النور الوقاد على علم الرشاد لمحمد الرقيشي
تصانيف
( والعجز إما لكون الخصم أكثر من مثليه أو أن تراه حالف العللا ) اعلم أن الجهاد من أعظم أركان الإسلام وفريضته بالكتاب والسنة والإجماع فمن الكتاب قوله تعالى لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) : ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين ) وقوله : ( كتب عليكم القتال ) وقوله : ( ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب ) قوله : ( يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا ) وقوله : ( انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ) وقوله : ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ) وقوله : ( قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ) وقوله : ( واقتلوهم حيث ثقفتموهم وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ) ومثل هذا في كتاب الله كثير وقد علم من السنة ما كان عليه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه من بذلهم أنفسهم وبيعهم مهجهم جهادا في سبيل الله تعالى وابتغاء رضوانه بما يغني عن المزيد وعلى ذلك اجتمعت الأمة والحث عليه كثير وأجمعت الصحابة عند أبي بكر في قتال أهل الردة ومانعي الزكاة فتارك الجهاد في موضع وجوبه آثم كافر ويكفر الناس بتركه باقتران الوعيد وآيات التهديد وهو دليل وجوبه وفرضه ولا شك قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم أنفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا من الآخرة إلا قليل إلا تنفروا يعذبكم الله عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير ) وقال تعالى : ( لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم من ريبهم يترددون ) وقال تعالى : ( ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني إلا في الفتنة سقطوا وأن جهنم لمحيطة بالكافرين ) فقد وعدهم بالعذاب الأليم والاستبدال بهم إن لم ينفروا وأخبر أن ترك الخروج مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والاستئذان للترك هو فعل من لا يؤمن بالله واليوم الآخر وترك الجهاد معهم من صفة المرتابين الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وتوعدهم بنار جهنم ووسمهم بالكافرين فأي وعيد هو أعظم من هذا وأي تقريع هو أشد من هذا ولما بالجهاد من عظيم المحنة وصعوبة التكليف واحتياج الخلق معه أن يقادوا إلى فراديس الجنان بالسلاسل والأغلال جيء بهذا التقريع كالتغليظ الذي لم يؤت به في صلاة ولا صوم ولا حج ولا زكاة وفي الكتاب العزيز من هذا الباب كثير وقد ثبت أن الأئمة العدل والقوام من بعده بأمر الله يقومون مقام النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ولهم من ذلك ما له بدليل قوله تعالى : ( قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولى بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وأن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما ) فأجمعت الأمة أن الداعي في هذه الآية هو أبو بكر خليفة رسول الله عليه السلام لم دعى الناس إلى قتال بني حنيفة وقد سمعت ما فيها من الوعيد على من تخلف عن إجابة دعوته وهو الدليل على وجوب ذلك وثبوته مع كل إمام عدل قائم بأمر الله تعلى إلى يوم القيامة وعلى ذلك أجمع الصحابة ومن بعدهم قولا وعملا وكفى في هذه الآية الشريفة معجزة ظاهرة للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) لإخباره بالغيب وهي أعظم شاهد بصحة إمامة أبي بكر رضي الله عنه وإن اجتماع الأمة عليه لم يكن على ضلال انتهى نقلا عن شيخنا الخليلي رحمه الله وبعض معانيه وقد ثبت قتال أهل البغي من الكتاب والسنة كما ثبت قتال المشركين من الكتاب بقوله تعالى : ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا أن الله يحب المقسطين ) وقد أجمع السلف والخلف على ذلك وفي كتاب الله كفاية عما سواه وقد قدمنا تفصيل الوجوب وخروج المعذورين قريبا فلا معنى لتكراره فليراجعه من أراد ذلك يجد ما يكفيه ويشفيه قريبا وبالله التوفيق .
صفحة ١٦٤