وقفات مع أحاديث تربية النبي ﷺ لصحابته
الناشر
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
رقم الإصدار
السنة السادسة والثلاثون العدد (١١٢) ١٤٢٤هـ
تصانيف
يَأْكُل وليلبسه مِمَّا يلبس» . فَكَانَ أَبُو ذَر بعد ذَلِك يُلْبس غُلَامه حُلة كَالَّتِي يلبس (١) .
أما عُقُوبَة الهجر فتتمثل وَاضِحَة فِي قصَّة الثَّلَاثَة الَّذين تخلفوا عَن غَزْوَة تَبُوك وهم كَعْب بن مَالك، وهلال بن أُميَّة، ومرارة بن الرّبيع، وَلم يكن لَهُم عذر، فَنهى النَّبِي ﷺ عَن كَلَامهم يَقُول كَعْب ﵁: فَاجْتَنَبَنَا النَّاس وتغيروا لنا حَتَّى تنكرت فِي نَفسِي الأَرْض فَمَا هِيَ الَّتِي أعرف فلبثنا على ذَلِك خمسين لَيْلَة فَأَما صَاحِبَايَ فاستكانا وقعدا فِي بُيُوتهم يَبْكِيَانِ وَأما أَنا فَكنت أشب الْقَوْم وأجلدهم فَكنت أخرج فاشهد الصَّلَاة مَعَ الْمُسلمين وأطوف فِي الْأَسْوَاق وَلَا يكلمني أحد وَآتِي رَسُول الله ﷺ فأُسلم عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِد بعد الصَّلَاة فَأَقُول فِي نَفسِي: هَل حرك شَفَتَيْه برد السَّلَام عليّ أم لَا؟ ثمَّ أُصَلِّي قَرِيبا مِنْهُ فأسارقه النّظر فَإِذا أَقبلت على صَلَاتي أقبل إِلَيّ وَإِذا الْتفت نَحوه أعرض عني حَتَّى إِذا طَال عليّ ذَلِك من جفوة النَّاس مشيت حَتَّى تسّورت جِدَار حَائِط أبي قَتَادَة «وَهُوَ ابْن عمي وَأحب النَّاس إِلَيّ» فَسلمت عَلَيْهِ فوَاللَّه ماردَّ السَّلَام عَليّ فَقلت: يَا أَبَا قَتَادَة أنْشدك بِاللَّه هلا تعلمني أحب الله وَرَسُوله فَسكت، فعدت فنشدته فَسكت فعدت فنشدته فَقَالَ: الله وَرَسُوله أعلم. فَفَاضَتْ عَيْنَايَ وتوليت. وَلما مضى أَرْبَعُونَ لَيْلَة إِذا رَسُول رَسُول الله ﷺ يأتيني فَقَالَ: إِن رَسُول الله يَأْمُرك أَن تَعْتَزِل امْرَأَتك ولاتقربها وَأرْسل إِلَى صاحبيّ مثل ذَلِك فَقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فتكوني عِنْدهم حَتَّى يقْضِي الله هَذَا الْأَمر فَلَبثت بعد ذَلِك عشر لَيَال حَتَّى كملت لنا خَمْسُونَ لَيْلَة من حِين نهى رَسُول الله ﷺ عَن كلامنا، فَلَمَّا صليت الْفجْر وَأَنا على ظهر بَيت من بُيُوتنَا فَبَيْنَمَا أَنا جَالس على الْحَال الَّذِي ذكر الله، قد ضَاقَتْ عَليّ نَفسِي، وَضَاقَتْ عَليّ الأَرْض بِمَا رَحبَتْ
_________
(١) أخرجه البُخَارِيّ ك: الْإِيمَان ب: الْمعاصِي من أَمر الْجَاهِلِيَّة (فتح ١/٨٤) .
1 / 140