فللذكر مثل حظ الأنثيين .
الازدراء بالمرأة
لعل عدوى التشاؤم من النساء سرت إلينا وانتقلت إلى بعضنا بالوراثة من عرب الجاهلية الأولى، أولئك الذين كانوا يئدون بناتهم خشية الإملاق أو العار، كما كانوا يزعمون، وقد نسخ النبي
صلى الله عليه وسلم
تلك العادة المنكرة، إلا أن أثرها لم يزل باقيا فينا إلى اليوم؛ إذ نحفل لولادة الصبي ونستاء لظهور البنية في هذا الوجود، وقد يعذر المتقدمون على اعتقادهم هذا لحاجتهم إلى الرجال لكثرة حروبهم وغاراتهم، أما نحن فلا عذر لنا إلا قليلا، وفي ما عدا حفظ لقب الأسرة ومالها من الضياع يتساوى الصبي والصبية في نظري؛ لأن عدد جنودنا محدود ونحن قوم مسالمون نجتنب الحرب ما أمكن وترانا نقلد العرب ولا نحكيهم فهم يهبون الصبي من يوم ظهوره للحرب، ويفتخرون بدخوله في غمارها، أما نحن فإذا دخل أحد أبنائنا الجندية يكاد يقتلنا الحزن، وأعرف أمهات فقدن أبصارهن من شدة البكاء على أبنائهن المجندين.
ذلك كان زمان الكثرة والشجاعة أما اليوم فزمن السياسة والصناعة، ها هي دولة الإنكليز يربو عدد نسائها على رجالها، وقد سادت أمما كثيرة رجالها ضعف الإناث فيها، وها نحن بحمد الله يزيد رجالنا عنا عددا، فأي خير جلبنا وأي شر دفعنا عن بلدنا المفدى؟! وحنكة وزير واحد أطيب أثرا من مائة ألف مقاتل، ويقظة من قليل خير من نوم الكثيرين.
هذا بيان لا بد منه لتنفيذ رأي القائلين بعدم الاعتداد كثيرا بالبنات.
المرأة المصرية مسلوبة الحق مظلومة في كل أدوار حياتها؛ نراها يتشاءم منها حتى وهي جنين، فإذا ظهرت مولودة تستقبلها الجباه مقطبة والصدور منقبضة والثغور صامتة، ترى القابلة وهي تحملها منكمشة لا تبدي ولا تعيد، كأنما كان لها بعض الذنب في ولادتها أنثى، نرى أقارب النفساء وصديقاتها يكثرون لها الهدايا إذا كان مولودها ذكرا ويقللون منها عددا وقيمة إذا أتت بأنثى، نرى كل من نقل الخبر يطفح اليأس من عينيه ولسان حاله يقول: ناقل الكفر ليس بكافر، فإذا انقضت ستة أيام كان سابع أيام الصبي عيدا نوقد فيه الشموع نهارا وتجلب أنواع الحلوى وتعزف الطبول وآلات الطرب، أما الصبية فيكتفى لها ببعض النقل ويحسب تفضلا.
كذلك حالهما في التربية والتعليم، فإن نصيب البنت قليل عندنا حتى إن من كعبت وهي في المدرسة تعد شاذة، ولست أعجب من جهل الأمهات أكثر مما أعجب لقوم متنورين تربوا تربية عالية ينادون بقصر البنت على تعليم القراءة والكتابة والطبخ والغسل، كأنما العلم خلق لهم وحدهم في حين أن الله - سبحانه وتعالى - لم يكلف به طائفة دون أخرى، فكأنهم يجرحون عواطفنا علنا بقولهم لنا: نريدكم خادمات منازل فقط لا سيدات مهذبات، وكيف يأبون علينا حقنا الطبيعي في مشاركتهم الحياة ويطلبون الدستور؟!
وليس حالنا في سن الشباب بأدعى للطمأنينة منه في الطفولة، فإننا لا نزيد عن المساجين شيئا إلا بالاسم فقط؛ فبينا تجد الفتى حرا في كل شيء ترانا يحجر علينا حتى في استنشاق الهواء النقي، حتى في اختيار لون الثوب الذي نلبسه، وإذا سمح لنا ببعض المشي أو التنزه رمانا المارة بكل معيبة وأخجلونا ببذاءتهم، وهم أحق بالخجل من وقاحتهم وفحشهم.
صفحة غير معروفة