نزول القران الكريم وتاريخه وما يتعلق به
الناشر
مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة
تصانيف
مقدمة
...
الخطة:
(أ) من مقتضيات النزول.
(ب) التعريف بالقرآن الكريم وأنه المعجزة العظمى للنبي ﷺ وقد تحدى القرآن الكريم بأساليب متنوعة وكونه معجزًا بألفاظه ومعانيه، وأن الناس لم يُصْرفوا عنه، ورد قول من قال بالصرفة.
(ج) التعريف بعلوم القرآن الكريم فنًا مستقلًا ومتى ظهر هذا الاصطلاح؟
(د) نزول القرآن الكريم.
١ - متى بدأ النزول، وكم كانت مدة النزول.
٢ - ما المراد بالنزول، وكيف كان يتلقى جبريل الوحي من الله.
٣ - وكم نزولا للقرآن.
٤ - كيف كان يتلقى النبي ﷺ الوحي من جبريل ﵇.
٥ - هل نزل شيء من القرآن على النبي ﷺ إلهامًا أو منامًا؟
٦ - نزول القرآن جملة إلى سماء الدنيا.
٧ - نزول القرآن مفرقًا.
٨ - حكم التدرج في النزول.
٩ - نزول القرآن على سبعة أحرف.
أ – أرجح الأقوال في معناها.
ب - الحكمة في كونه نزل على سبعة أحرف.
١٠ – أسباب النزول
1 / 1
أ - تعريف السبب.
ب - العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
١١ - أول ما نزل من القرآن الكريم.
أ - أوائل مطلقة.
ب - أوائل مقيدة.
١٢ - آخر ما نزل من القرآن الكريم.
١ - أواخر مطلقة.
٢ - أواخر مقيدة.
١٣ - ما يترتب على معرفة أول ما نزل، وآخر ما نزل من الأحكام والفوائد.
١٤ - الخاتمة وفيها بعض النتائج التي توصل إليها الباحث، واقتراح يقترحه.
١٥ - فهرس الآيات
١٦ - فهرس الأحاديث
١٧ - فهرس المراجع
١٨ - فهرس الموضوعات
1 / 2
المقدمة:
من مقتضيات النزول:
إن ما يسمى بعلوم القرآن الكريم مندرج تحت نزول القرآن الكريم ولازم له، وعليه فلابد من الإلمام في الأسطر التالية بالأمور التالية إجمالًا من غير تفصيل في الدقائق، فذلك شأن الموضوعات الخاصة بالنزول الذي هو موضوع البحث.
اعلم أن الأمة اعتنت بنص القرآن الكريم وحفظه وعلى رأس الأمة نبينا محمد ﷺ فقد بلغ من عنايته بالقرآن الكريم وحرصه على حفظه أن كان يعاجل جبريل حين يقرئه القرآن حتى أنزل الله عليه ﴿لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ. فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ (القيامة: ١٦-١٩) وأنزل عليه ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (الحجر: ٩) فعندئذ اطمأن الرسول ﷺ على القرآن وكان جبريل يعارض الرسول ﷺ القرآن في كلّ سنة وعارضه القرآن في سنته التي توفي فيها مرتين. وكان ﷺ يعتني بكتابة القرآن الكريم فكان له كتبه يكتبون القرآن الكريم، يقول لهم ضعوا آية كذا في مكان كذا من السورة كذا، وكتب القرآن كله في حياته ﷺ في الرقاع واللخاف بإقراره ﷺ. ومما يدل على عناية المسلمين بالقرآن الكريم أنه حفظه منهم في عهد النبي ﷺ عدد لابأس به، ثم تتابع الحفظ بعد ذلك حتى قيل إنه قتل يوم بئر معونة سبعون من القراء.
1 / 3
ومن مظاهر العناية به أنه لما استحرّ القتل في الحفظة عمد أبو بكر إلى جمعه في مكان واحد في الصحف، واحتاط لذلك الجمع، حيث ألف نخبة من الحفظة، على رأسهم زيد بن ثابت الذي كان كاتب الوحي في حياة النبي ﷺ وقد كان أمير المؤمنين أبو بكر الصديق موفقًا في هذا الجمع، ثم بعد هذا الجمع ظلت الصحف عند أمير المؤمنين أبي بكر في خلافته ثم بعد وفاته انتقلت إلى أمير المؤمنين عمر ﵁ ثم بعد وفاته كانت عند حفصة ﵂ حتى كانت خلافة أمير المؤمنين عثمان ﵁ فحصل في زمن عثمان اختلاف بين القراء في الأمصار، فكان من توفيق الله أن جمع أمير المؤمنين عثمان بن عفان ﵁ الصحابة، وعرض عليهم اختلاف القراء في الأمصار وفي المدينة، وكان رأيه أن يجمع القرآن في مصحف واحد، فوافقه الصحابة بالإجماع على ذلك، فأرسل إلى حفصة وأخذ منها الصحف، وجمع القرآن في مصحف واحد ووزعه على الأمصار، فكان بذلك موفقًا حيث أدرك الناس قبل أن يختلفوا. ومن مظاهر العناية بالقرآن الكريم عند المسلمين، أنهم حرروا القراءات وفرقوا بين المتواتر والشاذ، وجعلوا قواعد لا يثبت القرآن إلا بها وهي:
أولًا:- الإسناد المتصل للقراءة في كل طبقة.
ثانيًا:- موافقة القراءة لوجه نحوي.
ثالثًا:- أن يحتملها الرسم العثماني.
وكل قراءة لا تتوفر فيها هذه الشروط، فاعتبرها العلماء شاذة لا تسمى قرآنًا، ولا تجوز القراءة بها١.
_________
(١) طيبة النشر في القراءات العشر لابن الجزري ١/٧.
1 / 4
فكل ما وافق وجه نحوي
...
وكان للرسم احتمالا يحوي
وصح إسنادا هو القرآن
...
فهذه الثلاثة الأركان
وحيث ما يختلّ ركن أثبت
...
شذوذه لو أنه في السبعة
ومن مظاهر العناية بالقرآن الكريم عند هذه الأمة، أنه لابد فيه من التلقي مشافهة، تلقاه النبي ﷺ من جبريل ﵇ شفاها، وتلقاه الصحابة الأثبات العدول من النبي ﷺ ثم تلقاه التابعون الأخيار من الصحابة، كذلك، ثم تلقاه أتباع التابعين من التابعين كذلك، إلى أن وصل إلينا غضا طريا كما أنزل، فالقراءة سنة متبعة لا مدخل للقياس فيها، والاعتماد فيها على التلقي والتواتر.
وقد اعتنى المسلمون بالقرآن عناية فائقة، حيث ألَّفوا في كل جزء منه، فرقوا بين مكيه، ومدنيه. وعرَّفوا مَكيه بأنه ما نزل قبل الهجرة،كما عرفوا المَدَني بأنه ما نزل بعد الهجرة، هذا التعريف المختار، ومع تعريف المكي والمدني، فقد جمعوا المكي، وميزوه دون المدني وكل ذلك عناية بالقرآن الكريم.
كما اعتنوا بسور القرآن الكريم وآياته، وذكروا أن ترتيب الآيات توقيفي، من النبي ﷺ كما هو الآن، وأما ترتيب السور ففيه خلاف بينهم١، كما ألفوا في أسماء السور، وعدد الآيات ومن هذه العناية الدقيقة اعتناؤهم برسمه الذي رسم به في زمن النبي ﷺ وبإقراره، وأجْمَعَ عليه الصحابة بعد ذلك في زمن عثمان، وذهب الكثير من العلماء إلى أن رسم القرآن توقيفي لا تجوز
_________
(١) تناسق الدرر في تناسب السور ١/٥٦.
1 / 5
مخالفته، حتى إن بعضهم كان يرى أن تكتب الكتابات الأخرى كما كتب القرآن على رسمه وعلى نمطه. وخلاصة القول أن العلماء لم يتركوا شيئًا يتعلق بالقرآن الكريم إلا وكتبوا فيه مثل نَاسخه ومنسوخه، وأقسامه، ومطلقه ومجمله، ولمّا كان هذا البحث الذي كلفنا بالكتابة فيه، تحت عنوان "نزول القرآن" اخترنا الكتابة فيما له صلة وثيقة بالنزول.
1 / 6
التعريف بالقرآن الكريم وأنه المعجزة العظمى للنبي ﷺ:
التعريف بالقرآن الكريم وأنه المعجزة العظمى للنبي ﷺ وقد تحدى القرآن بأساليب منوعة، وكونه معجزًا بألفاظه ومعانيه، وأن الناس لم يُصْرفوا عنه، والردّ على من قال بالصرفة.
اعلم أن تعريف القرآن الكريم: هو كلام الله المنزّل على محمد ﷺ المتعبد بتلاوته، وقد عرفه صاحب المراقي في ألفيته بقوله١
لفظ منزّل على محمّد ... لأجل الإعجاز وللتعبد٢
ويطلق بالاشتراك اللفظي على مجموع القرآن، وعلى كل آية من آياته٣ فإذا سمعت من يتلو آية من القرآن صح أن تقول إنه يقرأ القرآن ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (الأعراف: ٢٠٤)
والقرآن الكريم هو المعجزة الخالدة لنبينا محمد ﷺ إلى يوم القيامة لأن المعجزات على ضربين الأول ما اشتهر نقله وانقرض عصره بموت النبي ﷺ
والثاني: ما تواترت الأخبار بصحته وحصوله واستفاضت بثبوته ووجوده ووقع لسامعها العلم بذلك ضرورة، ومن شرطه أن يكون الناقلون له خلقًا كثيرًا وجمّا غفيرًا، وأن يكونوا عالمين بما نقلوه علمًا ضروريًا، وأن يستوي في النقل أولهم وآخرهم ووسطهم في كثرة العدد، حتى يستحيل
_________
١ -١/٩٧، تحقيق د/ مختار محمد الأمين.
٢ - (القرآن كلام الله منه بدأ بلا كيفية قولًا، وأنزله على رسوله وحيًا، وصدقه المؤمنون على ذلك حقًا، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة ليس بمخلوق ككلام البرية فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر) شرح العقيدة الطحاوية (طبع مؤسسة الرسالة) ١/١٧٢ اللجنة العلمية.
٣ -مباحث في علوم القرآن ص٢٠-٢١.
1 / 7
عليهم التواطؤ على الكذب، وهذه صفة نقل القرآن، ونقل وجود النبي ﷺ قال القرطبي١: "لأن الأمة ﵂ لم تزل تنقل القرآن خلفًا عن سلف والسلف عن سلفه إلى أن يتصل ذلك بالنبي ﵊، المعلوم وجوده بالضرورة وصدقه بالأدلة المعجزات، والرسول أخذه عن جبريل ﵇ عن ربه ﷿، فنقل القرآن في الأصل رسولان معصومان من الزيادة والنقصان، ونقله إلينا بعدهم أهل التواتر الذين لا يجوز عليهم الكذب فيما ينقلونه ويسمعونه لكثرة العدد، ولذلك وقع لنا العلم الضروري بصدقهم فيما نقلوه من وجود محمد ﷺ، ومن ظهور القرآن على يديه وتحديه به، فالقرآن معجزة نبينا ﷺ الباقية بعده إلى يوم القيامة مع أن معجزة كل نبي انقرضت بانقراضه أو دخلها التبديل كالتوراة والإنجيل، فلما عجزت قريش عن الإتيان بمثله وقالت: إن النبي ﷺ تقوله أنزل الله تحديًا لهم قوله ﴿أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ فلْيأْتوا فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ﴾ (الطور: ٣٣-٣٤) ثم تحدّاهم وأنزل تعجيزًا أبلغ من ذلك فقال ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ﴾ (هود: ١٣) . فلما عجزوا حطهم عن هذا المقدار إلى مثل سورة من السور القصار فقال جل ذكره ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ﴾ (البقرة: ٢٣) . فأفحموا عن الجواب وتقطعت بهم الأسباب، وعدلوا إلى الحروب والعناد وآثروا سبي الحريم والأولاد، ولو قدروا على المعارضة لكان أهون كثيرا وأبلغ في الحجة وأشد تأثيرًا مع كونهم أرباب البلاغة وعنهم تؤخذ الفصاحة.
واعلم أن القرآن نفسه هو المعجز بألفاظه ومعانيه لأن فصاحته وبلاغته أمر خارق للعادة إذ لم يوجد كلام قط على هذا الوجه، وما قاله النظام ومن
_________
١-ج١ ص ٧٢.
1 / 8
على شاكلته من أن وجه الإعجاز في القرآن هو أنهم منعوا منه وصرفوا عنه قول فاسد، لأن إجماع الأمة قبل حدوث المخالف أن القرآن هو المعجز، فلو قلنا إن المنع والصرفة هو المعجز لخرج القرآن عن أن يكون معجزًا، وذلك خلاف الإجماع.
هذا وقد ذكر العلماء أوجهًا كثيرة للإعجاز نلخص منها ما يأتي بإيجاز:-
١- النظم البديع المخالف لكل نظم معهود في لسان العرب لأن، نظمه ليس من نظم الشعر في شيء وكذلك قال ربّ العزة الذي تولى نظمه ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ﴾ (يس: ٦٩) . وفي صحيح مسلم أن أنيسًا أخا أبي ذر قال لأبي ذر: لقيت رجلًا بمكة على دينك يزعم أن الله أرسله. قلت: فما يقول الناس؟ قال: يقولون شاعر كاهن ساحِرٌ وكان أنيس أحد الشعراء قال أنيس: لقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر١ فلم يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر والله إنه لصادق وإنهم لكاذبون٢.
٢- الأسلوب المخالف لجميع أساليب العرب.
٣- الجزالة التي لا تصح من مخلوق بحال، قال القرطبي٣: وتأمل ذلك في سورة ق والقرآن المجيد إلى آخرها وقوله سبحانه ﴿وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
_________
١ -أقراء الشعر: أنواعه وطرقه وبحوره وأنحاؤه.
٢ -مسلم رقم ٢٤٧٣، البخاري رقم ٣٥٢٢، أحمد رقم ٢١٠١٥.
٣ -البرهان ٢/٢١٨-٢٥١.الإتقان ٤/٣-٢٣، المحرر الوجيز ١/٣٨، النكت في إعجاز القرآن ١/١٠٣،١٠٤.
1 / 9
وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ (الزمر:٦٧) إلى آخر السورة، وكذا قوله ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾ (إبراهيم: ٤٢) إلى آخر السورة قال ابن الحصار: فمن علم أن الله ﷾ هو الحق علم أن مثل هذه الجزالة لا تصح في خطاب غيره، ولا يصح من أعظم ملوك الدنيا أن يقول ﴿ِلمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ﴾ (غافر: ١٦) ولا أن يقول ﴿وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ﴾ (الرعد: ١٣)
٤- التصرف في لسان العرب على وجه لا يستقل به عربي حتى يقع منهم الاتفاق من جميعهم على إصابته في وضع كل كلمة وحرف مَوْضعه.
٥- الإخبار عن الأمور التي تقدمت في أول الدنيا إلى وقت نزوله، من أمّي ما كان يتلو من قبله من كتاب ولا يخطه بيمينه، مع أنه أخذ بما كان من قصص الأنبياء مع أممها، وذكر ما سأله أهل الكتاب عنه، وتحدوه به من قصة أهل الكهف، وشأن موسى والخضر ﵉، وحال ذي القرنين.
٦- الوفاء بالوعد المدرك بالحس في العيان في كل ما وعد الله سبحانه، وينقسم إلى أخباره المطلقة كوعده بنصر رسوله ﵇، وإخراج الذين أخرجوه من وطنه وإلى وعد مقيد بشرط كقوله ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ (الطلاق:٣) وقوله ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ (التغابن:١١)
٧- الإخبار عن المغيبات في المستقبل التي لا يطلع عليها إلا بالوحي فمن ذلك ما وعد الله نبيه ﵇ أنه سيظهر دينه على الأديان بقوله تعالى ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ (التوبة:٣٣) آية ففعل ذلك، وكان أبو بكر ﵁ إذا أغزى جيوشه عرَّفهم ما
1 / 10
وعدهم الله في إظهار دينه ليثقوا بالنصر، وليستيقنوا بالنجح، وكان عمر ﵁ يفعل ذلك، فلم يزل الفتح يتوالى شرقًا وغربًا، برًا وبحرًا.
٨- ما تضمنه القرآن الكريم من العلم الذي هو قوام جميع الأنام في الحلال والحرام وسائر الأحكام.
٩- التناسب في جميع ما تضمنه ظاهرًا وباطنًا من غير اختلاف. قال تعالى ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا﴾ (النساء:٨٢) .
الحكم الكثيرة التي لم تجر العادة بأن تصدر في كثرتها وشرفها من آدميّ.
1 / 11
التعريف بعلوم القرآن فنًا مستقلًا ومتى ظهر هذا الاصطلاح:
هو علم ذو مباحث تتعلق بالقرآن الكريم من حيث نزوله وترتيبه وكتابته وجمعه وقراءاته وتفسيره وإعجازه وناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه إلى غير ذلك من المباحث التي تذكر في هذا العلم١، وقد يسمى هذا العلم بأصول التفسير لأنه يتناول العلوم التي لابد للمفسر منها٢.
وأول ظهور هذا المصطلح لعلوم القرآن فنًا مستقلًا كان على يد الحوفي المتوفى ٤٣٠هـ في كتابه "البرهان في علوم القرآن"، ثم تبعه ابن الجوزي المتوفى سنة ٥٩٧هـ في كتابه "فنون الأفنان في عجائب القرآن" ثم جاء بدر الدين الزركشي المتوفى سنة ٧٩٤هـ بكتاب واف سماه "البرهان في علوم القرآن" ثم جاء البلقيني المتوفى سنة ٨٢٤هـ فألف كتابه "مواقع العلوم من مواقع النجوم" ثم جاء خاتمة الحفاظ وفارس الميدان جلال الدين السيوطي المتوفى سنة ٩١١هـ بكتابه "الإتقان في علوم القرآن"، وصار الناس بعده عيالًا عليه، كلٌ يأخذ منه، والبعض يلخص والبعض يختصر.
وقد نشط التأليف في علوم القرآن في العصر الحديث مثل كتاب مصطفى صادق الرافعي في إعجاز القرآن، والنبأ العظيم للدكتور محمد عبد الله دراز، وكتاب الشيخ طاهر الجزائري (التبيان في علوم القرآن) وكتاب مناهل العرفان في علوم القرآن للشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني وكتاب المدخل في
_________
١ -المدخل ١/٢٥ وما بعدها.
٢ -مباحث في علوم القرآن ١/١٦.
1 / 12
علوم القرآن لشيخنا الشيخ الدكتور محمد محمد أبو شهبة ﵀ وكتاب مباحث في علوم القرآن للشيخ مناع القطان ﵀ إلى غير ذلك من التآليف الكثيرة في هذا العصر.
1 / 13
متى بدأ النزول وكم كانت مدة النزول:
إن بحث نزول القرآن وتاريخ نزوله، لمن أهم المباحث إذ به تعرف تنزلات القرآن الكريم، ومتى نزل، وكيف نزل، وعلى من نزل وكيف كان يتلقاه جبريل من الله ﵎؟ ولا شك أن العلم بذلك يتوقف على كمال الإيمان، بأن القرآن من عند الله، وأنه المعجزة العظمى للنبي ﷺ، كما أن كثيرًا من المباحث التي تذكر في هذا الفن يتوقف على العلم بنزوله، فهو كالأصل بالنسبة لغيره.
أنزل الله القرآن الكريم على رسولنا محمد ﷺ لهداية البشر وإخراجهم من الظلمات إلى النور، فكان نزوله حدثًا جللًا مؤذنا بمكانة النبي ﷺ عند أهل السماء والأرض.
فإنزاله الأول في ليلة القدر نبه العالم العلوي على شرف هذه الأمة، وأنها القائدة التي جعلها الله خير أمة أخرجت للناس.
قال تعالى ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ (البقرة الآية ١٨٥)، فقد مدح تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور بأنه اختاره من بينها لإنزال القرآن العظيم فيه، قال ابن كثير١: "وكما اختصه بذلك فقد ورد الحديث بأنه الشهر الذي كانت الكتب الإلهية تنزل فيه على الأنبياء ".
_________
١ -١/٣٠٩.
1 / 14
قال الإمام أحمد بن حنبل١ ﵀ حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، حدثنا عمران أبو العوام عن قتادة عن أبي المليح عن واثلة – يعني ابن الاسقع- أن رسول الله ﷺ قال: أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان وأنزل الله القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان.
وقد روى من حديث جابر بن عبد الله وفيه أن الزبور أنزل لثنتي عشرة خلت من رمضان والإنجيل لثماني عشرة والباقي كَمَا تقدم رواه ابن مردويه٢.
أما الصحف والتوراة والزبور والإنجيل فنزل كل منها على النبي الذي أنزل عليه جملة واحدة وأما القرآن فكان نزوله الأول جملة واحدة إلى بيت العزة من سماء الدنيا، كما تدل عليه الآيات: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ ...﴾ (البقرة: ١٨٥) ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾ (الدخان: ٣) .
أما تاريخ نزول القرآن منجمًا وهو النزول الثاني، فقد كان بعد الأربعين من عمره ﵁ حينما بعث في يوم الاثنين وكان أول ما نزل عليه صدر سورة اقرأ كما ذكر ذلك محققو أهل العلم من أهل التفسير والحديث والسير، قال العلامة الفاسي في نظمه قرة الأبصار في سيرة المشفّع المختار٣:
_________
١ -أحمد ٤/١٠٧، الطبراني في الكبير ٢٢/٧٥، والبيهقي في شعب الإيمان: ٢/٤١٤.
٢ -ابن كثير ١/٢١٧، قال: رواه ابن مردويه.
٣ -مخطوطة، منظومة في السيرة ص ٣.
1 / 15
بيان مبعث النبي الهاد ... صلى عليه أشرف العباد
وجاءه جبريل في غار حرا ... من بعد أربعين عاما غبرا
في يوم الاثنين بسورة العلق ... صلى عليه الله فالق الفلق
فقام يدعو الإنس والجن إلى ... توحيد رّب العالمين مرسلا
مؤيّدًا منه بِرا أعْيا البشر ... إحصاءه من معجزات كالمطر
نفعًا وكثرة وكالسراج ... نورا ورفعة مع ابتهاجي
ومع ذا حاصره الفجّار ... كما أتت بذلك الأخبار
وكان قادرا على التدمير ... لو شاء لكن جاد بالتأخير
حتى هدى الله به من شاء ... منهم ومن أصلابهم أبناء
قال في الإتقان١:
"أما إنزاله الثاني مفرقًا على حسب الوقائع خلافا لما كان معهودًا عندهم في الكتب السابقة فقد أثار الضجة عند القوم حتى حملهم على المحادّة والمساءلة حتى ظهر لهم الحق فيما بعد من أسرار الحكم الإلهية في إنزاله منجما على حسب الوقائع حتى أكمل الله الدين".
هذا وقد يظن البعض أن الآيات من قوله ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ (البقرة:١٨٥) الخ وقوله ﴿حم. وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ﴾ (الدخان:١-٣) الخ وقوله ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ (القدر: ١) . بينها تعارض والواقع أنه لا تعارض بينها، فالليلة المباركة هي ليلة
_________
١ -١/١١٦.
1 / 16
القدر من شهر رمضان، وإنما يتعارض ظاهرها مع الواقع العملي في حياة الرسول ﷺ لأن القرآن نزل عليه خلال ثلاث وعشرين سنة.
وقد روى من غير وجه عن ابن عباس كما قال إسرائيل عن السدي عن محمد بن أبي المجالد عن مقسم عن ابن عباس أنه سأله عطية بن الأسود فقال وقع في قلبي الشك من قول الله تعالى ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ وقد أنزل في شوال وذي القعدة وفي ذي الحجة ومحرم، وصفر وشهر ربيع فقال ابن عباس وجمهور العلماء: إن المراد بنزول القرآن في تلك الآيات الثلاث، نزوله جملة واحدة إلى بيت العزة من السماء الدنيا تعظيما لشأنه عند الملائكة، ثم أنزل بعد ذلك منجما على مواقع النجوم ترتيلًا في الشهور والأيام في ثلاث وعشرين سنة، حسب الوقائع والأحداث منذ بعثه ﷺ إلى أن توفى حيث أقام بمكة بعد البعثة ثلاث عشرة سنة، وبالمدينة بعد الهجرة عشر سنين وهذا المذهب هو الذي جاءت به الأخبار الصحيحة عن ابن عباس في عدة روايات منها: عن ابن عباس قال أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا١ ليلة القدر ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة ثم قرأ ﴿وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾ (الفرقان: ٣٣) . وقوله ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ﴾ (الإسراء: ١٠٦) .
٢- وعن ابن عباس ﵄ قال: فصل القرآن من الذكر فوضع في بيت العزة من السماء الدنيا فجعل جبريل ينزل به على النبي ﷺ.
_________
١ -رواه الحاكم في المستدرك ٢/٢٤٢ رقم ٢٨٧٨، البيهقي ٤/٣٠٦.
1 / 17
٣- وعن ابن عباس ﵄ قال: أنزل الله القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا وكان بمواقع النجوم وكان الله ينزله على رسوله ﷺ بعضه إثر بعض. رواه الحاكم والبيهقي١.
٤- وعنه ﵁ قال أنزل القرآن في ليلة القدر في شهر رمضان إلى السماء الدنيا جملة واحدة ثم أنزل نجومًا "رواه الطبراني".
٢- المذهب الثاني هو المروي عن الشعبي أن المراد بنزول القرآن في الآيات الثلاث ابتداء نزوله على رسول الله ﷺ، فقد ابتدأ نزوله في ليلة القدر من شهر رمضان وهي الليلة المباركة، ثم تتابع نزوله بعد ذلك مندرجًا مع الوقائع والأحداث في قرابة ثلاث وعشرين سنة.
قال: فليس للقرآن إلا نزول واحد هو نزوله منجما على رسول الله ﷺ لأن هذا هو الذي جاء به القرآن قال تعالى ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ﴾ (الإسراء:١٠٦)، ولهذا جادل فيه المشركون لكون الكتب السماوية نقل إليهم نزولها جملة واحدة قال تعالى ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾ (الفرقان:٣٢-٣٣) .
قال: ولا يظهر للبشرية مزية لشهر رمضان وليلة القدر التي هي الليلة المباركة إلا إذا كان المراد بالآيات الثلاث نزول القرآن على رسول الله ﷺ وهذا يوافق ما جاء في قوله تعالى في غزوة بدر ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (الأنفال:٤١) . وقد
_________
١ رواه الحاكم في المستدرك ٢/٢٤١ وصححه ووافقه الذهبي وابن الملقن وصححه أيضًا الحافظ ابن حجر في الفتح ٨/٦٢٠ ورواه البيهقي في دلائل النبوة ٣/١٣١.
1 / 18
كانت غزوة بدر في رمضان، ويؤيد هذا ما عليه المحققون في حديث بدء الوحي.
عن عائشة قالت "أول ما بدئ به رسول الله ﷺ من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح"١ فالمحققون على أن رسول الله ﷺ نبئ أولًا بالرؤيا في الشهر الذي ولد فيه وهو شهر ربيع الأول، وكانت المدة بين الرؤيا والوحي إليه يقظة ستة أشهر ثم أوحي إليه يقظة بـ ﴿اقْرَأْ﴾ .
قال الشيخ مناع القطان رحمه الله٢ "وبهذا تتآزر النصوص على معنى واحدٍ".
٣- المذهب الثالث يرى أن القرآن أنزل إلى السماء الدنيا في ثلاث وعشرين ليلة قدر في كل ليلة منها ما يقدر الله إنزاله في كل السنة، وهذا القدر الذي ينزل في ليلة القدر إلى السماء الدنيا لسنة كاملة ينزل بعد ذلك منجمًا على رسول ﷺ في جميع السنة.
ولا شك أن هذا المذهب اجتهاد من بعض المفسرين فليس هناك ما يدل عليه، أما المذهب الثاني فإنه لا تعارض بينه وبين المذهب الأول الذي هو مذهب ابن عباس والجمهور.
فالراجح أن القرآن الكريم له تنزّلان، كما علمت:
الأول:- نزوله إلى بيت العزة من سماء الدنيا جملة.
_________
١ -رواه البخاري رقم ٢ كتاب بدء الوحي ومسلم كتاب الإيمان ١٦٠.
٢ -مباحث في علوم القرآن ص١٠٠ في بعدها.
1 / 19
وقد نقل القرطبي١ الإجماع على هذا النزول عن مقاتل بن حيان وممن قال بقوله الخليمي والماوردي٢. الثاني نزوله من السماء الدنيا مفرقا على مدى ثلاث وعشرين سنة.
_________
١ -٢/٢٩٧.
٢ -الإتقان في علوم القرآن تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ص١١٦.
1 / 20