إن هذه الحادثة عزيزتي جعلتني أمقت ذكر الزواج والرجال، وأعتقد أنه لا يزال بهم جزء وافر من البهيمية، وإن كانوا يدعون أنهم أرقى منا عقلا وأصفى جوهرا، نعم إن أختي عليها بعض الجرم، ولكن من أغواها وأضلها؟ أليس هو الرجل؟
هذه حكايتي قصصتها عليك، ولي في إخلاصك ما يخفف بعض لوعتي، والسلام.
صديقتك الوالهة سعاد
كلمتي
تقع أمثال هذه الحادثة كثيرا فيتفطر لها قلب الإنسانية، ولا أدري هل عند حضرات العلماء والمجتهدين فتوى تحرم الزواج في مثل هذه الحادثة.
نعم؛ إن الشرع نص على أنه لا يجوز الجمع بين أختين في آن واحد، ولكن ألم يضع الدين كل ما يكفل راحة البشر وسعادتهم؟ وإن في طلاق أخت لأجل زواج أختها من نفس بعل الأولى لشقاء لا يعادله شقاء، وقطيعة بين ذوي القربى، أو عصيانا لأمر الله تعالى، فإنه نص على البر بهم نصا صريحا لا يحتاج لتأويل.
من الملوم في مثل هذه الواقعة؟ لا ريب أن اللوم لا يتخطى كلا الزوجين الجديدين، ولكني أعتقد أن المرأة أضبط للنفس من الرجل متى أرادت ، وليس ذلك بالفطرة ولكن بفضل المبادئ والتقاليد، فلو كانت أخت سعاد أرجعت بعل أختها عنها لارتجع، أو لو ابتعدت عن طريقه لامتنع عن التمادي في الغواية، ولكنها كانت ميالة للغدر بأختها، فلا رعاها الله ولا رعى كل امرأة لا تقوى على ضبط نفسها وامتلاكها. (16) المدن والقرى
قل: ما أنقى الهواء وأعذب الماء وأصفى السماء في القرى! وما أكذب الحياة وأقرب الوفاة في المدن! القرى جميلة لأنها على الفطرة، أما المدن فلا تعدم أثرا للتكلف والرياء.
أين دوي الكهرباء من خرير الماء، والدخان المتعاقد فوق المداخن من جو لا ترى فيه إلا تحليق الصقور وإلا رؤوس النخل الباسقات؟! وأين وحل الشوارع وعثيرها من أرض كسيت ببساط النبات؟! وأين الرائحة المنبعثة من مقاذير المنازل، وروث الدواب من شذى أزهار الحقول؟! بل ما أوصل البصر يريد الجولان فيرده من هنا جدار ومن هناك سور من نظر تسرحه حيث شئت فلا تجد إلا اللا نهاية للفضاء؟! وأين كثرة التلفت والحذر من رسل عزريل (السيارات والمركبات) من اطمئنانك وسيرك على صراط سوي لا يقتفي أثرك إلا ظلك، وهو على ما تعلم من التبعية والولاء؟! وبالاختصار قل: إن جملة المدن فيها إجهاد للحواس وتشويش للفكر، وإن القرى فيها هدوء الكون والجسم والبال.
في القرى تجود الصحة لنقاوة الهواء وحسن الغذاء واتباع سنن الطبيعة في النوم والراحة والاستيقاظ، أما في المدينة فغذاء مغشوش وماء آسن لا يكاد يصل إلى المنازل إلا بعد مروره ببطن الأرض فيتلوث بما فيها من المستنقعات والرواكد والأقذار، وجو مكتظ بأنفاس السكان من أقوياء وأعلاء، ومساكن اشتركت في عمرها الرطوبة فضلا عما بها من الضيق، وساكنها من حين لآخر ينتظر زائرا أو يزور صاحبا، أو يخرج ليرى منظرا أو يلتقط خبرا، فيضيع وقته سدى في أحاديث منمقة كاذبة، تراه يقول لزائره: «أوحشتنا وآنستنا» وقد يؤثر زيارة الحمى على زيارته.
صفحة غير معروفة