النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة
الناشر
وزارة الثقافة والإرشاد القومي،دار الكتب
مكان النشر
مصر
فقال عند ذلك المقوقس: والذي يحلف به لو أن هؤلاء استقبلوا الجبال لأزالوها وما يقوى على قتال هؤلاء أحد! ولئن لم نغتنم صلحهم اليوم وهم محصورون بهذا النيل لم يجيبونا بعد اليوم إذا أمكنتهم الأرض وقووا على الخروج من موضعهم.
فرد إليهم المقوقس رسله يقول لهم: ابعثوا إلينا رسلًا منكم نعاملهم ونتداعى نحن وهم إلى ما عساه يكون فيه صلاح لنا ولكم.
فبعث عمرو بن العاص عشرة نفر أحدهم عبادة بن الصامت، وكان طوله عشرة أشبار، وأمره عمرو أن يكون متكلم القوم وألا يجيبهم إلى شيء دعوه اليه إلا إحدى هذه الثلاث الخصال، فإن أمير المؤمنين قد تقدم إلي في ذلك وأمرني ألا أقبل شيئا إلا خصلة من هذه الثلاث الخصال، وكان عبادة أسود، فلما ركبوا السفن إلى المقوقس ودخلوا عليه تقدم عبادة، فهابه المقوقس لسواده وقال: نحوا عني هذا الأسود وقدموا غيره يكلمني؛ فقالوا جميعًا: إن هذا الأسود أفضلنا رأيًا وعلمًا وهو سيدنا وخيرنا والمقدم علينا، وإنما نرجع جميعا إلى قوله ورأيه وقد أمره الأمير دوننا بما أمره وأمرنا ألا نخالف رأيه وقوله.
فقال: وكيف رضيتم أن يكون هذا الأسود أفضلكم وإنما ينبغي أن يكون هو دونكم؟ قالوا: كلا! إنه وإن كان أسود كما ترى فإنه من أفضلنا موضعًا وأفضلنا سابقة وعقلًا ورأيًا وليس ينكر السواد فينا؛ فقال المقوقس لعبادة: تقدم يا أسود وكلمني برفق فإنني أهاب سوادك وإن اشتد كلامك علي ازددت لك هيبة، فتقدم إليه عبادة فقال:
قد سمعت مقالتك وإن فيمن خلفت من أصحابي ألف رجل كلهم مثلي وأشد سوادًا مني وأفظع منظرًا ولو رأيتهم لكنت أهيب لهم مني، وأنا قد وليت وأدبر
1 / 12