على مهل تحت أوراق السنط الغضة لاح ظل جهنمي يحيط بروح غضة نحيلة؛ وذلك لأن هذا الوحش لا يغتذي بغير الأشياء اللطيفة، بغير الأغصان والكلأ وقشر الشجر.
وكلما ارتفعت الشمس عاد سماط الماء غير ساكن، والنيل في حال بحيرة وفي حال نهر كبير جديد يغادر ذلك المنبع الثاني، والنيل شاعرا بقوته يجاوز أكثبة كبيرة تحاول وقفه فيظهر كالرجل الذي يجلو سلاحه استعدادا لقتال جديد، والنيل في الغرب يبصر آجاما واسعة في أراضي الكونغو، والنيل في الشرق يبصر سهوبا صفرا ذات سنط مغروس فيها، ولا ينشب مجرى النيل أن يتوطد فيشتد بعد خمسة عشر كيلومترا في مجرى عريض هادئ سائرا حرا.
والآن يحمل النيل اسما ثانيا؛ أي يحمل في مسافة مائتي كيلومتر اسم نيل ألبرت لدى كثير من الناس؛ أي يحمل اسما يلائم مجراه الهادئ الصالح للملاحة من خلال بلد له منظر الحديقة، والنيل حتى عند مهاجمة البطائح إياه من الجانبين يحافظ على حرية سيره، وتضحي ضفتاه متماثلتين شيئا فشيئا، ويسترهما قصب السهب، وفي البعد ترى سطور خضر تنم على سواعد غارقة في غدران عاطلة من مصاب، وإذا كان النيل يضيق أحيانا فإنه لا يضل أبدا.
ومن ينظر إلى الزرع على طول النهر يظن نفسه حول التيمس، والنهر ضارب إلى زرقة مع أشعة خضر وجزيرات وخلجان، والنهر حين يتسع يتحول إلى بحيرات صغيرة يحيط بها القصب مع زاوية من غابة ظليلة وراءها حيث يكون شكل الأنيس
10
والقاوند والجميز غير غريب، والمادي، وهم رجال يجيئون إلى شاطئ الماء، قوم عراة، ولمعظم هؤلاء حق في ذلك لاتصاف أجسامهم بجمال كلاسي
11
كأجسام فتياتهم، ولهؤلاء الفتيات زي عجيب، فلا وزرات
12
لهن، وهن يربطن طاقة أوراق رطيبة من الوراء ويجددونها كل يوم فتهتز نظيفة كريش نعامة، والفتيان إذا ما أتوا إلى الضفة معهن وضعوا عنهم رماحهم وجلود الحيوان التي يحملونها على ظهورهم وأبعدوا الأعشاب المائية جانبا وبلوا الجبين والفم بحركة دينية ودخلوا الماء واغتسلوا من غير ضوضاء كالبيض في الحمام، واتخذوا وضعا كهنوتيا، ثم خرجوا واسترجعوا جلودهم ورماحهم وانصرفوا.
صفحة غير معروفة