جمال السيدات والرياضة البدنية
كثيرا ما يكون ضعف البنية من مشوهات الجمال، وإن لجودة الصحة لدخلا لا يستهان به في تحسين تقاسيم الوجه وتناسب الأعضاء، ولا تقوم تلك الجودة على حسن الغذاء فقط كما يتوهم أغلب النساء، بل لها أساسات أخرى، أهمها الرياضة وخلو الفكر من الهم، والناظر لحالة نسائنا يدرك لأول وهلة احتياجهن الشديد إلى الرياضة البدنية، فإن فقر الدم المستحوذ على كثيرات منهن، والسمن المفرط المسببين عن طول مدة الجلوس، ليشهدان أن تلك الوجوه المصفرة لم ترها الشمس، وأن تلك الأجسام الضخمة لم تهذبها الحركة، ولو اقتصر الأمر على تشويه الجمال، وما ذلك بالهين على النساء، لما كان الخطب كما هو الآن جللا، إن طول المكث في محل واحد وعدم تنوع المعيشة عندنا يذهبان بطلاوة الجديد ويجلبان الأمراض المختلفة والسأم، كالماء الراكد إن لم يتغير أسن.
للرياضة أنواع شتى تستعملها النساء الغربيات، ولست أشير على نسائنا باقتباسها بأنواعها فقد لا تلائم مجتمعنا، فمنها الألعاب المختلفة والركض والسباحة وركوب الخيل وأقلها كلفة وأكثرها ملاءمة للشرقيات المشي؛ فهل ترانا نقوم به وهو لا يكلفنا درهما، وليس هو مما قد نعده من علائم الطيش الإفرنجي، أو مما يذهب برزانة الشرقيين ووقارهم الطبيعيين؟!
إن عيشتنا كلها جلوس في جلوس، نظل أسرى البيوت الضيقة، ويمنعنا زهونا عن أن نشتغل بشيء فيها، فتجمد عضلاتنا عن الحركة، وإذا طلبنا فكاكا من هذا الأسر الممل فلا نجد سوى بيوت الجارات نزورها ماشيات خطوات معدودة إن كانت قريبة، وإن بعدت فما أرخص العجلات وأكبرها مما تجره الخيل أو الكهرباء!
يشكو أغلب نسائنا الصداع وضيق الصدر وعسر الهضم وغيرها مما تكفي الرياضة واجتلاء جميل المناظر لإزالته، وما الآلام العصبية و(الزار) إلا نتيجة ذلك الملل وبلادة الأعضاء، فإن المرأة المصرية لا تدري بماذا تروح عن نفسها وتذهب سأمها ولا كيف تنوع معيشتها فتنزع إلى تلك الترهات لجهلها، ولكنها معذورة فيما أرى لأنها مضطرة وقد يركب المضطر حد السيف.
إن آباءنا وأجدادنا كانوا أكثر منا مراعاة لترويض النساء من حيث لا يدرون، فإن المنازل القديمة كانت كلها مبنية على الطراز التركي، تحجبها أسوار عالية وداخلها الرحبات المتسعة والحدائق الغناء مما تمرح فيه نساء البيت ولا رقيب عليهن، وينعمن أنفسهن ببهيج منظر الحدائق وفوارات الماء، فمن لاذ للسمع وجميل للنظر وحلو للذوق ولطيف للمس وزكي للشم؛ طيور صادحة وغزلان سارحة وفاكهة جنية وزهور شهية وروائح عطرية. خضرة الزمرد وشفافية البلور في النبات والماء، وبهاء الياقوت وأريج المسك في الزهر والهواء، وسواق ناعرة تجلب النوم وتجعله هنيا، وبالجملة كان عيش تلك البيوت مريئا ونساؤها كما قال شوقي بك:
يمرحن في مأمن
مثل حمام الحرم
أما اليوم فقد قضى الاقتصاد، أو بالأحرى البخل والتناهي في تقليد الغربيين على أصحاب البيوت أن يضيقوها، وما ضاقت إلا على النساء المظلومات فليس بها إلا الحجر، وتجد السلم مبتدئة من عتبة الدار ووجهة البيت مكشوفة، فلا تستطيع صاحبات البيت التحرك ولا فتح النوافذ أحيانا، وهذا لعمري آخذ بالخناق، ولعله سبب انتشار كثيرات منا في الطرقات، ماذا يفعل الطير المحبوس في قفص من حديد؟ إنه لا يتأخر لحظة عن الفرار إذا وجد وسيلة له.
إلا أن الشوارع والطرقات بها ما يوقر الآذان من بذاءة المماحكين وانتشارهم كالجراد، وقد يراهم رجال شرطتنا ويسمعونهم يتعدون على الآداب ويضحكون، ولو جاز أن تجعل طرق للنساء خاصة وأخرى للرجال خاصة، لما تأخرنا عن المشي في طريقنا، أما والطريق عامة فليس أمامنا إلا أن نتوسل إلى أولئك الطغام أن يكفوا عن مماحكتهم وتعرضهم لنا، فيكفينا ضيق المساكن عن أن يضيقوا علينا السبيل.
صفحة غير معروفة