الاستشراق وموقفه من السنة النبوية
الناشر
مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة
تصانيف
الكريمة ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل: ٤٤]، دليل على أن من أهم مهام الرسول ﷺ توضيح أمور الدين للناس ابتداء من العقيدة وانتهاء بأدق الأحكام والآداب.
ولو سردنا أحكام الدين التي تحتاج الأمة إلى بيانها وتفصيلها من القرآن لاحتاج ذلك إلى حيزٍ واسعٍ من البحث، ولكن نشير إلى بعض تلك الأحكام والفرائض بشيء من الاختصار، فالصلاة التي جاءت في القرآن مجملة دون تفصيل ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [البقرة: ٤٣]، بحاجة إلى بيان كيفية أدائها بالأقوال والحركات، والرسول ﵊ هو الوحيد الذي يوضح للأمة هذه الكيفية، وكذلك قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: ٩٧]، فلولا السنة لاختلط كيفية أداء هذا النسك العظيم بالشركيات وأهواء الناس وكل واحد يؤديه حسب فهمه الخاص، ولكن الرسول ﵊ علّم الأمة هذه الكيفية بحجته ﷺ وقوله للصحابة: "خذوا عني مناسككم"، فالسنة بوصفها تبين وتوضِّح الأحكام المجملة في القرآن، إلا أنها تؤدي دورًا مهمًا في وحدة الأمة وترابط أبنائها على أداء العبادات بصورة واحدة لا تمايز لأحد على آخر، مما يؤدي بالتالي إلى جعلها كالجسد الواحد، في أعمالها وأقوالها ومشاعرها، ويتحقق بذلك قوله ﷺ: "مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" (١) .
إن المستشرقين وأذنابهم ممن يسمون بالقرآنيين إما أنهم يجهلون هذه المعاني
_________
(١) صحيح مسلم، برقم ٦٥٨٦، ص ١١٣١.
1 / 88