إن هؤلاء السيدات يقلدن، ولكن تنقصهن ملكة الذوق في كثير مما يعملن، فإن الوجوه الشديدة البياض والحمرة يكون فيها دائما عينان زرقاوان وحاجبان أخطبان ويكسو رأسها شعر أشقر فتلائم بعضها بعضا، أما نساؤنا فإنهن بينما يصبغن حواجبهن بالسواد الفاحم إلى نصف الأنف وأعينهن يكاد كحلها يخلق لها حاجبين آخرين تراهن بعد ذلك يصبغن وجوههن بالشقرة، فأين الذوق الحسن من هذا الترقيع الشائن؟!
الوجه المدهون يضيع كثيرا من معاني الجمال؛ فإن تأثرات النفس وطبائعها تنعكس على مرآة الوجه فتكسبه أثرهما فيما لا يمكن وصفه في العينين وفي الفم وفي الابتسام وفي أسارير الوجه الصغيرة وفي الجلد نفسه أيضا، ولكن الطلاء يظهر الوجه كأنه ليس فيه حياة، ويغطي جلده المملوء معنى وينزع بصاحبته إلى تصنع الحركات والسكنات، والتصنع يذهب بهجة الجمال، ولست مبالغة إن قلت: إني أعد كل طالية وجهها تمثالا من الرخام، فإذا كان «حافظ» يعجب لصمت تماثيل الطليان، فأنا أعجب لتكلم تماثيل المصريات.
لتقف سيدة من هؤلاء اللاتي يستعملن الطلاء بجانب تمثال من عرائس (ستين وكموان) ولتنظر في المرآة فتتحقق من حكمي عليها.
ضمني مجلس بصديقتين من المتعلمات المهذبات، وكنا ننتظر سيدة فرنسية أتت مصر لأول مرة لتسيح في الشرق وتخبر عادات أهله، فحضرت السيدة السائحة وأخذت تسألنا عن عاداتنا وأخلاقنا، وأظنها سرت بحديثنا، وإذ دخلت علينا زائرتان مصريتان (من قسم التماثيل)؛ فبهتت السائحة وخجلنا نحن الثلاث لهذا المنظر غير الجميل، وبينما كانتا تتحدثان مع صاحبة المنزل بالعربية، والسائحة لا تفهمهما، كنت أسارقها النظر فأراها تكاد تجهر بضحكة عالية احتقارا واستهزاء من هاتين المرأتين، فيا ويحنا! أما يكفينا أن يحكم علينا الغربيون بالجهل والتأخر حتى يروا ما يسجل علينا العار؟! وبعد أن خرجتا قامت السائحة وطفقت تقلد لنا حركاتهما وتشمئز لذكر وجهيهما، ولم يسعنا إلا موافقتها.
هذا الطلاء مضيع للجمال الحقيقي المعنوي والحسي أيضا، فإنه يسمم الجلد ويسد مسامه ويجهد عضلات الوجه، فإذا استعملته سيدة وانقطعت عنه يوما ظهر وجهها شاحبا أصفر متغضنا وتغور عيناها وتسود ولا حور، وعملية الطلاء هذه ربما تعذرت حينا، فقد تمرض المرأة أو تتأخر فتفاجئها الزائرات، فماذا تعمل؟ أتقابلهن طبيعية أم تجبرهن ساعة على الانتظار ريثما تتم عملها الشاق؟
السيدة التي تغش زوجها يجب أن تحتقر؛ لأنها تزدري بصنع الخالق - سبحانه - وتعمد إلى تغييره، ومن يزدري بصنع الله كافر؛ لأنها تخدع الرائين والرائيات والخادع يجب أن يمتهن؛ لأنها تجني على صحتها وتعجل الهرم لنفسها، فهي إذن لا تدري النافع من الضار، ومن لا يعرف نفع نفسه من أذاها أبله لا يحترم؛ لأنها تجني على الآداب فتجعل من نفسها قدوة فاسدة لبناتها.
وإذا كان الوجه الذي هو أظهر أعضاء البدن يعمد لغش الناس فيه، فكيف بالضمير الخفي؟ إن الطالية وجهها ساقطة في رأيي، فلتغضب من هذا القول من كانت غاضبة؛ فإني لا يهمني رضا التماثيل.
ولولا تشجيع الرجال النساء في غرورهن لما تمادين فيه، فإن بعض الرجال يشترون بأنفسهم علب المسحوقات وأنواع المحسنات لنسائهم وبعضهم يتكدر عندما يرى امرأته في وجهها الأصلي وهيئتها البسيطة.
ألا يا نساءنا اتركن هذه العادة الذميمة، وإن كان لا يسليكن غير صناعة النقش بالألوان فأمامكن الورق ليس أكثر منه، انقشن فيه صورا ورسوما تحلي جدران المنازل، واشكرن الله على نعمه الجزيلة، واعلمن أننا مصريات، فإن لم يكن في أجدادنا أصل العجمة فمن أين لنا هذا البياض الناصع والاحمرار الشديد؟! وما أحلى السمرة الجاذبة لو تفهمين معناها! إنها جميلة لأنها جميلة ولأنها مصرية ولو لم يكن فيها غير المصرية والطبيعة لكفى، وكل طبيعي جميل. (10) مبادئ النساء
المبدأ الأول: عدم الثقة بالزوج أو الغيرة العمياء
صفحة غير معروفة