وقد أجلست إلى مائدة العشاء بين الأميرتين، وكان العشاء فيما قيل بسيطا، عشاء أسرة لا تكلف فيه. والواقع أن أحدا لم يشهده إلا الملك والملكة، ورادامانت أخو الملك، والأميرتان وأخوهما الصبي جلوكوس
1
ومربيه اليوناني الكورنثي الذي لم يعن أحد بتقديمه إلي.
وقد دعيت إلى أن أقص في لغتي (التي كان أهل القصر يفهمونها ويتكلمونها على أحسن وجه مع شيء قليل من انحراف اللسان) ما كان يسمى حسن بلائي. وقد سرني أن رأيت الأميرة الفتاة فيدر وأخاها جلوكوس يضحكان حين كنت أقص تمثيل بروكروست بضحاياه وإخضاعي إياه لنفس المثلة حين كنت أقطع من أطرافه ما كان يتجاوز مضجعه. ولكنهم تجنبوا في شيء من الرقة أن يشيروا إلى المهمة التي جاءت بي إلى أقريطش، ولم ينظروا إلي إلا على أني مسافر ضيف.
ولم تنقطع أريان طوال العشاء عن مداعبة ركبتي بركبتها تحت غطاء المائدة، ولكن الحرارة التي كانت تنبعث من فيدر الفتاة هي التي كانت تشيع في القلق، على حين كانت باسيفاييه الملكة جالسة أمامي تزدردني بلحظها ازدرادا، وكان مينوس إلى جانبها يحتفظ على ثغره بابتسامة صافية لا تعرف الكدر.
أما رادامانت ذو اللحية الطويلة الشقراء، فقد كان وحده يظهر شيئا من العبوس. وقد انصرف الملك وأخوه عن غرفة المائدة بعد الصنف الرابع؛ لأنهما كانا مضطرين فيما كانا يقولان إلى الجلوس للقضاء، ولم أفهم إلا أخيرا معنى ما كانا يريدان.
لم أكن قد برئت بعد من ألم البحر، وقد أكلت كثيرا وشربت أكثر مما أكلت ألوانا مختلفة من الخمر، وفنونا أخرى من الأشربة، بحيث لم يمض إلا وقت قصير حتى دارت بي الأرض وأنكرت نفسي؛ فلم أتعود من قبل أن أشرب غير الماء أو النبيذ المقتول.
ولما كدت أفقد الصواب وكنت محتفظا بفضل من قوة يمكنني من النهوض، استأذنت في الخروج؛ هنالك قادتني الملكة إلى حمام صغير متصل بمنزلها من القصر. فلما تخففت مما كان يثقلني بقيء غزير لحقت بها في غرفتها؛ فأجلستني إلى جانبها على فراش وثير، وأخذت تتحدث إلي. قالت: أي صديقي الشاب ... أتأذن في أن أدعوك بهذا الدعاء لننتفع مسرعين بهذه اللحظة القصيرة التي يخلو فيها كلانا إلى صاحبه! لست كما تظن، ولست أريد شخصك بريبة على ما أتيح لك من جمال وفتنة.
وعلى إلحاحها في أنها لم تكن تتجه إلا إلى نفسي أو إلى شيء لا أعرفه في أعماق ضميري، لم تر بأسا بأن ترفع يدها إلى جبهتي؛ ثم تدسها من دون صدارتي الجلدية متحسسة عضلات صدري كأنها تريد أن تتثبت من محضري. قالت: لست أجهل ما جاء بك إلى هذه الجزيرة، وأريد أن أتقي خطأ؛ فقد أقبلت مزمعا القتل. أقبلت تريد أن تصارع ابني. ولست أعلم بماذا حدثت من أمره، وليس يعنيني أن أعلم. آه لا تصم أذنيك عما يوجه إليك قلبي من دعاء؛ ليكن المينوتور هو الوحش الذي صور لك أو لا يكن، فإنه ابني.
وهنا رأيت من حسن الذوق أن أقول إني أحب الوحوش! ولكنها مضت في حديثها دون أن تسمع لي: افهم عني! إني أضرع إليك! إن لي طبيعة متصوفة تحب، بل لا تحب إلا ما يتصل بالآلهة. والشيء الذي يغيظ هو أننا لا نعلم من أين يبتدئ الإله ولا أين ينتهي. وقد أطلت عشرة قريبتي ليدا
صفحة غير معروفة