13
والغريب أن عمر بن الخطاب ذاته، قد قال بشأن آية الرجم: «لما نزلت أتيت النبي
صلى الله عليه وسلم
فقلت: أكتبها؟ فكأنه كره ذلك! فقال عمر: ألا ترى أن الشيخ إذا زنى ولم يحصن جلد، وأن الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم؟!» وهي ذات الحجة التي ساقها بعد ذلك زيد بن ثابت، الذي كتب المصحف المجموع بأمر الخليفة عثمان بن عفان، عندما سأله مروان بن الحكم: «ألا تكتبها في المصحف؟ قال: ألا ترى أن الشابين الثيبين لا يرجمان.»
14
ومن هذه الإشارات، نرى ابن حجر عندما يستخدم اصطلاح «رفع» بدلا من «نسخ»، يشير إلى عدم قناعته بأن اختفاء آية الرجم من القرآن الكريم، لا يعني تصنيفها ضمن المنسوخ. فاستخدم اصطلاح «رفع»، إزاء وقائع تقول إنها لم تكتب أصلا حتى في زمن المصطفى
صلى الله عليه وسلم ، فقد كره أن يسمح لعمر بكتابتها، كما في قول عمر، وأن عمر كان من أول المعترضين على تدوينها، فدفع في صدر أبي بن كعب، مشيرا إلى تفشي التسافد بين الناس كتسافد الحمر، والمرجح أن كتابتها كانت تعني ابتعاد الناس وهم على تلك الحال عن الإسلام، لشدة الحكم وغلظته. ومن ثم كان لتلك الظروف والحجج دور واضح لعدم وجود أي تدوين لآية «الشيخ والشيخة إذا زنيا» في أي من الرقاع والصحف، بحيث ظلت غير مدونة حتى زمن التدوين العثماني، حيث استبعدها زيد بن ثابت بدوره كما في روايته مع مروان بن الحكم، فجاء المصحف العثماني خلوا منها. لكن الإصرار على العمل بحكمها، كان فيما يبدو، مدعاة لنشوء باب «ما نسخ تلاوته وبقي حكمه» لتندرج ضمنه، وبذلك لم يعد حكم الجلد بديلا لحكمها، وبحيث بدا الأمر غير منطقي في رأي ابن الحصار. هذا بينما وقف د. نصر أبو زيد يلح في التنبيه على أن «المهم في تحديد الناسخ من المنسوخ، هو ترتيب النزول لا ترتيب التلاوة في المصحف. ومعنى ذلك أن تحديد الناسخ من المنسوخ في آيات القرآن يعتمد أساسا على معرفة تاريخية دقيقة بأسباب النزول، وبترتيب نزول الآيات.»
15
أي أن المعتبر هو تاريخية النص في علاقته الزمنية المتحركة، بحركة الواقع المتحول دوما.
وللمطالع أن يلحظ أن عمر بن الخطاب، صاحب الخطاب الأشهر في الإصرار على العمل بحكم آية غير موجودة في المصحف، ولم تكتب أصلا، كان هو صاحب حجتين في عدم كتابتها؛ الحجة الأولى واقع الناس وهم يتسافدون تسافد الحمر، والثانية موقف الشاب المحصن والشيخ غير المحصن من تطبيق حد الزنى. أما الأمر الأوضح دلالة فهو فيما ورد بلفظ القاضي أحمد الشهير بابن خلكان، في كتابه وفيات الأعيان، وهي رواية هامة توضح موقف عمر بن الخطاب بعد أن أصبح خليفة، من تطبيق حد الرجم على المغيرة بن شعبة. في رواية القاضي أحمد، التي يلخصها لنا الإمام شرف الدين الموسوي تحت عنوان درؤه الحد عن المغيرة بن شعبة: «وذلك حيث فعل المغيرة مع الإحصان، ما فعل مع أم جميل بنت عمرو، امرأة من قيس، في قضية من أشهر الوقائع التاريخية في تاريخ العرب، كانت سنة 17 للهجرة. لا يخلو منها كتاب اشتمل على حوادث تلك السنة، وقد شهد عليه بذلك كل من أبي بكرة وهو معدود من فضلاء الصحابة وحملة الآثار النبوية، ونافع بن الحارث وهو صحابي أيضا، وشبل بن معبد. وكانت شهادة هؤلاء الثلاثة صريحة، بأنهم رأوا المغيرة بن شعبة يولجه في أم جميل إيلاج الميل في المكحلة، لا يكنون ولا يحتشمون، ولما جاء الرابع وهو زياد بن سمية يشهد أفهمه الخليفة رغبته في ألا يخزى المغيرة، ثم سأله عما رآه فقال: رأيت مجلسا، وسمعت نفسا حثيثا وانتهازا ورأيته مستبطنها، فقال عمر: أرأيته يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة؟ فقال: لا، لكني رأيته رافعا رجليها فرأيت خصيتيه تتردد ما بين فخذيها، ورأيت حفزا شديدا وسمعت نفسا عاليا، فقال عمر: أرأيته يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة؟ فقال: لا. فقال عمر: الله أكبر، قم يا مغيرة إليهم فاضربهم. فقام يقيم الحدود على الثلاثة.»
صفحة غير معروفة