٢.
والأبنيةُ جمعُ بناءٍ، وهى هَيئَةُ الكلمةِ الملحوظةِ، من حَرَكَةٍ وَسُكونٍ، وعددِ
_________
١ اسمه الهرّا: بألف مقصورة بدون همزة نسبة إلى هراة. ن
٢ الوجوب الكفائي: هو الذي إذا عمله البعض سقط عن الباقين. ن
1 / 11
حُروفٍ، وترتيبٍ. والكلمةُ: لفظٌ مفردٌ، وضعه الواضعُ ليدُلَّ على معنىً، بحيثُ متى ذُكر ذلك اللفظ، فُهِم منه المعنى الموضوعُ هو له.
1 / 12
تقسيم الكلمة
...
تنقسم الكلمة إلى اسمٍ وفِعلٍ وَحَرفٍ.
فالاسمُ: ما وُضِع ليَدُلَّ على معنى مستقلّ بالفهم ليس الزمنُ جزءًا منه، مثل رجل وكتاب. وَالفِعلُ: ما وُضِع ليَدُلَّ على معنى مستقل بالفهم والزمنُ جزء منه، مثل كَتَبَ ويقرأ واحفظ. والحرف: ما وُضِعَ ليَدُلَّ على معنى غيرِ مستَقِلٍّ بالفَهمِ، مثل هَلْ وفى وَلَم، ولا دَخْلَ لَهُ هنا كما مَرّ.
ويختص الاسمُ بقبولِ حرفِ الجرّ، وأل، وبلحوق التنوين١ له، وبالإضافة، وبالإسناد إليه، وبالنداء، نحو:
الحمدُ لله مُنْشئ الخَلْقَ مِنْ عَدَمِ
ونحو: ﴿يَا إِبْرَاهِيمُ، قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا﴾
ويختص الفعل بقبول قَدْ، والسين، والنواصب، والجوازم، وبلحوق تاء الفاعل، وتاء التأنيث الساكنة، ونون التوكيد، وياء المخاطبة له.
نحو: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى﴾ [الأعلى: ١٤] . ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَى﴾ [الأعلى: ٦] . ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ [الضحى: ٥] . ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ٩٢] . ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَد﴾ [الإخلاص: ٣] . ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا﴾ [غافر: ٧] . ﴿إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾ [القصص: ٢٥] . ﴿لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ﴾ [يوسف: ٣٢] . ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً﴾ [الفجر: ٢٧-٢٨] .
ويختص الحرف بعدم قبول شيء من خصائص الاسم والفعل:
_________
١ التنوين: نونٌ سَاكِنةٌ تلحق الآخِرَ لفظًا لا خطًّا. ن
1 / 13
الميزان الصرفي
مقدمة
...
الميزان الصرفى
١- لما كان أكثرُ كلماتِ اللغة العربية ثُلاثيًّا، اعتبر علماءُ الصرفِ أنَّ أصولَ الكلماتِ ثلاثةُ أحرف، وقابلوها عند الوزن بالفاء والعين واللام، مصوَّرة بصورةِ الموزون، فيقولون فى وزن قَمَر مَثَلًا: فَعَلْ، بالتحريك، وفي جمْل: فِعْل، بكسر الفاء وسكون العين، وفى كَرُمَ: فَعُل، بفتح الفاء وضم العين، وهَلُمَّ جَرَّا، ويُسمُّون الحرف الأوَّل فاء الكلمة، والثانى عين الكلمة، والثالث لام الكلمة.
٢- فإذا زادت الكلمة على ثلاثة أحرف:
فإن كانت زيادتُها ناشئة من أصل وَضْعِ الكلمة على أربعة أحرف أو خمسة، زدتَ فى الميزان لامًا١ أَو لامين على أحرف، ف ع ل، فتقول فى وزن دَحْرَجَ مثلًا: فَعْلَلَ، وفى وزن جَحْمَرِش أفْعَلِلَ.
وإن كانت ناشئة من تكرير حرف من أصول الكلمة، كرَّرْتَ ما يقابله فى الميزان، قتقول فى وزن قدَّم مثَلًا، بتشديد العين: فعَّلَ٢، وفي وزن جَلْبتَ: فعْلل؛ ويقال له مضعَّف العين أو اللام.
وإن كانت الزيادة ناشئة من زيادة حرف أو أكثر من حروف سألتمونيها، التى هى حروف الزيادة، قابلتَ الأصول بالأصول، وعبّرْتَ عن الزائد بلفظه، فتقول فى وزن قائم مثَلًا: فاعِل، وفى وزن تقدَّمَ: تَفَعَّلَ، وفى وزن استخرج: استفعل، وفي وزن
_________
١ زيادة لام واحدة عامة في الفعل والاسم، نحو دحرج وجعفر، وزيادة لامين: خاصة بالاسم، نحو سفرجل، وخصت اللام بالتكرير، لأنها أقرب. اهـ منه.
٢ اعلم أنه لا يؤتى في الميزان بالحرف المزيد نفسه فلا يقال في "قَدَّمَ" إنَّه على زون "فَعدَل"، والغرض هنا هو التنبيه على أن الزيادة حصلت بتكرير حرفٍ أصلي هو العين. ن
1 / 14
مجتهد: مُفْتَعِل، وهكذا.
وفيما إذا كان الزائد مبدلا من تاء الافتعال، يُنْطَقُ بها نظرًا إلى الأصل، يقال مثلا فى وزن اضطرَب: افتعل، لا افطعل، وقد أجازه الرضىّ.
٣- وإن حصل حذف فى الموزون حُذِف ما يقابله فى الميزان، فتقول فى وزن قُلْ مثلًا: فُلْ١، وفى وزن قاضٍ: فعٍ، وفى وزن عِدَة: عِلَة.
٤- وإن حصَل قلبٌ فى الموزون، حصل أيضا فى الميزان، فيقال مثلًا فى وزن جاه: عَفَلَ، بتقديم العين على الفاء.
ويعرف بأمور خمسة:
الأول: الاشتقاق، كناءَ بالمد، فإن المصدر وهو النَّأي، دليل على أن ناء الممدود مقلوب نأي، فيقال وزن فَلَعَ، وكما فى جاه، فإن ورُود وَجْه ووُجْهة، دليل على أن جَاه مَقلوب وَجْه، فيقال: جاه على وزن عَفَل. وكما فى قسِي، فإِن ورود مفرده وهو قَوْس، دليل على أنه مقلوب قُووس، فقُدِّمت اللام في موضع العين، فصار قُسُوْوٌ على وزن فُلُوعٌ، فقلبت الواو الثانية ياءً لوقوعها طَرَفا، والواو الأولى، لاجتماعها مع الياء وَسَبْق إحداهما بالسكون، وكُسِرت السينُ لمناسبة الياء، والقاف لعُسر الانتقال من ضمٍّ إلى كسر، وكما فى حادِى أيضا، فإن ورود وحْدَة دليلٌ على أنه مقلوب واحد، فوزن حادى: عالف.
الثانى: التصحيح مع وجود مُوجِب الإعلال، كما فى أيسَ، فإِن تصحيحه مع وجود الموجِب، وهو تحريك الياء وانفتاح ما قبلها، دليل على أنه مقلوب يئِسَ، فيقال: أيسَ على وزن عَفِلَ. ويُعرَفُ القلبُ هنا أيضًا بأصله، وهو اليَأس.
الثالث: نُدْرَة الاستعمال، كآرام جمع رِئم، وهو الظبيْ، فإنَّ نُدْرَتَه وكثرة آرام،
_________
١ وذلك لأن الماضي: "قال" والألف منقلبة عن "واو" فأصل الفعل: "قَوَلَ" على وزن "فَعَلَ" فلمّا حذفَتِ الواو في الأمر بقيت على وزن "فُلْ".ن
1 / 15
دليل على أنه: مقلوبُ أرآم، ووزن أرآم، أفعال: فقدِّمت العينُ التى هى الهمزة الثانية، فى موضع الفاء، وسُهِّلَتْ، فصارت آرام، فوزنه، أعْفال. وكذا آراء، فإِنه على وزن أعفال، بدليل مفرده، وهو الرأى١. وقال بعضهم: إن علامة القلب هنا ورودُ الأصل، وهو رئم ورأى.
الرابع: أن يترتَّب على عدم القلب وجود همزتين فى الطرف. وذلك فى كل اسم فاعل من الفعل الأجوف المهموز اللام، كجاء وشاء، فإِن اسم الفاعل منه على وزن فاعل.
والقاعدة أنه متى أعلَّ الفعل بقلب عينه ألفًا، أعلَّ اسم الفاعل منه، بقلب عينه همزة، فلو لم نقل بتقديم اللام فى موضع العين، لزم أن ننطِق باسم الفاعل من جاء جائي بهمزتين، ولذا لَزِمَ القولُ بتقديم اللام على العين، بدون أن تقلب همزة، فتقول: جائيٌ بوزن فالع، ثم يُعلُّ إعلال قاض فيقال جاء بوزن.
الخامس: أن يترتب على عدم القلب منع الصرف بدون مقتض، كأشياء، فإننا لو لم نقل بقلبها، لزم منع أفعال من الصرف بدون مقتض، وقد ورد مصروفًا. قال تعالى: ﴿إِنْ هِيَ إِلًّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا﴾ [النجم: ٢٣] فنقول: أصل أشياء شيْأَاء على وزن فعْلاءَ قُدِّمَت الهمزة التى هى اللام فى موضع الفاء فصار أشياء على وزن لَفْعَاءَ، فَمنعها من الصرف نظرًا إلى الأصل، الذى هو فَعْلاء ولا شك أن فعلاء من موازين ألف التأنيث الممدودة، فهو ممنوع من الصرف لذلك، وهو المختار.
_________
١ رَأى: على وزن "فَعل" والجمع "أرآي" = "أرأاي": على وزن: أفعال. ن
1 / 16
الباب الأول: في الفعل وفيه عدّة تقاسيم
التقسيم الأوَّل: إلى ماضٍ ومضارع وأمر
ينقسم الفعل إلى ماضٍ، ومضارع، وأمر.
فالماضى: ما يدل على حدوث شيء قبل زمن التكلم، نحو قام، وقعد، وأكل، وشرب.
وعلامته أن يقابل تاء الفاعل، نحو قرأتُ. وتاءَ التأنيث الساكنة١، نحو قَرَأتْ هِنْد.
والمضارع: ما دلَّ على حدوث شيء فى زمن التكلّم أو بعده، نحو يقرأ ويكتب، فهو صالح للحال والاستقبال. ويُعيِّنه للحال لام الابتداء، و"لا" وما النافيتان، نحو: ﴿إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ﴾ [يوسف: ١٣] . ﴿لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ [البقرة: ١٤٢] . ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ [الضحى: ٥] . ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ٩٢] . ﴿وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٤] . ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٦٠] .
وعلامته: أن يصح وقوعه بعد لم، نحو: ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾ . ولا بد
_________
١ تحرك هذه التاء بالكسر أو الفتح لالتقاء الساكنين، لا يخرجها عن كونها ساكنة أصالة.
1 / 17
أن يكون مبدوءًا بحرف من حروف أنيت، وتسمى أحرف المضارعة.
فالهمزة: للمتكلم وحده، نحو أنا أقرأ. والنون: له مع غيره أو للمعظِّم نفسَه، نحو نحن نقرأ. والياء: للغائب المذكر وجمع الغائبة، نحو محمد يقرأ، والنسوة يقرأن. والتاء: للمخاطب مطلقًا، ومفرد الغائبة ومثناها، نحو أنت تقرأ يا محمد، وأنتما تقرآن، وأنتم تقرءون، وأنتِ يا هند تقرئين، وفاطمة تقرأ، والهندان تقرآن.
والأمر: ما يُطْلَبُ به حصول شيء بعد زمن التكلم، نحو اجتهدْ. وعلامته أن يقبل نون التوكيد، وياء المخاطبة: مع دلالته على الطلب.
وأما ما يدلّ على معانى الأفعال ولا يقبل علاماتها، فيقال له اسمُ فِعل، وهو على ثلاثة أقسام اسم فعل ماض، نحو هيْهاتَ وَشتان، بمعنى بعُدَ وافترق. واسم فعل مضارع، كَوَيْ وأُف، بمعنى أتعجب وأتضجَّر، واسم فعل أمر، كصهْ بمعنى اسكتْ وآمينَ بمعنى استجب، وهو أكثرها وجودًا١.
_________
١ اعلم أن اسم الفعل ضربان: أحدهما ما وضع من أول الأمر كذلك، كشتان وصه ووي. والثاني: ما نقل من ظرف أو جار ومجرور نحو دونك بمعني خذ، ومكانك بمعنى اثبت، وأمامك بمعنى تقدم، وعليك بمعنى الزم، وإليك بمعنى تنح، أو من مصدر، سواء استعمل فعله نحو رويد زيدًا، بمعنى أمهله، فإنهم قالوا: أروده إروادًا، أم لم يستعمل، نحو بله زيد أو زيدًا، بمعنى ترك زيد أو اترك زيدًا، وهو سماعي في غير فعال، فإنه ينقاس في كل فعل ثلاثي متطرف. اهـ.
1 / 18
التقسيم الثاني للفعل
ينقسم الفعل إلى صحيح، ومعتَلّ:
فالصحيح: ما خلت أصوله من أحرف العلّة، وهى الألف، والواو، والياء، نحو كَتَبَ وجَلَسَ. ثم إنّ حرف العلة إن سُكِّنَ وانفَتَحَ ما قبله يسمى لِينًا، كَثْوب وسَيْف، فإن جانسه ما قبله من الحركات يسمة مدًّا، كقال يقُول قِيلا؛ فعلى ذلك لا تنفك الألف عن كونها حرفَ علة، ومدٍّ، ولين، لسكوِنها وفتح ما قبلها دائمًا، بخلاف أختيها.
والمعتلّ: ما كان أحد أصوله حرف عِلة، نحو وجد، وقال، وسعى.
ولكل من الصحيح والمعتل أقسام:
أقسام الصحيح
يقسم الصحيح إلى سالم، ومضعَّف، ومهموز.
فالسالم: ما سلمت أصوله من أحرف العلة والهمزة، والتضعيف كضرب ونصر وقعد وجلس، فإذَنْ يكون كل سالم صحيحًا، ولا عَكْس.
والمضعَّف: ويقال له الأصمّ لشدته، ينقسم إلى قسمين: مضعّف الثلاثىّ ومزيده، ومضعف الرباعىّ. فمضعف الثلاثىّ ومزيده: ما كانت عينه ولامه من جنس واحد، نحو: فرّ، مدّ، وامتدّ، واستمدّ، وهو محل نظر الصرفىّ. ومضعف الرباعىّ: ما كانت فاؤه ولامه الأولى من جنس، وعينه ولامه الثانية من جنس، كزلزلَ، وعَسْعَسَ، وقَلْقَلَ.
والمهموز: ما كان أحد أصوله همزة، نحو أخذ، وسأل، وقرأ.
أقسام المعتلّ
ينقسم المعتل إلى مثال، وأجوف، وناقص، ولفيف.
فالمثال: ما اعتلت فاؤه، نحو وَعَدَ ويَسَر، وسُمِّي بذلك لأنه يماثل الصحيح فى عدم
1 / 19
إعلال ماضيه.
والأجوف: ما اعتلت عينه، نحو قال وباع. وسمى بذلك لخلوّ جوفه، أى وسطه، من الحرف الصحيح. ويسمى أيضًا ذا الثلاثة، لأنه عند إسناده لتاء الفاعل، يصير معها على ثلاثة أحرفٍ، كقُلت وبعت، فى قال وباع.
والناقص: ما اعتلّت لامه، نحو غزا ورمى، وسُمِّي بذلك لنقصانه، بحذف آخره فى بعض التصاريف، كغَزَتْ ورَمَت، ويسمى أيضًا ذا الأربعة، لأنه عند إسناده لتاء الفاعل يصير معها على أربعة أحرف، نحو غَزَوْتُ ورَمَيْتُ.
واللفيف قسمان:
مَفْروق، وهو ما اعتلت فاؤه ولامه، نحو وَفى ووفَى، وسُمِّي بذلك لكون الحرف الصحيح فارقًا بين حرفَىْ العلة.
ومقْرون، وهو ما اعتلت عينُه ولامُه، نحو طَوَى ورَوَى. وسُمِّي بذلك لاقتران حرفَي العلة بعضِهما ببعض.
وهذه التقاسيم التى جرت فى الفعل، تجرى أيضا فى الاسم، نحو شمْس، ووجه، ويَمُنْ، وقَوْل، وسيف، ودلو، وظَبْي، وَوَحْي، وَجَوّ، وَحَيّ، وأمْر، وبئر، ونبأ، وَحَدّ، وبلبل.
1 / 20
التقسيم الثالث للفعل: بحسب التجرُّد والزيادة، وتقسيم كلّ
ينقسم الفعل إلى مجرَّد ومزيد، فالمجرد: ما كانت جميع حروفه أصلية، لا يسقط حرف منها فى تصاريف الكلمة بغير علَّة. والمزيد: ما زِيد فيه حرف أو أكثر على حروفه الأصلية.
والمجرد قسمان:
ثُلاثي ورباعىّ.
والمزيد قسمان:
مزيد الثلاثي، ومزيد الرباعي. أما الثلاثىّ المجرد فله باعتبار ماضيه فقط ثلاثة أبواب، لأنه دائمًا مفتوحُ الفاء، وعينه إما أن تكون مفتوحة، أو مكسورة أو مضمومة، نحو نَصَرَ وضَرَبَ وفَتَحَ، ونحو كَرُم، ونحو فَرِح وحَسِبَ، وباعتبار الماضى مع المضارع له ستة أبواب، لأن عين المضارع إما مضمومةٌ أو مفتوحةٌ أو مكسورةٌ، وثلاثة فى ثلاثة بتسعة، يمتنع كسرُ العين فى الماضى مع ضمِّها في المضارع، وضم العين فى الماضى مع كسرها أو فتحِها فى المضارع، فإذن تكون أبواب الثلاثى ستةٌ:
الباب الأول: فَعَلَ يَفعُل
بفتح العين فى الماضى وضمها فى المضارع، كنَصَرَ يَنْصُر، وقَعَدَ يَقْعُدُ، وأخَذَ يأخُذُ، وبَرأ يَبْرُؤ، وقال يقُول، وغَزَا يغْزو، ومَرَّ يَمُرُّ.
الباب الثانى: فَعَلَ يَفْعِل
بفتح العين فى الماضى وكسرها فى المضارع كضَرَبَ يضْرب، وجَلَسَ يَجْلِسُ، ووَعَدَ يَعِد، وباع يبيع، ورَمى يرمِي، ووَقى يقِى، وطَوَى يطْوي، وفرَّ يفِرُّ، وأتى يأتي، وجاء يجيء، وأبَر النخل يأبِره، وهَنَأ يهنيء، وَأوى يَأوي، ووَأى يَئي، بمعنى وعد.
الباب الثالث: فعَل يَفْعَل
بالفتح فيهما: كفتَح يفتَح، وذَهب يذْهَب، وسَعى يَسْعى، ووَضَع يضع، ويفَع١
_________
١ يقال: يفع الجبل: صعده، والغلام: راهق العشرين كأيفع، ووهل إلى الشيء: ذهب وهمه إليه، وأله عبد. وألهه: أجاره وأمنه. اهـ منه.
1 / 21
يَيْفَعُ، وَوَهَل يَوْهَل، وألَهَ يألَه، وسَأل يَسْأل، وَقَرأ يقرأُ.
وكل ما كانت عينهُ مفتوحةٌ فى الماضى والمضارع، فهو حَلْقيُّ العين أو اللام. وليس كل ما كان حلقيًّا مفتوحًا فيهما. وحروف الحلق ستة: الهمزة والهاء، والحاء والخاء، والعين والغين١.
وما جاء من هذا الباب بدون حرف حَلْقىّ فشاذّ، كأبَى يأبَى، وهَلَكَ يهْلك، فى إحدى لغتيه، أو من تدخل اللغات، كرَكَن يرْكن، وقَلَى يَقْلى٢: غير فصيح٣. وبَقَى يبقَى: لغة طيِّئ، والأصل كسر العين فى الماضى، ولكنهم قلبوه فتحة تخفيفًا، وهذا قياس عندهم.
الباب الرابع: فَعِل يَفْعَل
بكسر العين فى الماضى، وفتحها فى المضارع، كفرِحَ يفرَح، وعلِم يعلَم، ووجِل يوجَل، ويَبِسَ ييبَس، وخاف يَخاف، وهاب يَهاب، وغيدَ يغيْدُ، وعَوِر يَعْوَر، ورَضي يرضىَ، وقَوِي يقْوى، وَوَجِيَ يوْجَى، وعَضَّ يَعضّ، وأمِن يأمَن، وسَئِم يَسْأم، وصَدِئ يَصْدأ.
ويأتى من هذا الباب الأفعال الدالّة على الفرح وتوابعه، والامتلاء والخُلْو، والألوان والعيوب، والخِلق الظاهرة، التي تذكر لتحيلة الإنسان فى الغَزَل: كفرِح وطرِب، وبَطِر وأشِر، وغَضِب وَحزِن، وكشبِع ورَوي وَسكِر، وكعطِش وظمِئ وصَدِي وهَيم، وكحَمِر٤ وسودِ، وكعورِ وعمِش وجهِر وكغِيد وهَيف وَلمي.
_________
١ وتسمّى: حروف الإظهار. ن
٢ واللغة الثانية: بكسر عين مضارعه.
٣ والفصيح: بكسر عين مضارعه.
٤ هذا على القياس، لوجود مصدره "الحمرة"، والوصف منه "أحمر، وحمراء" ولكن العرب لم ينطقوا بالفعل الثلاثي استغناء باحمار، ولعله وجد ثم أميت. قال سيبويه: "استغنوا باحمار عن حمر".
"انظر شرح ابن جني على تصريف المازني، طبعة الحلبي ص ١٦" السقا.
1 / 22
الباب الخامس: فعُل يفعُل
بضم العيبن فيهما، كشرُف يشرُف، وحسُن يحْسُن، ووسُم يوسُم، ويَمُن ييمُن، وأسُل يأسُل، ولؤُم يلؤُم، وجرُؤ يحْرُؤ، وسَرُوَ يَسْرُو.
ولم يرد من هذا الباب يائي اللعين إلا لفظةُ هَيُؤَ: صار ذا هيئة. ولا يائيَّ، اللام وهو متصرف إلا نَهُو، من النُّهية، بمعنى العقل، ولا مضاعفًا إلا قليلًا، كشَرُرْت مثلثَ الراء، ولَبُبْت، بضم العين وكسرها، والمضارع تَلَبُّ بفتح العين لا غير.
وهذا الباب للأوصاف الخِلْقية، وهى التى لها مُكْث.
ولك أن تحوِّل كل فعل ثلاثىّ إلى هذا الباب، للدلالة على أن معناه صار كالغريزة فى صاحبه. وربما استعملت أفعال هذا الباب للتعجُّب، فتنسلخ عن الحدَث.
الباب السادس: فعِل يَفْعِل
بالكسر فيهما، كحسِب يحسِب ونعِم ينعِم، وهو قليل فى الصحيح، كثير فى المعتلّ، كما سيأتى:
تنبيهات
الأول: كل أفعال هذه الأبواب تكون متعدية ولازمة، إلا أفعال الباب الخامس، فلا تكون إلا لازمة. وأما رَحُبَتْك الدارُ فعلى التوسع، والأصل رَحُبَتْ بك الدارُ، والأبواب الثلاثة الأولى تسمى دعائم الأبواب، وهى فى الكثرة على ذلك الترتيب.
الثانى: أن فَعَلَ المفتوحَ العين، إن كان أوَّله همزة أو واوًا، فالغالب أنه من باب ضرب، كأسَر يأسِر، وأتَى يأتِى، ووعد يعِد، ووزَن يزِن، ومن غير الغالب: أخَذوا أكَل ووَهَل. وإن كان مُضاعفًا فالغالب أنه من باب نصر، إن كان متعدّيا، كَمَدّه يَمُدُّه،
1 / 23
وصدّه يصُدُّه. ومن باب ضرب، إن كان لازما١، كَخفَّ يَخفُّ، وشذّ يشِذ، بالذال المعجمة.
الثالث: مما تقدم من الأمثلة تعلم:
١- أن المضاعَف يجيء من ثلاثة أبواب: من باب نَصَر، وضَرَب، وفَرِحَ، نحو سرَّه يسرُّه، وفرَّ يفِرّ، وعضَّهُ يَعضه.
٢- ومهموز الفاء يجيء من خمسة أبواب: من باب نصر، وضرب، وفتح، وفرِح، وشرُف، نحو: أخذ يأخُذ، وأسَرَ يأسِر، وأهَب يأهَبُ، وأمِنَ يأمَن، وأسُل يأسُل.
٣- ومهموز العين يجيء من أربعة أبواب: من باب ضرب، وفتح، وفرح وشَرُف، نحو: وأى يَئى، وسأل يسأل، وسئِم يسأم، ولَؤُم يَلْؤُم.
٤- ومهموز اللام يحيء من خمسة أبواب من باب نصر، وضرب وفتح، وفرح، وشَرُف، نحو: بَرَأ٢ يبرُؤ، وهَنَأ يهنئ، وقرَأ يقرَأ، وصَدِأ يَصْدَأ، وجرُؤ يجرُؤ.
والمثال يجيء من خمسة أبواب: من باب ضرب: وفتح، وفرح، وشَرُف، وحسِب؛ نحو: وعَد يعِد، ووهِل يَوْهَل، ووجِل يوجَل، ووسُم يوسُم، وورِث يرِث،
_________
١ قوله: "ومن باب ضرب إن كان لازمًا.." ومن غير الغالب حبه يَحِبه، بفتح الياء وكسر الحاء، لغة في: أحبه يحبه.
وقد جاء الوجهان عدة أفعال متعدية، وعدة أفعال لازمة.
فمن الأول هو فلان الشيء يهره ويهره: بمعنى كرهه. وأصل الهرير: صوت الكلب الخلفي، وشد متاعه يشده ويشده: بمعنى أوثقه، وعله الشراب يعله ويعله، سقاه عللًا بعد نهل. والعلل: الشرب الثاني، والنهل محركًا: الشرب الأول، وبت الحبل وغيره يبته ويبته بتًّا: قطعه، ونم الحديث ينمه وينمه نما ونمة: حمله وأفشاه، على وجه الإفساد.
ومن الثاني: صد عن الأمر يصد ويصد صدودًا: أعرض عنه، وأث الشجر يؤث ويئث: أي: كثر والتف، وخر الحر يخر ويخر: أي سقط من علو إلى أسفل، وحدت المرأة على زوجها تحد وتحد: تركت الزينة، وثرب العين تثر وتثر، ثرورًا: عزر ماؤها: ودرت الشاة تدر وتدر، وجم الماء يجم ويجم: بمعني كثر: وعن له الشيء يعن ويعن: بمعنى عرض. وشذ عن الجمهور يشذ ويشذ: انفرد، وشطت الدار تشط وتشطط: بمعنى بعدت، وطش المزن يطش ويطش: أمطر دون الرش، وأل السيف يؤل ويئل: لمع.
٢ أي من برأ المريض، وهذه إحدى لغاته، وكذلك هنأ يهنئ في إحدى لغاته اهـ.
1 / 24