فتح رب البرية في شرح نظم الآجرومية

أحمد بن عمر الحازمي ت. غير معلوم

فتح رب البرية في شرح نظم الآجرومية

الناشر

مكتبة الأسدي

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٣١ هـ - ٢٠١٠ م

مكان النشر

مكة المكرمة

تصانيف

فتح رب البرية في شرح نظم الآجرومية للعلامة محمد بن أبَّ القلاوي الشنقيطي شرح فضيلة الشيخ أحمد بن عمر الحازمي

صفحة غير معروفة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إنَّ الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فهذا شرحٌ وجيز، وبيانٌ عزيز، لألفاظ نظم الآجرومية، للعلامة محمد بن آبَّ القلاوي التواتي، في علم النحو، يحل عباراتها، ويظهر معانيها، ويكشف أسرارها، ويوضح شواهدها، كان أصله دروسًا ألقيتُها في المسجد، فسُجِّلتْ ثم فُرِّغتْ، فرَغِب الطلبة في مراجعتها، وتنقيحها، فأجبتهم إلى ما رغبوه، فحررت منه ما استطعت، فزدت فيه وحذفت، حتى جاء شرحًا تقَرُّ به عين كل ناظر، يجد فيه بغيته المبتدي، ولا يستغني عن فوائده المنتهي، سميته (فَتْحَ رَبِّ البَرِية بِشَرْحِ نَظْمِ الآجُرُّومِيَّة). واللهَ أسأل أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح إنه سميع قريب.

1 / 2

مسألة لابُدَّ لكل شارع في فن من الفنون أن يتصوره قبل الشروع فيه؛ ليكون على بصيرة فيه؛ وإلا صار كمَن ركب متنَ عمياء، وخبَطَ خبْطَ ناقةٍ عشواء، ويحصل التصور المطلوب بالوقوف على المبادئ العشرة التي جمعها الناظم محمد بن علي الصبان عليه رحمة الله في قوله: إِنَّ مَبادِئ كُلِّ ... فَنٍّ عَشَرَه ... الحَدُّ وَالموضُوعُ ثُمَّ الثَّمَرَه وَنِسْبَةٌ وَفَضْلُهُ وَالوَاضِعْ ... وَالاِسْمُ الِاسْتِمْدَادُ حُكْمُ الشَّارِعْ مَسَائِلٌ والبَعْضُ بِالبَعْضِ اكْتَفَى ... وَمَنْ دَرَى الجَمِيعَ حَازَ الشَّرَفَا فنقول: النحو له معنيان معنىً لغوي، ومعنىً اصطلاحي، وهو من جهة اللفظ مصدرٌ على وزن فَعْلٍ بمعنى اسم المفعول أي المَنْحُوٌّ، من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول، وهذا مجازٌ مرسلٌ عندهم، والأصل في إطلاق النحو في لغة العرب بمعنى القصد، فسمي هذا العلم نحوًا لأنه مقصود، لأن النحو بمعنى القصد، ويأتي على ستِّ معاني وهي أشهرها: قَصْدٌ وَمِثْلٌ جِهَةٌ مِقْدَارُ ... قَسْمٌ وَبَعْضٌ قَالَهُ الأَخْيَارُ أما في الاصطلاح: فهو علم بأصول يعرف بها أحوال أواخر الكلم إعرابًا وبناءًا. موضوع علم النحو: الكلمات العربية من حيث البناء والإعراب.

1 / 3

ثمرة علم النحو وفائدته: أنه مفتاحٌ لفهم الشريعة، وأما صيانة اللسان عن الخطأ في الكلام فهذه ثمرة فرعية، ولا ينبغي لطالب العلم أن يجعل غايته صيانة اللسان عن الخطأ في الكلام، وإنما يكون هذا تبعًا، والأصل أن يكون علم النحو مفتاحًا للشريعة وينوي طالب العلم ذلك حتى يؤجر، لأن هذا العلم ليس من المقاصد وإنما هو علم آلة، ووسيلة والوسائل لها أحكام المقاصد. حكمه: فرضُ كفاية، وقيل: فرض عين على من أراد علم التفسير، ونقل السيوطيُّ ﵀ الإجماعَ على أنه لا يجوز لأحدٍ أن يتكلم في التفسير إلا إذا كان مليًّا باللغة العربية، وليس النحو فحسب، ولذلك من شروط المفسر كما هو مذكور في موضعه أن يكون عالمًا بلغة العرب. نسبته إلى سائر الفنون: التباين، فهو مخالف لعلم الأصول، ولعلم الحديث، ولسائر العلوم، وقد يشترك مع بعضها. مسائله: هي أبوابه التي ستذكر فيما بعد في ضمن النظم. والواضع: هو أبو الأسود الدؤلي، وقيل: علي ﵁. وقيل: أبو الأسود بأمر علي ﵁. فنشرع في المقصود وبالله التوفيق، قال الناظم رحمه الله تعالى: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ ابْنُ آبَّ وَاسْمُهُ مُحَمَّدُ ... اللهَ فِي كُلِّ الأُمُورِ أَحْمَدُ مُصَلِّيًا عَلَى الرَّسُولِ المُنْتَقَى ... وَآلِهِ وَصَحْبِهِ ذَوِي التُّقَى

1 / 4

وَبَعْدُ فَالقَصْدُ بِذَا المَنْظُومِ ... تَسْهِيلُ مَنْثُورِ ابْنِ آجُرُّومِ لِمَنْ أَرَادَ حِفْظَهُ وَعَسُرَا ... عَلَيْهِ أَنْ يَحْفَظَ مَا قَدْ نُثِرَا واللهَ أَسْتَعِينُ فِي كُلِّ عَمَلْ ... إِلَيْهِ قَصْدِي وَعَلَيْهِ المُتَّكَلْ بدأ الناظم على عادة أهل العلم بما استقر في عرفهم بالبسملة وهي [بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ] وذلك لأمور: أولًا: اقتداءًا بالكتاب العزيز؛ حيث بدأ ببسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين. ثانيًا: اقتداءًا وتأسيًا بالسنة الفعلية؛ حيث كان النبيُّ ﷺ إذا كتب كتابًا ما قال: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم، كما في صحيح البخاري رحمه الله تعالى. ثالثًا: التبرك بالبسملة؛ لأنَّ الباء هنا للاستعانة أو للمصاحبة على وجه التبرك، والمعنى بسم الله الرحمن الرحيم حالة كوني مستعينًا وطالبًا التوفيق والإعانة من الله ﷿ على ما جعل البسملة مبدءًا له. رابعًا: اقتداءًا بالأئمة المصنفين، قال الحافظ ابن حجر- ﵀: وقد استقر عمل الأئمة المصنفين على أن يفتتحوا كتبَ العلم بالتسمية وكذا معظم كتب الرسائل.

1 / 5

وأما استدلال بعضهم بحديث «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر أو أجذم أو أقطع» فهذه الروايات كلها ضعيفة. ومثلها ما جاء في الحمدلة. [بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ] هنا الناظم ﵀ بدأ نظمه بالبسملة، وإذا استقر عمل أئمة التصنيف على ابتداء كتبهم بالبسملة فهل المراد بها المنثورات دون المنظومات؟ وهل المنظوم الذي هو الشعر كالمنثور؟ نقول: أما ما كان من المنظومات العلمية التي ضمَّنها أهل العلم مسائل العلم؛ منظومةً على بحر الرجز أو غيره فهذه باتفاق العلماء يستحب البداءة فيها بالتسمية. وما عدا ذلك ففيه قولان لأهل العلم: قولٌ بالمنع. وقولٌ بالجواز. فالأول: روي عن الشعبي أنه قال: أجمعوا أن لا يكتبوا أمام الشعر بسم الله الرحمن الرحيم. وروي عن الزهري أنه قال: مضت السنة أن لا يكتب في الشعر بسم الله الرحمن الرحيم. والثاني: قول جمهور أهل العلم تبعًا لما نقل عن سعيد بن جبير وأبي بكر الخطيب -رحمهما الله- لأن الجواز هو الأصل. فالأصل استحباب البداءة بالبسملة في كل أمر مباح. وما عدا المنظومات العلمية فتأخذ حكمه، فما كان من الشعر محرمًا فالتسمية حرام؛ لذلك أجمعوا على أنه لا يحل لمن شرب مسكرًا أن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم. بل يعتبر في بعض المذاهب أنه قد كفر وارتد لأنه مستهزئ بالله. وما كان مكروهًا من الشعر كالغزل ونحوه يكره فيه البداءة بالتسمية، وما عدا ذلك فالأصل أنه مباح والتسمية تكون حينئذٍ مباحةً؛ لأن الأصل بقاء ما

1 / 6

كان على ما كان حتى يأتي دليل ينص على أن البسملة حينئذٍ تكون محرمةً فإذا كان مباحًا فالأصل الاستحباب. [بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ] نقول: [بِسْمِ اللهِ] هذا جار ومجرور، وعند النحاة أن حرف الجر إذا كان حرفًا أصليًا- كما هنا على الصحيح - فلابد أن يكون متعلِّقًا بمحذوف، وهذا المحذوف نقدره على الأصح فعلًا لا اسمًا، وعامًا لا خاصًا، ومؤخرًا لا مقدَّمًا. [بِسْمِ اللهِ] فالباءُ أصليَّةٌ وقيل: زائدة، والأصحُ أنها أصليَّةٌ، فحينئذٍ تحتاج إلى متعلَّقٍ تتعلق به قال بعضهم: لابُدَّ لِلجَارِّ مِنَ التَّعلُّقِ ... بِفِعْلٍ اوْ مَعْنَاهُ نَحْوُ مُرتَقِي إذًا لابُدَّ للحرف الجار الأصلي أن يتعلق بفعل أو ما فيه رائحة الفعل، إذًا [بِسْمِ اللهِ] جار ومجرور متعلق بفعل على الأصح وليس اسمًا، وهذا الفعل مؤَخَّرٌ لا مُقدَّمٌ، وهذا الفعل خاصٌّ لا عامٌّ. لماذا كان التقدير فعلًا؟ لأن الأصل في العمل للأفعال، وأيضًا ورد التصريح به في الكتاب والسنة فعلًا؛ قال تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ (العلق:١) ﴿بِاسْمِ﴾ هذا جار ومجرور متعلق بقوله: ﴿اقْرَأْ﴾، و﴿اقْرَأْ﴾ هذا فعل. وجاء في الحديث: «باسمك ربي وضعت جنبي» «باسمك» جار ومجرور متعلق بقوله: (وضعت). وهذا الفعل المحذوف الأرجح فيه أن نقدره متأخرًا: بسم الله أؤلف، وإنما يقدر متأخرًا لفائدتين: الأولى: الاهتمام؛ لأنه لا يتقدم على اسم الله تعالى شيء فيؤخر

1 / 7

لذلك، أما إذا قلت: أؤلف بسم الله فقد قدمت على لفظ الجلالة غيره، فحينئذٍ كان فيه فائدة الاهتمام، وأما تقديمه في سورة ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ فقد أجاب أهل البيان بأنَّ المقصود هنا هو القراءة، قال السيوطي في عقود الجمان: وَقَدْ يُفِيدُ فِي الجَمِيعِ الاِهْتِمَامْ ... بِهِ وَمِنْ ثَمَّ الصَّوَابُ فِي المقَامْ تَقْدِيرُ مَا عُلِّقَ بِاسْمِ اللهِ بِهْ ... مُؤَخَّرًا فَإِنْ يَرِدْ بِسَبَبِهْ تَقْدِيمُهُ فِي سُورَةِ اقْرَا فَهُنَا ... كَانَ القِرَاءَةُ الأَهَمَّ ... المُعْتَنَى إذًا قُدِّم في قوله ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ لأن القراءة هي الأهم المعتنى به في هذا المقام. الفائدة الثانية: إفادة القصر والحصر، وهو إثباتُ الحكم في المذكور ونفيه عمَّا عداه، أي بسم الله أؤلف، إذًا قُدِّم ما حقه التأخير فأفاد القصر، يعني بسم الله لا باسم غيره. ويُقدر الفعل خاصًّا يعني يقول عند التقدير: بسم الله أؤلف إذا أراد التأليف. بسم الله أشرب إذا أراد الشرب وهكذا. ولا يقدره: بسم الله أبدأ؛ لأنه عام فلا يُفهم من المقدَّر هنا فعلٌ وحدثٌ خاصٌّ قالوا: لأنَّ دلالةَ الحال أدلُّ على المقدر؛ لأنه ينوي في نفسه ما جَعل البسملةَ مبدءًا له، وهو الفعل الخاص الذي تلبس به. [بِسْمِ اللهِ] اسم مضاف، ولفظ الجلالة (الله) مضاف إليه. وهنا الإضافة من إضافة الاسم إلى المسمَّى فتفيد حينئذٍ العموم. [بِسْمِ

1 / 8

اللهِ] أي بكل اسمٍ هو لله، سمى به نفسه، أو أنزله في كتابه، أو علمه أحدًا من خلقه، أو استأثر به في علم الغيب عنده. [اللهِ] عند كثير من أهل العلم أنه هو الاسم الأعظم، والأصح أنه مشتق، وأصله الإله، حذفت الهمزة تخفيفًا، واجتمع عندنا حرفان مثلان، وهما اللامان، الأولى ساكنة، والثانية متحركة؛ فوجب الإدغام فقيل: الله، ثم فُخِّمتِ اللام بعد الفتح والضم تعظيمًا لله ﷿ فقيل: الله قال ابن الجزري: وَفَخِّمِ الَّلاَمَ مِنِ اسْمِ اللهِ ... عَنْ فَتحٍْ اوْ ضَمٍّ كَعَبْدُ اللهِ [عَن فتحٍ او ضمٍّ] أي بعد فتح او ضمٍّ كما في قوله تعالى: ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ﴾ (الانشقاق:١٩) أي طبقًا بعد طبق. بعد فتح نحو: رأيت عبدَ الله، وبعد ضمٍّ نحو: جاء عبدُ الله. أما بعد الكسر فترقق اللام وهذا مذهب الجمهور أنَّ اللام تفخم بعد الضم والفتح، وترقق بعد الكسر. وقيل: ترقق مطلقًا. وقيل: تفخم مطلقًا. إذًا [الله] مشتق من الإله بمعنى أنه يدل على ذاتٍ متصفةٍ بصفةٍ وهي الإلهية. لأن أصله الإله -كما ذكرنا- فهو فِعَال بمعنى مفعول أي المألوه محبةً وتعظيمًا. لذلك ذُكر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: (الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين) لأن ألِه يألَه إلهةً وألوهةً وألوهيَّة يأتي بمعنى عبد عبادة والألوهية هي العبادة، قال رؤبة: لِلهِ دَرُّ الغَانِيَاتِ المُدَّهِ ... سَبَّحْنَ وَاسْتَرْجَعْنَ مِنْ تألُّهِي

1 / 9

[الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ] اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة؛ إلا أنَّ الرحمن أشدُّ مبالغةً من الرحيم، لأنه على وزن فعلان يدل على الامتلاء كغضبان وعطشان. وهو أيضًا أكثرُ حروفًا من الرحيم. وزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى غالبًا. [الرَّحْمَن] عامٌّ من جهة المعنى، خاصٌّ من جهة اللفظ، من جهة المعنى = الرحمة عامة تشمل الكفار والمسلمين والبهائم ونحوها. ومن جهة اللفظ = خاصٌّ لا يطلق إلا على الله ﷿. وأما إطلاق أهل اليمامة ذلك على مسيلمة الكذاب فهو من باب تعنتهم وكفرهم قال قائلهم: سَمَوْتَ بِالمَجْدِ يَابنَ الأَكْرمَينِ أَبًا ... وَأَنْتَ غَيْثُ الوَرَى لاَ زِلْتَ رَحْمَانَا وقد ردَّه بعضُ الأدباء بقوله: خُصِّصْتَ بالمقْتِ يَابْنَ الأَخْبَثَينِ أَبًا ... وَأَنْتَ شَرُّ الوَرَى لاَ زِلْتَ شَيطَانًا [الرَّحِيم] خاصٌّ من جهة المعنى، عامٌّ من جهة اللفظ. من جهة المعنى = خاص بالمؤمنين قال تعالى: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ (الأحزاب:٤٣) أي لا بغيرهم؛ لأنَّ تقديم ما حقه التأخير يفيد الاختصاص، والأصل وكان رحيمًا بالمؤمنين، ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ جار ومجرور متعلق بقوله رحيمًا، فقُدِّم ما حقه التأخير عن عامله وهو المعمول فأفاد القصر أي بالمؤمنين لا بغيرهم. ومن جهة اللفظ = عامٌّ يصح أن يطلق على غير الله تعالى تقول: جاء زيد الرحيم. ومنه قوله تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ

1 / 10

أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (التوبة:١٢٨). هذا كلام مختصر يتعلق بالبسملة من جهة المعنى. وأما من جهة الإعراب فنقول: [بِسْمِ اللهِ] جار ومجرور متعلق بمحذوف، فعل مؤخر خاص مناسب للمقام، تقديره بسم الله الرحمن الرحيم أُؤلف أو أنظمُ. [بِسْمِ] اسم مجرور بالباء، وهو مضاف، ولفظ الجلالة مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره. [الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ] بالكسر فيهما [الرَّحْمَنِ] صفةٌ أولى، و[الرَّحِيمِ] صفةٌ ثانية صفة بعد صفة، والجر فيهما سنة متبعة. قال الناظم: [قَالَ ابْنُ آبَّ وَاسْمُهُ مُحَمَّدُ] قوله: [قَالَ] هذا فعل ماضٍ، والناظم قد سمَّى نفسه وقد أتى بجملة الحكاية، ومقتضى الظاهر أنَّ كونه حكاية عن نفسه يقتضي أن يقول: قلت لا قال، لكن أراد أن يذكر اسمه؛ لأنَّ الكتاب إذا كان مؤلفُه معلومَ الاسم ترغب النفس فيه أكثر، ففيه ترغيب للكتاب بتعيين مؤلفه ليكون أدعى لقبوله والاجتهاد في تحصيله فيثاب مؤلفه. ومدح الكتاب وذكر الاسم ليس من الأمور المعابة عند أهل التصنيف، وإنما فيه إظهار للنعمة التي أنعم الله بها عليه، وأيضًا المجهول مرغوب عنه، والناظم ناقلٌ فإذا سمَّى نفسه عرَفَ طالبُ العلم جلالةَ مَن نقل العلم فيُقبِل على ما نقل بقلبه وجوارحه فيحصل له النفع في أقرب مدَّة. وأيضًا من جهة أخرى أنَّ المقرر عند أهل التصنيف أنَّ ثَمَّ

1 / 11

أمورًا في مقدمات الكتب لا بُدَّ من ذكرها، وهي ثمانية، أربعة واجبة وجوبًا صناعيًا، وأربعة مستحبة استحبابًا صناعيًا. فالأربعة الواجبة هي البسملة، والحمدلة، والصلاة والسلام على النبيِّ ﷺ، والتشهد. والأربعة المستحبة هي تسمية نفسه، وقد أتى به الناظم كما ذكرنا، وتسمية كتابه، وأما بعد، وبراعة الاستهلال. قوله: [قَالَ] فعلٌ ماضٍ لفظًا مُستقبَلٌ معنى. إذًا لِمَ عدل عن الفعل المضارع وأتى بالفعل الماضي؟ نقول: التعبير بالفعل الماضي مرادًا به الاستقبال خروج عن مقتضى الظاهر فلابد فيه من نكتة وفائدة، قال السيوطي في عقود الجمان مبينا تلك النكتة: وَمِنهُ مَاضٍ عَن مُضَارعٍ وُضِعْ ... لِكَونِهِ مُحَقَّقًا نَحو فَزِعْ [ابْنُ آبَّ] هذا اسم أبيه، ولعلَّه كنيةٌ؛ لأنَّ الكنية ما صُدِّرَ بأبٍ أو أُمٍّ وعلى الأصح أو ابن أو بنت. وأراد أن يُبيِّنَ اسمَه فقال: [وَاسْمُهُ مُحَمَّدُ] وهذا لضيق النظم، وإلا لو قال: محمدُ مباشرةً لأَدَّى المراد، واسمه مبتدأ، محمد خبر. وهو محمد بن آبَّ القلاوي التواتي، القلاوي الأصل من قبيلة الأقلال الشنقيطية، ومولده ومسكنه في مدينة أتوات المغربية توفي سنة ألف ومائة وستين (١١٦٠هـ) هذا هو الصواب والمشهور عند المتأخرين، ولذلك غُلِّط من شرح هذا النظم ونسبه لعبيد ربه، ولذلك نقول هذه المنظومة منسوبة لمحمد بن آبَّ لذلك الصواب في الشطر الأول أن يقال (قال بن آبَّ واسمه محمد) ولا نقول: (قال عبيد ربه محمد).

1 / 12

[اللهَ فِي كُلِّ الأُمُورِ أَحْمَدُ] أي قال: أحمد الله في كل الأمور، وجملة أحمد الله في محل نصب مقول القول. وأتى بالحمدلة بعد البسملة لأمور: أوَّلًا: اقتداءًا بالكتاب العزيز حيث ثنَّى بالحمد بعد البسملة فقال: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (الفاتحة:١ - ٢) ثانيًا: تأسيًا بالنبيِّ ﷺ بسنته الفعلية حيث كان يفتتح خُطَبه في خِطبة النكاح ونحوها بإنَّ الحمد لله نحمده. ثالثًا:: اقتداءًا بالأئمة المصنفين في افتتاح الكتب كما قيل في البسملة. ولذلك القاعدة العامة -كما ذكر أهل العلم- أنَّه يُستحب البَداءةُ بالحمد لله في كل أمر مهم قالوا: يستحب البداءة بالحمدلة لكلِّ مصنِّفٍ، ودَارسٍ، ومُدرسٍ، ومتعلِّمٍ، ومُعلِّمٍ، ومزوِّجٍ، وخاطبٍ، وخطيبٍ، وبين يدي سائر الأمور المهمة. وأما حديث «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله ..» فهو ضعيف أيضًا، فلا يحتج به. قال الناظم: [أَحْمَدُ] عبَّر بالجملة الفعلية. والأصل أن يأتي بالجملة الاسمية؛ لأنها تدل على الدوام والثبوت؛ إلا أنَّه عَدَل عنها إلى الجملة الفعلية؛ لأنها تدل على التجدد والحدوث؛ لأنَّ التجددَ والحدوثَ مُقابَلٌ بما عُلِّقَ به الحمد وهو الأمور. أحمد الله في كل [الأُمُورِ] جمع أمرٍ، والمراد به الشأن، والحال، يعني في كل شؤوني

1 / 13

أحمد الله، فحينئذٍ كان متعلَّقُ الحمدِ شأنَ العبدِ. وشأنُ العبدِ متقلِّبٌ، فقد يكون في سرَّاء، وقد يكون في ضرَّاء. وفي الحديث: «عجبًا لأمر المؤمن إنَّ أمرَه كلَّه خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سرَّاءُ شكر فكان خيرًا له وإن أصابته ضرَّاءُ صبر فكان خيرًا له» إذًا حالُه متقلِّبٌ بين الحالين؛ فحينئذٍ يُحمَد الرَّبُ جلَّ وعَلا على السَّراءِ والضَّراءِ، وهذا أمرٌ حادثٌ ومتجدِّدٌ، يوجد بعد أن لم يكن شيئًا فشيئًا، فحينئذٍ ناسب أن يأتي بالجملة الفعلية الدالة على التجدد والحدوث، كُلَّما وُجدتِ النِّعمةُ سواء كانت سرَّاءَ فشكرَ، أو ضرَّاءَ فصبرَ وُجِدَ الحمدُ، بخلاف الجملة الاسمية فإنها تدل على الثبوت والدوام. [اللهَ] منصوبٌ على التَّعظيمِ، مفعولٌ به مُقدَّم. [أَحْمَدُ] فعل مضارع متأخر، إذًا قدَّمَ ما حقُّه التأخير، والقاعدة العامة = أنَّ تقديمَ ما حقُّه التأخيرُ يُفيد الحصر والقصر، وهو إثباتُ الحكمِ في المذكور ونفيُه عمَّا عَداه. وإثباتُ الحكمِ هنا هو الحمد، للمذكور وهو الربُّ جَلَّ وعَلا ونفيُه عمَّا عدا الله سبحانه. إذًا لا يَستحق الحمدَ الكاملَ إلا اللهُ ﷿ كأنَّه قال أحمدُ اللهَ لا غيرَه. ومثله قوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ (الفاتحة: من الآية٥) أي نعبدُ اللهَ لا غيرَه. [اللهَ فِي كُلِّ الأُمُورِ أَحْمَدُ] في كُلِّ الأمورِ مُتعلِّقٌ بقوله: أحمد. [أَحْمَدُ] مُشتَقٌ من الحمد، وهو كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية-﵀: ذِكرُ محاسنِ المحمودِ معَ حُبِّه وتعظيمهِ وإِجلالهِ. سواءٌ كانت هذه المحاسنُ صفاتٍ لازمةً أوصفاتٍ متعديةً. فيُحمدُ الرَّبُ جَلَّ وعَلا على كُلِّ صفةٍ اتَّصفَ بها سواءٌ كانت صفةً ذاتيةً أم فعليةً. ثُمَّ بعد

1 / 14

الحمدلة والثناء على الله بما هو أهله عقبه بالصلاة على الرسول ﷺ إظهارًا لعظمة قدره، وأداءًا لبعض حقوقه الواجبة، وامتثالا لقوله تعالى: ﴿أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (الأحزاب: من الآية٥٦» فقال: [مُصَلِّيًا] بالنَّصبِ، حالٌ مِن فاعلِ [أَحْمَدُ] أي أحمدُ اللهَ في كُلِّ الأمورِ حالةَ كوني مُصليًا على الرسول. فهي حالٌ مقارِنةٌ مِن فاعلِ أحمدُ المستتر، ومقارَنةُ كُلِّ شيءٍ بِحَسَبه، فَمُقارَنةُ لفظٍ معَ لفظٍ وقوعُه عَقِبَهُ مباشرةً، لا حَال منوية؛ بمعني أحمدُ اللهَ حالةَ كوني ناويًا في قلبي بعدَ الحمدِ أن أصلي، لأنَّ نية الصلاة ليست بصلاة. [مُصَلِّيًا] اسم فاعل مِن صلَّى الرُّباعِيِّ، أي طَالبًا من اللهِ صلاتَه على الرسول. والصلاة من الله على الرسول -كما قال ابن القيم- ثناؤُه على عبدِه في الملأ الأعلى، وصلاةُ الملائكةِ عليه ثناؤُهم عليه، وصلاةُ الآدَميينَ سؤالهُم اللهَ أن يُثني عليه ويزيدَه تشريفًا، وتكريمًا. [عَلَى الرَّسُولِ] جار ومجرور متعلِّقٌ بقوله: مصليًا، يعني أينَ مَحَلُّ الصلاةِ؟ قال: على الرسول. وهنا أتى بالصلاة ولم يذكر السلام أي أفرد الصلاة عن السلام بناءًا على أنه لا كراهة وهو الصحيح وإن كان الأفضل والأكمل الجمع بينهما للآية. و[الرَّسُول] فَعُولٌ مِنَ الرِّسَالةِ. معناه في اللغة: الذي يُتَابِعُ أخبار الذي بعثه، أخذًا من قولهم: جاءتِ الإبِلُ رَسْلًا أي مُتَتَابِعَةً. وأمَّا في الشَّرعِ فالمشهورُ عندَ الجمهورِ: أنَّه إنسان ذكر حر أُوحِيَ إليه بشرع وأُمِرَ بتبليغه، فإن لم يُؤمر فهو نبيٌّ، فكلُّ رَسولٍ نبيٌّ ولا عكس. قال-﵀: [عَلَى الرَّسُولِ] ولم يقُل على النَّبيِّ، لأنهم أجمعوا على أنَّ الرَّسُولَ- الذَّاتَ

1 / 15

التي نزلتْ عليها الرسالةُ- أَشرَفُ مِنَ النَّبيِّ. واختلفوا في أيِّهما أفضلُ = الرِّسالةُ أم النُّبوةُ؟ فالجمهورُ على أنَّ الرِّسالةَ أفضَل؛ لذلك قال: [عَلَى الرَّسُولِ] ولَم يقُل على النَّبيِّ، لشرف الرسالة على النُّبوة. [عَلَى الرَّسُولِ] هو محمَّدُ بنُ عبد اللهِ ﷺ. وإذا أُطْلِقَ الرَّسولُ وكان النَّاطِقُ من أُمَّةِ محمَّدٍ ﷺ انصرفَ إليهِ لأنَّهُ صار عَلَمًا بالغلبَة. لذلك هو مُحَلَّى بِأَل كما قال ابن مالك-﵀: وَقَدْ يَصيرُ عَلَمًا بِالغَلَبَهْ ... مُضَافٌ او مَصْحُوبُ أَلْ كَالْعَقَبَهْ و[الرَّسُول] أَي إِلى النَّاسِ كَافَّةً قال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ (الأعراف:١٥٨) إذًا حَذَفَ المتَعَلِّقَ للدلالة على عُمُومِ رسالته. [المُنْتَقَى] اسم مفعول انتُقِي- المبني للمجهول-[وَآلِهِ] عطفٌ على الرَّسُولِ، أَي مُصليًا على الرسول ومصليًا على آله. وأَضافهُ إلى الضَّميرِ لأَنَّ الصحيحَ جوازُ إضافته إلى الضَّميرِ خلافًا للكِسائي وغيره. [وَآلِهِ] أَصلُ آلٍ أَوَلٌ كَجَمَلٍ تحرَّكتِ الواوُ وانفتحَ ما قبلها فقُلِبَتْ ألفًا، وهذا اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وهو مذهب الكِسَائي. وذهب سيبويهِ إلى أَنَّ أصل آلٍ أَهْلٌ قُلِبَت الهاءُ همزةً ثم قُلِبَت الهمزةُ أَلِفًا فصار آل وغَلَّطَهُ شَيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية ﵀[وَآلِهِ] الأصح أن يُفَسَّرَ بأتباعه على دينه. وقيل: أقاربُهُ المؤمنون. وقوله: [مُصَلِّيًا عَلَى الرَّسُولِ المُنْتَقَى وَآلِهِ] أَي ومُصليًا على آله وهم أتباعُهُ على دينه. ودليل الصلاة على الآلِ قوله ﷺ: «قولوا

1 / 16

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ».إذًا الصلاة على الآلِ مأمورٌ بها. [وَصَحْبِهِ] اسم جمع لصاحب كرَكْبٍ وراكب. والمراد بهم صحابة النبي ﷺ، ولذلك إذا قيل: الصحابة صار علمًا بالغلبة على من اجتمع بالنبي ﷺ مُؤمنًا به ومات على ذلك ولو تخلَّلت رِدَّةٌ في الأصح. كما قال ابن حجر-﵀ ولكن الصلاة على الصحب لم يأت فيها نصٌّ، وإنما أجمع العلماء على إلحاقهم بالآل؛ لما للصحابة من فضل عظيم في نقل الشريعة ونحو ذلك ألحقهم أهل العلم بالآل تبعا لا استقلالا. وعطف الصحب على الآل من عطف الخاص على العام إذا فسرنا الآل بأتباعه على دينه. وإذا فسر بأقاربه المؤمنين يكون من عطف العام على الخاص. وكلاهما جائز؛ إلا أَنَّ عطف الخاص على العَامِّ جائز باتفاق. وعطفُ العَامِّ على الخَاصِّ جائز على الأصح. قال في عُقُودِ الجُمَانِ: وَذِكْرُ خَاصٍ بَعْدَ ذِي عُمُومِ ... مُنَبِّهًا بِفَضْلِهِ المحتُومِ كَعَطْفِ جِبْرِيلَ وَمِيكَالَ عَلَى ... مَلَائِكٍ قُلْتُ وَعَكْسُهُ جَلَا [ذَوِي التُّقَى] صفة لصحبه مجرور وجرُّه الياء المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، وهو جَمْعُ ذُو بِمَعْنَى صَاحِبٍ [ذَوِي التُّقَى] أَي أصحاب التُّقَى. يقال اتَّقَى يَتَّقِي، وتَقَى يَتْقِي كَقَضَى يَقْضِي. والتُّقَى والتَّقْوَى بمعنى واحد وهي فِعْلُ المأْمُوراتِ واجتنابُ المنهيَّاتِ.

1 / 17

وَبَعْدُ فَالقَصْدُ بِذَا المَنْظُومِ ... تَسْهِيلُ مَنْثُورِ ابْنِ آجُرُّومِ [وَبَعْدُ] كلمة يُؤتَى بها للانتقال من أُسلوبٍ إلى أُسلُوبٍ آخر. وهي سُنَّةٌ؛ إلا أنها مُقيدة بلفظ أَمَّا بَعْدُ، لأنها هي الواردة والمسموعة. [وَبَعْدُ] الواو نائبة عن أَمَّا النَّائبةِ عنْ مهما. وأصلُ التَّرْكيبِ مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيءٍ. فأَمَّا حرف باتفاق ومَهْمَا اسم على الأصح. [وَبَعْدُ] أَي وبَعْدَ الحمدلةِ والبسملةِ فأَقول القَصْدُ .. ويجب وقوع الفاء في جواب أَمَّا قال ابن مالك: أَمَّا كَمَهْمَا يَكُ مِنْ شَيءٍ وَفَا ... لِتِلوِ تِلوِهَا وُجَوبًا أُلِفَا [وَبَعْدُ] من ظروف الغاية وهو ظرف مبهم لا يُفهَمُ معناه إلا بإضافته إلى غيره، وهو مبنيٌّ على الضَّمِّ لحذف المضاف إليه ونِيَّةِ معناه. [فَالقَصْدُ] الفاء واقعة في جواب الشَّرطِ. وهو مبتدأ. و[بِذَا المَنْظُومِ] [بِذَا] جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقوله: القَصْدُ. و[المَنْظُومِ] عطف بيانٍ أو بدل. و[تَسْهِيلُ] خبرُ المبتدأ٠ [فَالقَصْدُ] القَصْدُ مصدرٌ بمعنى المفعولِ أي فالمَقْصُودُ والمُرَادُ؛ لأنَّ القَصْدَ في اللغة: إِتْيَانُ الشَّيءِ، وبابُه ضَرَبَ. يقال: قَصَدَهُ، وقَصَدَ لَهُ، وقَصَدَ إِليهِ كله بمعنى واحد. [بِذَا المَنْظُومِ] [بِذَا] اسمُ إشارةٍ لمفردٍ مذَكَّرٍ، إشارةً إلى المترَتِبِ الحاضرِ في الذهن تَنْزِيلًا للمعدوم مَنْزِلةَ الموجودِ؛ إنْ كانت المقدِّمةُ متقدِّمةً على التَّصنيف وإلا فهي على بابها لأَنَّ الأصلَ في اسم الإشارة أَنْ يكون لأَمْرٍ مَحْسُوسٍ. [بِذَا المَنْظُومِ] أَي الكِتَابِ أَنَّه

1 / 18

مَنْظُومٌ، والنظم التأليف وهو ضم شيء إلى شيء آخر، والمراد به الكلام الموزون قصدًا، على بحر الرجز ضرب من الشعر وزنه مستفعلن ستُّ مرات، سمي بذلك لتقارب أجزائه وقلة حروفه، والقصيدة منه أرجوزة. [تَسْهِيلُ] مصدرُ سَهَّلَ يُسَهِّلُ تَسْهِيلًا ضِدُّ التَّعْسِيرِ وهو التَّيسِيرُ. [مَنْثُورِ] اسم مفعولٍ من نَثَرَ وهو ما يُقابل الشِّعْرَ. مَنْثُورِ أبي عبدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ دَاوُدَ الصِّنْهَاجِيِّ المعروفِ بـ[ابْنِ آجُرُّومِ] بضمِّ الجيم والرَّاء. قيل المرادُ به بلغة البَرْبَرِ: الفقيرُ الصُّوفِيُّ. [لِمَنْ أَرَادَ حِفْظَهُ] هذا تعليلٌ لقوله: [تَسْهِيلُ مَنْثُورِ ابْنِ آجُرُّومِ] وهو جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقوله تَسْهِيلُ لأنَّه مصدر. [لِمَنْ أَرَادَ حِفْظَهُ] يعني حِفْظَ المَنْثُورِ لِأنَّه لا عِلْمَ إِلَّا بِحِفْظٍ. لكن لما صَعُبَ وعَسُرَ أراد أَن يُسهِّله [لِمَنْ أَرَادَ حِفْظَهُ] أَي استِظْهَارَهُ عن ظهْرِ قَلْبٍ [وَعَسُرَا] الألف للإطلاق، وعَسُرَ من باب فَعُلَ ضِدُّ اليُسْرِ. [وَعَسُرَا عَلَيْهِ] أَي شق على الطالب الذي يريد حِفْظَ مَتْنِ ابنِ آجُرُّومِ [عَسُرَا عَلَيْهِ أَنْ يَحْفَظَ مَا قَدْ نُثِرَا] الألف للإطلاق و[مَا] اسم موصول بمعنى الذي و[أَنْ يَحْفَظَ] [أَنْ] مصدرية و[يَحْفَظَ] فعل مضارع منصوب بأَنْ، وأَنْ وما دخلت عليه في تأْويل مصدرٍ فاعلٍ لعَسُرَ فعْلٌ ماضٍ، والتقدير وعَسُرَ عليه حِفْظُ المَنْثُورِ. واللهَ أَسْتَعِينُ فِي كُلِّ عَمَلْ ... إِلَيْهِ قَصْدِي وَعَلَيْهِ المُتَّكَلْ [واللهَ] جلَّ وعلا [أَسْتَعِينُ] السين للطلب يعني أطلُبُ العون من اللهِ وحْدَهُ لا من غيره، ولذا قدَّم المفعول به لإفادةِ القَصْرِ

1 / 19

والحَصْرِ أَي أستعين اللهَ لا غيره. و[أَسْتَعِينُ] أصلها أَسٍتَعْوِنُ [فِي كُلِّ عَمَلْ] أَي في عملي كلِّه، من إضافةِ الصِّفةِ إلى الموصوفِ. سواءٌ كان ظاهرًا أو باطنًا. [إِلَيْهِ قَصْدِي] أَي قَصْدِي إِلَيهِ وقَصَدَ قَصْدَه نحا نحوه. قدَّم الجارَّ والمجرورَ لإفادةِ القَصْرِ والحَصْرِ أَي إليه لا إلى غيره. [قَصْدِي] مبتدأٌ مُؤخَّرٌ مرفوع، ورَفْعه ضمة مقدّرة على آخره- الذي هو الدَّال - منع من ظهورها اشتغال المحلِّ بحركة المناسبة. و[إِلَيْهِ] خبر مقدَّم. [وَعَلَيْهِ] جلَّ وعلا [المُتَّكَلْ] اتكل على فلان في أمره إذا اعتمده، مبتدأ مؤخَّر مرفوع، ورفعه ضمَّة مقدَّرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحلِّ بسكون الوَقْف. [وَعَلَيْهِ] خبر مقدَّم.

1 / 20