تاريخ النزاع الحمد لله المعطي ما شاء من شاء لا مانع لعطائه، ولا راد لمراده وقضائه، أحمده بما هو أهله من المحامد، وأشكره على فضله المتزايد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا معاند، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ونبيه وخليله. اللهم صل عليه وعلى آله وصحابته ومحبيه، وأهل طاعته، وسلم، وشرف، وكرم.
أما بعد: فإني كثيرا ما كنت أتعجب من تطاول بني أمية إلى الخلافة مع بعدهم من جذم (1) رسول الله وقرب بني هاشم وأقول: كيف حدثتهم أنفسهم بذلك وأين بنو أمية وبنو مروان بن الحكم طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعينه (2) من هذا الحديث مع تحكم العداوة بين بني أمية وبني هاشم في أيام جاهليتهما (3).
صفحة ٢١
ثم شدة عداوة بني أمية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبمبالغتهم في أذاه، وتماديهم على تكذيبه فيما جاء به منذ بعثه الله عز وجل بالهدى ودين الحق إلى أن فتح مكة شرفها الله تعالى (1)، فدخل من دخل منهم في الإسلام كما هو معروف مشهور (2)، وأردد قول القائل:
كم من بعيد الدار نال مراده وآخر داني الدار وهو بعيد فلعمري، لا بعد أبعد مما كان بين بني أمية وبين هذا الأمر إذ ليس لبني أمية سبب إلى الخلافة ولا بينهم وبينها نسب إلا أن يقولوا: (إنا من قريش) فيساوون في هذا الاسم قريش الظواهر، لأن قوله صلى الله عليه وسلم: (الأئمة من قريش) (3) واقع على
صفحة ٢٣
كل قرشي.
ومع ذلك فأسباب الخلافة معروفة، وما يدعيه كل جيل معلوم، وإلى كل ذلك قد ذهب الناس:
فمنهم من ادعاها لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه باجتماع القرابة والسابقة والوصية بزعمهم (1).
صفحة ٢٤
فإن كان الأمر كذلك فليس لبني أمية في شئ من ذلك دعوى عند أحد من أهل القبلة.
وإن كانت إنما تنال الخلافة بالوراثة، وتستحق بالقرابة، وتستوجب بحق العصبة، فليس لبني أمية في ذلك متعلق عند أحد من المسلمين.
وإن كانت لا تنال إلا بالسابقة (1)، فليس لهم في السابقة قديم مذكور، ولا
صفحة ٢٨
يوم مشهور، بل لو كانوا إذ لم تكن لهم سابقة ولم يكن فيهم ما يستحقون به
صفحة ٣٥
الخلافة، لم يكن فيهم ما يمنعهم منها أشد المنع كان أهون وكان الأمر عليهم أيسر، فقد عرفنا كيف كان أبو سفيان في عداوته النبي صلى الله عليه وسلم وفي محاربته وفي اجلابه عليه وفي غزوه إياه، وعرفنا إسلامه كيف أسلم (1)، وخلاصه كيف خلص، على أنه إنما أسلم على يد العباس رضي الله عنه، والعباس هو الذي منع الناس من قتله وجاء به رديفا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأل أن يشرفه وأن يكرمه وينوه به، وتلك يد بيضاء ونعمة غراء، ومقام مشهور، وخبر غير منكور (2).
فكان جزاء ذلك من بنيه أن حاربوا عليا (3)، وسموا الحسن (4)، وقتلوا الحسين (5)، وحملوا النساء على الأقتاب حواسر (6)، وأرادوا الكشف عن عورة علي بن الحسين حين أشكل عليهم بلوغه، كما يصنع بذراري المشركين إذا دخلت ديارهم عنوة.
وبعث معاوية بن أبي سفيان إلى اليمن بسر بن أرطاة، فقتل ابني عبيد الله بن
صفحة ٣٦
العباس، وهما غلامان لم يبلغا الحلم (1)، فقالت أمهما عائشة بنت عبد الله بن عبد المدان بن الديان ترثيهما:
يا من أحس بابني الذين هما كالدرتين تشظى عنهما الصدف أنحى على ودجي طفلي مرهفة مطرورة وعظيم الإثم يقترف وقتلوا لصلب علي بن أبي طالب تسعة، وصلب عقيل بن أبي طالب تسعة، ولذلك قالت نائحتهم:
عين جودي بعبرة وعويل واندبي إن ندبت آل الرسول تسعة منهم لصلب علي قد أصيبوا وتسعة لعقيل (2).
هذا وهم يزعمون أن عقيلا أعان معاوية على علي (3)، فإن كانوا كاذبين فما أولاهم بالكذب، وإن كانوا صادقين فما جازوه خيرا إذ ضربوا عنق مسلم بن عقيل صبرا وقتلوا معه هانئ بن عروة لأنه آواه ونصره (1).
قال الشاعر:
فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري * إلى هانئ في السوق وابن عقيل ترى بطلا قد هشم السيف رأسه * وآخر يرمى من طمار قتيل
صفحة ٣٧
وأكلت هند كبد حمزة، فمنهم آكلة الأكباد (1).
ومنهم كهف النفاق (2) ونقروا بالقضيب بين ثنيتي الحسين (3).
ونبشوا زيدا وصلبوه وألقوا رأسه في عرصة الدار تطأه الأقدام وتنقر دماغه الدجاج حتى قال القرشي:
اطردوا الديك عن ذؤابة زيد * طال ما كان لا تطأه الدجاج وقال شاعر بني أمية:
صلبنا لكم زيدا على جذع نخلة * ولم نر مهديا على الجذع يصلب (4) وقتلوا يحيى بن زيد وسموا قاتله * ثائر آل مروان وناصر الدين (5).
وضربوا علي بن عبد الله بن العباس بالسياط مرتين على أن تزوج بنت عمه الجعفرية التي كانت عند عبد الملك بن مروان.
وعلى أن نحلوه قتل سليط وسموا أبا هاشم بن محمد بن علي.
صفحة ٣٨
وضرب سليمان بن حبيب بن المهلب أبا جعفر المنصور بالسياط قبل الخلافة.
وقتل مروان الحمار الإمام إبراهيم بن محمد بن علي أدخل رأسه في جراب نورة حتى مات (1).
وقتلوا يوم الحرة عون بن عبد الله بن جعفر (2).
وقتلوا يوم الطف مع الحسين أبا بكر بن عبد الله بن جعفر (3).
وقتلوا يوم الحرة الفضل بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، والعباس بن عتبة بن أبي لهب وعبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب (4).
ومع ذلك كله فإن عبد الملك بن مروان أبو الخلفاء من بني مروان أعرق الناس في الكفر لأن جده لأبيه الحكم بن أبي العاص لعين رسول الله صلى الله عليه وسلم وطريده (5) وجده لأمه معاوية بن المغيرة بن أبي العاصي طرده رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قتله علي وعمار صبرا (6).
ولا يكون أمير المؤمنين إلا أولاهم بالإيمان وأقدمهم فيه.
صفحة ٣٩
هذا وبنو أمية قد هدموا الكعبة (1).
وجعلوا الرسول دون الخليفة (2).
وختموا في أعناق الصحابة، وغيروا أوقات الصلاة (3).
ونقشوا أكف المسلمين، ومنهم من أكل وشرب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهبت الحرم ووطئت المسلمات في دار الإسلام بالبقيع في أيامه (4).
وكان أبو جعفر المنصور إذا ذكر ملوك بني أمية قال: كان عبد الملك جبارا لا يألى ما صنع، وكان الوليد مجنونا، وكان سليمان همه بطنه وفرجه، وكان عمر أعور بين عميان، فإذا قيل عدل قال: إن من عدله أن لا يقبلها ممن لم يكن لها أهلا، ويتولاها بغير استحقاق، وكان رجلهم هشام، وقد صدق أبو جعفر.
وكان يقال لهشام: الأحول السراق لأنه ما زال يدخل عطاء الجند شهرا في شهر حتى أخذ لنفسه مقدار أرزاق سنة، فلذلك قالوا: الأحول السراق، وقال خاله إبراهيم بن هشام المخزومي ما رأيت من هشام خطأ قط إلا مرتين، فإن الحادي حدا به مرة فقال:
عليك أيها البختي أكرم من تمشي به المطي
صفحة ٤٠
فقال صدق قولك.
وقال مرة: والله لأشكون سليمان بن عبد الملك إلى أمير المؤمنين عبد الملك ابن مروان.
وهذا ضعف شديد وجهل عظيم.
وكان هشام يقول: (والله لأستحي من الله أن أعطي رجلا أكثر من أربعة آلاف درهم).
وقدم هشام ابنه سعيدا على حمص فرمي بالنساء فكتب أبو الجعد الطائي إلى هشام مع خصي وأعطاه فرسا على أن يبلغ الكتاب وفيه:
أبلغ لديك أمير المؤمنين فقد * أمددتنا بأمير ليس عنينا طورا يخالف عمرا في حليلته * وعند راحة يبغي الأجر والدينا فعزله وقال: يا ابن الخبيثة تزني وأنت ابن أمير المؤمنين، أعجزت أن تفجر فجور قريش قبل هذا وأخذ مالي، هذا لا يلي لي عملا أبدا.
وحسبك من عبد الملك بن مروان قيامه على منبر الخلافة وهو يقول: (ما أنا بالخليفة المستضعف، ولا بالخليفة المداهن، ولا بالخليفة المأفون) (1).
وهؤلاء هم سلفه وأئمته، وبشفعتهم قام ذلك المقام وبتأسيسهم وتقدمهم نال تلك الرياسة، ولولا العادة المتقدمة والأجناد المجندة والصنائع القائمة لكان أبعد خلق الله من ذلك المقام، فالمستضعف عنده عثمان بن عفان، والمداهن عنده
صفحة ٤١
معاوية، والمأفون عنده يزيد بن معاوية، والضعيف لا يكون خليفة لأنه الذي ينال القوي منه عند انتشار الأمر عليه، والمداهن لا يكون إماما، ولا يوثق منه بعقد، ولا بوفاء عهد، ولا بضمير صحيح ولا بغيب كريم، والمأفون لا يكون إماما، وهذا الكلام نقض لسلطانه، وعداوة لأهله، وإفساد لقلوب شيعته، وقرة عين عدوه، وعجز في رأيه، فإنه لم يقدر على إظهار قوته ، إلا بأن يظهر عجز أئمته (1).
صفحة ٤٢
وقد كانت المنافرة لا تزال بين بني هاشم وبني عبد شمس (1) بحيث أنه يقال إن هاشما وعبد شمس ولدا توأمين فخرج عبد شمس في الولادة قبل هاشم وقد لصقت أصبع أحدهما بجبهة الآخر فلما نزعت دمي المكان، فقيل سيكون بينهما أو بين ولديهما دم، فكان كذلك.
ويقال: إن عبد شمس وهاشما كانا يوم ولدا في بطن واحد كانت جباههما ملصقة بعضها ببعض، فأخذ السيف ففرق بين جباههما بالسيف، فقال بعض العرب: ألا فرق ذلك بالدرهم فإنه لا يزال السيف بينهم وفي أولادهم إلى الأبد (2).
وكانت المنافرة بين هاشم بن عبد مناف بن قصي وبين ابن أخيه أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وسببها: أن هاشما كانت إليه الرفادة (3) - التي سنها جده قصي بن كلاب بن مرة - والسقاية وذلك أن أخاه عبد شمس كان يسافر وقلما يقيم بمكة، وكان رجلا مقلا وله ولد كثير فاصطلحت قريش على أن ولي هاشم السقاية والرفادة، وكان هاشم رجلا موسرا، وكان إذا حضر موسم الحج قام في قريش فقال: (يا معشر قريش إنكم جيران الله وأهل بيته، وإنكم يأتيكم في هذا الموسم زوار الله يعظمون حرمة بيته، وهم ضيف الله وأحق الضيف بالكرامة ضيفه، وقد خصكم الله بذلك وأكرمكم به، حفظ (4) منكم أفضل ما حفظه جار من جاره، فأكرموا
صفحة ٤٧
ضيفه وزواره، فإنهم يأتون شعثا غبرا من كل بلد على ضوامر (5)، كالقداح (6)، وقد أزحفوا (7) وتفلوا وقملوا وأرملوا فاقروهم واغنوهم وأعينوهم).
فكانت قريش ترافد على ذلك حتى أن كان أهل البيت ليرسلون بالشئ اليسير على قدرهم، فيضمه هاشم إلى ما أخرج من ماله وما جمع مما يأتيه به الناس، فإن عجز كمله، وكان هاشم يخرج في كل سنة مالا كثيرا وكان قوم من قريش يترافدون، فكانوا أهل يسار فكان كل إنسان منهم ربما أرسل بمائة مثقال هرقلية (8).
وكان هاشم يأمر بحياض من أدم فتجعل في موضع زمزم من قبل أن تحفر زمزم، ثم يستقي فيها من الآبار التي بمكة فيشرب الحاج . وكان يطعمهم أول ما يطعمهم قبل التروية بيوم بمكة ويطعمهم بمنى وبعرفة وبجمع، فكان يثرد لهم الخبز واللحم، والخبز والسمن، والسمن والسويق، والسويق والتمر، ويحمل لهم الماء حتى يتفرق الناس لبلادهم، وكان هاشم يسمى عمرا وإنما قيل له (هاشم) لهشمه الثريد (1).
صفحة ٤٨
وهو أول من أطعم الثريد بمكة وكان أمية بن عبد شمس ذا مال فتكلف أن يفعل كما فعل هاشم من إطعام قريش فعجز عن ذلك فشمت به ناس من قريش وعابوه، فغضب ونافر (1) هاشما على خمسين ناقة سود الحدث تنحر بمكة وعلى جلاء (2) عشر سنين وجعلا بينهما الكاهن الخزاعي جد عمرو بن الحمق (3).
وكان منزله عسفان وخرج مع أمية أبو همهمة حبيب بن عامر بن عميرة بن وديعة بن الحارث بن فهر بن مالك الفهري (4) فقال الكاهن: (والقمر الباهر، والكوكب الزاهر، والغمام الماطر، وما بالجو من طائر، وما اهتدى بعلم مسافر، من منجد وغائر، لقد سبق هاشم أمية إلى المآثر، أول منه وآخر، وأبو همهمة بذلك خابر) (5).
فأخذ هاشم الإبل فنحرها وأطعم لحمها من حضر، وخرج أمية إلى الشام فأقام بها عشر سنين فكان هذا أول عداوة وقعت في بني هاشم وبني أمية (6).
صفحة ٤٩
ولم يكن أمية في نفسه هناك وإنما رفعه أبوه وبنوه وكان مضعوفا، وكان صاحب عهار يدل على ذلك قول نفيل بن عبد العزى جد عمر بن الخطاب حين تنافر إليه حرب بن أمية وعبد المطلب بن هاشم فنفر عبد المطلب وتعجب من إقدامه عليه وقال:
أبوك معاهر وأبوه عف وذاد الفيل عن بلد حرام وذلك أن أمية كان يعرض لامرأة من بني زهرة فضربه رجل منهم ضربة بالسيف وأراد بنو أمية ومن تابعهم إخراج زهرة من مكة، فقام دونهم قيس بن عدي السهمي وكانوا أخواله وكان منيع الجانب شديد العارضة حمي الأنف أبي النفس، فقام دونهم وقال وصاح (أصبح ليل) فذهبت مثلا ونادى (ألا إن الضاعن مقيم) ففي هذه القصة يقول وهب بن عبد مناف بن زهرة:
مهلا أمي فإن البغي مهلكة لا * يكسبنك ثوبا شره ذكر تبدو أكواكبه والشمس طالعة * يصب في الكأس منه الصاب والمقر وصنع أمية في الجاهلية شيئا لم يصنعه أحد من العرب: زوج ابنه أبا عمرو ابن أمية امرأته في حياة منه، والمقتيون في الإسلام هم الذين أولدوا نساء آبائهم واستنكحوهن من بعد موتهم، وأما أن يتزوجها في حياته ويبني عليها وهو يراه فإن هذا لم يكن قط.
وأمية قد جاوز هذا المعنى ولم يرض بهذا المقدار حتى نزل عنها له وزوجها منه، وأبو معيط بن أبي عمرو بن أمية قد زاد في المقت درجتين، ثم نافر حرب بن
صفحة ٥٠
أمية عبد المطلب بن هاشم من أجل يهودي كان في جوار عبد المطلب فما زال أمية يغري به حتى قتل وأخذ ماله في خبر طويل.
وتمادت العداوة بين البيتين حتى قام سيد بني هاشم أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة يدعو قريشا إلى توحيد الله تعالى جلت قدرته، وترك ما كانت تعبد من دون الله، فانتدب لعداوته صلى الله عليه وسلم ج في أول سنة من الهجرة أو في سنة اثنين وهو يحاد الله ورسوله (1).
* ومنهم عقبة بن أبي معيط أبان بن عمرو بن أمية، وكان أشد الناس عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإدا إلى أن قاتل يوم بدر فأتي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أسر فأمر بضرب عنقه فجعل يقول:
يا ويلتي علام أقتل يا معشر قريش أأقتل من بين هؤلاء!
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعداوتك لله ولرسوله.
محمد من للصبية؟
قال: النار، وضرب عنقه (2).
صفحة ٥١
وقيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر به فصلب، فكان أول مصلوب في الإسلام، وقال عطاء عن الشعبي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعقبة بن أبي معيط يوم بدر: والله لأقتلنك.
فقيل أتقتله من بين قريش؟
قال: نعم إنه وطئ على عنقي وأنا ساجد، فما رفعت حتى ظننت أن عيني قد سقطتا، وجاء يوما وأنا ساجد بسلي شاة فألقاها على رأسي، فأنا قاتله (1).
* ومنهم الحكم بن أبي العاصي بن أمية وكان عارا في الإسلام وكان مؤذيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة يشتمه ويسمعه ما يكره، فلما كان فتح مكة أظهر الإسلام خوفا من القتل. فلم يحسن إسلامه وكان مغموصا (2) عليه في دينه، ثم قدم المدينة فنزل على عثمان بن عفان بن أبي العاصي بن أمية (3)، وكان يطالع الأعراب والكفار بأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي ذات يوم مشى الحكم خلفه فجعل يختلج بأنفه وفمه كأنه يحاكي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتفكك ويتمايل فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه، فقال له: كن كذلك، فما زال بقية عمره على ذلك.
واطلع يوما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في حجرة بعض نسائه فخرج إليه بعنزة فقال: من عذيري من هذا الوزغة لو أدركته لفقأت عينه (4).
صفحة ٥٢
وقال زهير بن محمد عن صالح بن أبي صالح قال: حدثني نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فمر الحكم بن أبي العاصي فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
ويل لأمتي مما في صلب هذا (1).
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لعنه وما ولد وغربه عن المدينة، فلم يزل خارجا عنها بقية حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلافة أبي بكر وعمر، فلما استخلف عثمان رده إلى المدينة وولده فكان ذلك مما أنكره الناس على عثمان (1).
وكان أعظم الناس شؤما على عثمان فإنهم جعلوا إدخاله المدينة بعد طرد النبي إياه وبعد امتناع أبي بكر وعمر من ذلك، أكبر الحجج على عثمان ومات في خلافته فضرب على قبره فسطاطا.
وقد قالت عائشة رضي الله عنها لمروان بن الحكم: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال عبد الرحمن بن حسان بن ثابت لمروان بن الحكم:
إن اللعين أباك فارم عظامه * إن ترم ترم مخلجا مجنونا يضحى خميص البطن من عمل * التقى ويظل من عمل الخبيث بطينا وكان الحكم هذا يقال له: طريد رسول الله ولعينه، وهو والد مروان بن
صفحة ٥٣
الحكم الذي صارت الخلافة إليه بالغلبة وتوارثها بنوه من بعده، وكان رجلا لا فقه له، ولا يعرف بالزهد، ولا برواية الآثار، ولا بصحبة، ولا ببعد همة، وإنما ولي رستاقا من رساتيق داربجرد لابن عامر، ثم ولي البحرين لمعاوية، وقد كان جمع أصحابه ومن تابعه ليبايع ابن الزبير حتى رده عبيد الله بن زياد وقال يوم مرج راهط والرؤوس تنبذ عن كواهلها.
وماذا لهم غير حين النفوس أي غلامي قريش غلب (1) وهذا كلام من لا يستحق أن يلي ربعا من الأرباع ولا خمسا من الأخماس.
فكان مروان أول من شق عصا للإسلام بغير تأويل.
وقال لخالد بن يزيد بن معاوية وأم خالد يومئذ عنده: اسكت يا ابن الرطبة، فكان حتفه في هذه الكلمة (2).
وكتب عبد الملك بن مروان إلى محمد بن الحنفية: من عبد الملك أمير المؤمنين إلى محمد بن الحنفية، فلما نظر إلى عنوان الصحيفة استرجع وقال: الطلقاء ولعناء رسول الله صلى الله عليه وسلم على سائر الناس والذي نفسي بيده إنها لأمور لا يقر قرارها.
* ومنهم (3): عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن أمية أحد من عادى الله ورسوله إلى أن قتل ببدر كافرا قتله حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه (4)، وعتبة هذا هو أبو هند بنت عتبة التي أكلت كبد حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، ثم
صفحة ٥٤