حتى لا يكون مدلول أسمي الليل والنهار على ما نفهمه نحن الآن من تعاقب الضياء والظلام عندنا فإن كان ذلك كذلك كان الليل متقدما على النهار بالطبع والذات على رأي المتشرعين والفلاسفة، أما الفلاسفة فإنهم متفقون على أن جميع أجرام العالم شفافة منيرة أو قابلة للنور مؤدية له ما خلا كرة الأرض فإنها كثيفة بذاتها مظلمة بطبيعتها وأن الظلام الموجود في العالم إنما هم منها وإن ذلك ذاتي فيها لا عرض لها بل هو ملازم لها ملازمة الظلام الذاتي
الملازم، قال أبو معشر: (الأرض لما وجدت كانت مظلمة من جميع جهاتها فما قابله منها نور الشمس إلى الجهة الأخرى المظلمة أنارت وأنزاح الظلام إلى الجهة التي كانت مضيئة هكذا على الدوام، وأما المتشرعون فإنهم على اختلاف مللهم متفقون على تقديم الليل على النهار في الوجود وفي نص التوراة في مفتتحها أول ما خلق الله السموات والأرض والأرض كانت تيها تيها وظلام على وجه القمر وأرواح الله مرفوفة على وجه الماء وقال الله يكون نور فكان نور ورأى الله النور حسنا وفصل الله بين النور وبين الظلام فسمى عند ذلك النهار نهارا والظلام ليلا وكان مساء وما يليه وصباح وما يتبعه الجميع يوم واحد هذا نص التوراة وهو تصريح جلي قوله تيهًا تيها أي قاعا صفصفا خالية من العمران والغمر هاهنا الماء، قال الشيخ المصنف: (ومن كتاب فردوس السعة للقيس بن المفرح الطبيب في العلة التي من أجلها خلق الله الظلمة أولا من بعدها النور قال: لأن الفاعل الحكيم شأنه أن يدرج مفعولاته من النقصان إلى الكمال ومثال ذلك تصييره الجنس الآدمي الذي هو علة المخلوقات آخر المخلوقات فالواجب أن تجعل النور
1 / 10