النكت على صحيح البخاري

ابن حجر العسقلاني ت. 852 هجري
168

النكت على صحيح البخاري

محقق

أبو الوليد هشام بن علي السعيدني، أبو تميم نادر مصطفى محمود

الناشر

المكتبة الإسلامية للنشر والتوزيع

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٢٦ هـ - ٢٠٠٥ م

مكان النشر

القاهرة - مصر

تصانيف

ومنه قول الشاعر: وأنا مِمَّا يضرب الكَبْشَ ضَرْبةً ... على وجهِه يُلقي اللِّسَانَ مِنَ الفَم قُلْتُ: ويؤيده أن رواية المصنف في التفسير من طريق جرير، عن موسى بن أبي عائشة لفظها: كَانَ رسول الله ﷺ إذا نزل جبريل بالوحي فكان مما يحرك به لسانه وشفتيه (١)، فأتى بهذا اللفظ مُجردًا عن تقدم العلاج الَّذِي قدره الكرماني، فظهر ما قاله ثابت. ووجهة ما قَالَ غيره: أن (من) إذا وقع بعدها (ما) كانت بمعنى: ربما، وهي تُطلق عَلى الكثير كما تُطلق عَلى القليل، وفِي كلام سيبويه مواضع من هذا، منها قوله: اعْلَم (٢) أنهم مما يحذفون كذا، والله أعلم. ومنه حديث البراء: "كنا إذا صلينا خلف النبي ﷺ مما يحب أن يكون عن يمينه" الحديث (٣). ومنه حديث سمرة: "كَانَ رسول الله ﷺ[٣٤/ ب] إذا صَلَّى الصبح مما يقول لأصحابه: "من رأى منكم رؤيا". قوله: (فقَالَ ابن عباس: فأنا أحركهما) جملة معترضة بالفاء، وفائدة هذا: زيادة البيان بالوصف عَلى القول، وعبر في الأول بقوله: كما كَانَ يحركهما، وفِي الثاني: برأيت؛ لأن ابن عباس لم ير النبي ﷺ في تلك الحالة؛ لأن سورة القيامة مكية باتفاق، بل الظاهر أن نزول هذه الآيات كَانَ في أول الأمر، وإلى هذا جنح البُخَاريّ في إيراده هذا الحديث في بدء الوحي، ولم يكن ابن عباس إذ ذاك وُلِد؛ لأنه وُلِدَ قبل الهجرة بثلاث سنين، لكن يجوز أن يكون النبي ﷺ أخبره بذلك بَعْدُ، أو بعض الصحابة أخبره أنه شاهد النبي ﷺ، والأول هو الصواب؛ فقد ثبت ذَلكَ صريحًا في مسند أبي داود الطيالسي، قَالَ: ثنَا أبو عوانة بسنده (٤)، وأما سعيد بن جبير فرأى ذَلِكَ من (٥) ابن عباس بلا نزاع.

(١) "صحيح البخاري" (كتاب التفسير، سورة القيامة، باب: قوله: ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾ برقم (٤٩٢٩). (٢) في الأصل: "علم"، والمثبت من الفتح. (٣) أخرجه أحمد في "مسنده" (٤/ ٢٩٠). (٤) "مسند الطيالسي" (ص ٣٤٢)، برقم (٢٦٢٨). (٥) تصحفت في الأصل إلَى: "فروى ذلِكَ عن".

1 / 184