نظام الإثبات في الفقه الإسلامي
الناشر
مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
تصانيف
خربة كانت بقربي فدخلتها، فقضيت حاجتي، وعدت أريد حانوتي فإذا أنا بهذا المقتول يتشحط في دمه، فراعني أمره فوقفت أنظر إليه والسكين في يدي، فلم أشعر إلا بأصحابك قد وقفوا وأخذوني فقال الناس: "هذا قتل هذا ما له قاتل سواه"، فأيقنت أنك لا تترك قولهم لقولي، فاعترفت بما لم أجنه"، فقال علي للمقر الثاني: "فأنت كيف قصتك؟ " فقال: "أغواني الشيطان فقتلت الرجل طمعًا في ماله، ثم سمعت حس العسس، فخرجت من الخربة واستقبلت هذا القصاب على الحال التي وصف فاستترت منه ببعض الخربة حتى أتى العسس فأخذوه وأتوك به، فلما أمرت بقتله علمت أني سأبوء بدمه أيضا، فاعترفت بالحق". فقال للحسين ﵁: "ما الحكم في هذا؟ " قال: "يا أمير المؤمنين إن كان قد قتل نفسًا فقد أحيا نفسًا، وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ " (المائدة:٣٢) فخلّى عليّ عنهما، وأخرج دية القتيل من بيت المال"١.
وقد وقع نظير تلك القضية في عهده ﷺ إلا أنها ليست في القتل.
عن علقمة بن وائل عن أبيه: أن امرأة وقع عليها رجل في سواد الصبح وهي تعمد إلى المسجد بمكروه من نفسها، فاستغاثت برجل مرّ عليها وفر صاحبها، ثم مرّ ذوو عَدد فاستغاثت بهم، فأدركوا الرجل الذي كانت استغاثت به فأخذوه، وسبقهم الآخر، فجاءوا به يقودونه إليها فقال: "أنا الذي أغثتك وقد ذهب الآخر"، فأتوا به النبي ﷺ فقال الرجل: "إنما كنت أغثتها على صاحبها فأدركني هؤلاء فأخذوني"، فقالت: "كذب، هو الذي وقع عليَّ "، فقال رسول الله ﷺ: "انطلقوا به فارجموه"، فقام رجل فقال: "لا ترجموه فارجموني فأنا الذي فعلت بها الفعل" واعترف، فاجتمع ثلاثة عند رسول الله ﷺ: الذي وقع عليها والذي أغاثها والمرأة. فقال: "أما أنت فقد غفر لك"، وقال للذي أغاثها قولا حسنا. فقال عمر ﵁: "أرجم الذي اعترف بالزنا"، فأبى رسول الله ﷺ وقال: "لا. لأنه قد تاب"، وفي رواية فقالوا: "يا رسول الله أرجمه"، فقال: "لقد تاب توبة لو تابها أهل المدينة لقبل منهم"٢.
وعند الترمذي أمر برجمه، فقال: "ارجموه لقد تاب توبة لو تابها أهل المدينة لقبل منهم"٣.
مما لا شك فيه أن هذين الأثرين يوهنان الأخذ بالقرينة ويفتان في عضد الاحتجاج بها ويقويان شبهة المانعين للعمل بها من حيث أن شواهد الحال كثيرا ما تكذب، وأن الأمر قد
_________
١ الطرق الحكمية ص ٦٧.
٢ الحديث رواه أبو داود في سنه ٤/٢٣٣ مع حاشيته عون المعبود.
٣ سنن الترمذي٦/٢٣٦.
62 / 135