31
وما بعد الاستعمارية
post-colonialism ، إنهما يعنيان سقوط مثال الحداثة وهو الرجل الأبيض صانع العلم والحضارة جميعا وبروز «الآخر» - أي النساء والشعوب والثقافات غير الأوروبية - كأطراف ذات أهلية وحق كامل للمشاركة في صنع الحضارة. وترتب على هذا تغيرات جوهرية في الخريطة العامة للميتافيزيقا الغربية والأخلاقية وفلسفة السياسة، بل حتى فلسفة العلم.
32
وليس الأمر - كما تذهب سارة أحمد
33 - أن النسوية انشغلت بأسئلة ما بعد الحداثة، بل إن ما بعد الحداثة هي التي أملت منطلقات النسوية الجديدة. ويتطلب هذا، كما تؤكد سارة، قراءة متأنية لنصوص ما بعد الحداثة بوصفها ذات حدود متعينة ومهمة محددة، وليست مجرد توصيف عام لمرحلة جامعة من مراحل التاريخ. إنها القراءة التي ترتكز على كتاب جان فرانسوا ليوتارد
F. J. Lyotard «الشرط ما بعد الحداثي» (1979م)، وهذا ما سيتضح في الصفحات القادمة.
على أية حال رأينا حتى الآن كيف أن النسوية انطلقت وتشكلت موجتها الأولى - التي اقتصرت على مقتضيات الواقع الاجتماعي - في إطار منطلقات الحداثة من قبيل تحرير الإنسان ورفع الوصاية عنه والمساواة وحقوق المواطنة، على الإجمال كانت أصول النسوية في الحداثة ومثلت موجتها الأولى قيم الحداثة، أما مستقبلها فهو في ما بعد الحداثة، وتمثل موجتها الثانية قيم ما بعد الحداثة. إن ما بعد الحداثة هي فقط التي أتاحت للنسوية في موجتها الثانية أن ترتفع إلى مستوى النظرية والفلسفة الصريحة والسؤال الإبستمولوجي وفلسفة العلم، هذا من حيث أعادت ما بعد الحداثة طرح السؤال الإبستمولوجي.
34
هكذا نستطيع أن نقرأ النسوية بوصفها انفلاقة بين دوافع الحداثة على مستوى الممارسة، ودوافع ما بعد الحداثة على مستوى النظرية،
صفحة غير معروفة